قصة إسلام أبي الدرداء

السوسنة - هو عويمر بن مالك الخزرجي ، وكني بأبي الدرداء بسبب نومه المبكر .
وكان أبو الدرداء في جاهليته يمضى إلى حيث صنمه المنصوب فى أشرف مكان في بيته ، يحييه ويعطره ؛ وفي مرة فعل ما يفعل دوما ثم ألقى على صنمه بثوب جديد من الحرير الفاخر ، أهداه إليه أحد تجار اليمن ، وحينما ارتفعت الشمس في السماء غادر أبو الدرداء منزله قاصدا متجره .

وكانت يومها شوارع المدينة وطرقاتها تضج بأتباع سيدنا محمد ، حيث كانوا عائدين من غزوة بدر ، وفي مقدمتهم أفواج من أسرى قريش ، فأعرض أبو الدرداء عنهم ، لكنه أقبل بعد برهة على فتى من الخزرج ، وسأله عن عبد الله بن رواحة وعن أحواله ، فأجابه الفتى أن عبد الله بن رواحة قد أبلى فى المعركة بلاء حسنا وهو الآن عائد مع جموع الصحابة سالما غانما .


ولم يستغرب أو يستنكر الفتى على أبي الدرداء سؤاله ، لأن الجميع كان يعلم أواصر الأخوة التى تربط بينهما ،  حيث كانوا متآخيين فى الجاهلية ، وبعد قدوم الإسلام أسلم ابن رواحة ، وأعرض أبو الدرداء ، إلا أن ذلك لم يقطع الأخوة بينهما ، فقد ظل عبد الله ابن رواحة يتعهد أبا الدرداء بزيارات متكررة ويدعوه إلى الإسلام ويرغبه فيه وفيما سيغنم من فوز عظيم في الدنيا والآخرة .


وبلغ أبو الدرداء متجره ، وتربع على كرسيه ، وأخذ يبيع ويشترى ، ويتابع أمور تجارته وغلمانه .
 
 ولا يعلم ما يجرى فى منزله في تلك الأثناء ، حيث أن ابن رواحة ذهب لبيت صاحبه أبى الدرداء وكان عازما على أمر ما ، ولما وصل رأى الباب مفتوحا ، ورأى أم الدرداء فى الفناء ، فسلم عليها وسألها عن اخيه أبي الدرداء ، وأخبرته أنه في متجره ولا يلبث إلا أن يعود ، فاستأذنها  ابن رواحة بالدخول ؛ فأفسحت له الطريق ودخلت إلى حجرتها ، لتهتم بإصلاح شأن بيتها ورعاية أطفالها .


فدخل عبد الله بن رواحة إلى حيث صنم أبي الدرداء ، وأخرج قدوما كان أحضره معه ، وأخذ يقطع الصنم ويقول : ألا كل ما يدعى مع الله باطل ، ألا كل ما يدعى مع الله باطل . 
 
حتى جعله قطعا متناثرة وأشلاء ، ثم غادر البيت . ثم دخلت أم الدرداء إلى حجرة الصنم ، وصعقت لما رأت من أشلاء مبعثرة على الأرض ، وبدأت تلطم خديها وتقول : أهلكتنى يا ابن رواحة .

لم يمض من الوقت إلا القليل ، ودخل أبو الدرداء منزله ورأى امرأته جالسة عند باب الحجرة  تبكى وتنشج ، والخوف يعلو وجهها ، فسألها عن شأنها وأخبرته بما فعل عبد الله بن رواحة جاءنا فى غيبته .
 فنظر أبو الدرداء للصنم ليجده حطاما ، فغضب وأراد أن يثأر لصنمه ، لكنه ما لبث قليلا حتى هدأت نفسه وسكت عنه غضبه ، وأخذ يفكر مليا بما حدث ، ثم أدرك في نفسه أن لو في الصنم خيرا لدفع الأذى عن نفسه .

 
ثم انطلق مع أخيه وصاحبه عبدالله بن رواحة ، ومشيا معا حيث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ليعلن أبو الدرداء دخوله فى دين الله ، وكان هو آخر أهل حيه إسلاما ، ولكن كان إيمانه منذ اللحظة الأولى قد خالط كل ذرة فى كيانه ، وندم على ما فاته من خير عظيم ، وأدرك جلال ونعمة ما سبقه إليه أصحابه ، وما فاته من فقه للدين ، وحفظ للقرآن الكريم ، والعبادة والحسنات والتقوى التي ادخروهما لأنفسهم عند الله في الآخرة .

 
لذلك عزم على استدرك ما فاته وعمل بجهد حتى يلحق بالركب ومن ثم يتقدم عليه .  فانصرف إلى العبادة انصراف المتبتل المنقطع عن الدنيا ، ثم أخذ ينهل ويقبل على العلم إقبال الظمآن ، وواظب على كتاب الله يحفظ كلماته ، ويتفكر آياته .
 
 ولما رأى أن التجارة تنغص عليه لذة العبادة ، وتحرمه من  مجالس العلم ، تركها غير مترددا ولا آسفا عليها أبدا.
حيث لم يترك أبو الدرداء التجارة فقط ، إنما ترك الدنيا بما فيها ، وأعرض عن زينتها وزخرفها ، واكتفى من هذه الدنيا الفانية بلقمة تقيم صلبه ، وثوب خشن يستر جسده .