السوسنة - حبّه لسيدنا محمد – عليه الصلاة والسلام – هو ما دفعه للإيمان بدعوته ، فحرص على سنته و رضاه ، فكان أول من آمن من الرجال ، و أوّل الخلفاء الراشدين ، و أحد العشرة المبشرين بالجنة .
هو عبد الله بن عثمان - أبي قحافة - التيمي القرشي ، يلتقي نسبه و نسب النبي – صلى الله عليه و سلم – عند مرة بن كعب ، و لد للسنة الثانية أو الثالثة من عام الفيل ، و عرف بأبي بكر و الصديق و عتيق و عبد الله . و قيل إنه عرف بالجاهلية بعبد الكعبة ، و ثم عرف في الإسلام بعبد الله .
أمّا لقبه الصديق فقد جاء لتصديقه حادثة الإسراء و المعراج ، و لقبه العتيق فبسبب جمال وجهه ، فالعتاقة هي الجودة ، و قيل إن أمّه لم يكن يعيش لها ولد ، فلما وضعته قالت : اللهم إن هذا عتيقك من النار فهبه لي . و قيل أخ لاثنين هما : معتق ، و معيتيق ، و قد سموا بذلك تفاؤلا لهم بالعيش ، و عتقا من الموت .
كلا والديه من بني تيم ، قوم عرفوا بالأدب و الدماثة و بطيبتهم و مودتهم ، و عرفوا باشتغالهم بالتجارة ، فكانت نساؤهم الأكثر حظوة .
و من القصص التي تدل على طيبتهم ، أن أبا قحافة – والد الصديق – يوم نعوا إليه الرسول – صلى الله عليه و سلم – سأل : من ولي الأمر بعده ؟ فقالوا : ابنك . فعاد يسأل : فهل رضيت بذلك بنو عبد مناف و بنو المغيرة ؟ قالوا ؟ نعم .. قال : لا مانع لما أعطى الله ، و لا معطي لما منع ! .
و كان أبو بكر أبيض ، بياضا تخالطه صفرة ، غائر العينين ، غزير شعر الرأس ، أما صفاته الخلقية فعرف عنه أنه كان أليفا حسن المعشر ، كريما لا يبخل بماله ، متواضعا ، لين الجانب ، و قد ظهر تواضعه أكثر لما صار خليفا .
و كان في جاهليته كما في الإسلام يتجنب ما يريب ، و ما يخل بمروءته ، فلم يشرب الخمر لكي لا يخل بوقاره ، و اشتهر بصدقه ، فقد كان مقبول الضمان عند الدائن و المدين ، و كذلك في الديات و المغارم .
و عرف بسبقه للخير ، فقد قال عنه عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - : ما سابقت أبا بكر إلى خير قط إلّا سبقني إليه . و كذلك قال عنه علي بن ابي طالب – رضي الله عنه - .
و من ذلك أن الرسول صلى الله عليه و سلم صلى بأصحابه الصبح يوما ، فسألهم : أيكم أصبح صائما ؟ فقال عمر : أما أنا يا رسول الله فقد بت لا احدث نفسي بالصوم ، و أصبحت مفطرا .
و قال ابو بكر : أنا يا رسول الله ، بت الليلة و أنا أحدث نفسي بالصوم ، فأصبحت صائما .
ثم سأله – عليه الصلاة و السلام – أيكم عاد اليوم مريضا ؟
قال عمر : إنّما صلينا الساعة و لم نبرح ، فكيف نعود المريض ؟
و قال أبو بكر : أنا يا رسول الله ، أخبروني أن أخي عبد الرحمن بن عوف مريض وجع ، فجعلت طريقي عليه ، فسألت عنه ، ثم أتيت المسجد .
ثم قال النبي : فأيكم تصدق اليوم بصدقة ؟
قال عمر : يا رسول الله ، ما برحنا معك مذ صلينا فكيف نتصدق !
و قال أبو بكر : أنا يا رسول الله ، دخلت المسجد ، فإذا سائل يسأل و ابن لعبد الرحمن بن أبي بكر معه كسرة خبز ، فأخذتها فأعطيتها السائل .
فقال النبي : فأبشر بالجنة ، أبشر بالجنة !