استراتيجيات تربوية من هدي الرسول

السوسنة - يرتبط التطور دوماً بظهور نظريات جديدة في شتى مجالات الحياة، ومن أحد أهم هذه المجالات "التربية"، فقد كانت التربية وما زالت من أصعب وأهم الوظائف التي تقوم عليها المجتمعات، وذلك لأن مستقبل أي مجتمع يعتمد أساساً على القيم والأخلاق التي نشأ وتربى عليها أبناؤه، ومن فضل الله على البشرية جمعاء أن بعث إليهم رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وجعله قدوة لهم ومثالاً يحتذى به في كل شؤون حياته، وحثهم على الاقتداء به، ليجدوا في سنته وسيرته ما تصلح به حياتهم ، وتستقيم به أمورهم، وليكون في اقتدائهم به ما يعينهم في اختيار الطريقة الأنسب للتعامل مع شتى أمور حياتهم إذا تكاثرت النظريات الجديدة من حولهم وتشعبت وتضاربت، فيكون هديه صلى الله عليه وسلم مرشداً ومعيناً لهم، وفيما يلي سنعرض بعض الاستراتيجيات التربوية المستنبطة من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الأطفال.
 
 
التدخل السريع لإيقاف السلوك الخاطيء وتصحيحه:
 
قد نحتار في الطريقة الأنسب للتعامل مع أطفالنا اذا ارتكبوا خطأً ما، هل نتغاضى عن الخطأ في حينه لعدم معرفتهم بأنه خطأ، ثم نوضح لهم فيما بعد أن تصرفهم كان خاطئاً ونحذرهم من أن يعودوا لفعله، أو نعاقبهم لخطئهم فوراً، ليعلموا أن هذا الأمر خطأ ولا يعودوا لفعله مرة أخرى؟
نجد جواب سؤالنا هذا في موقفين من السنة:
 
1- موقفه مع حفيده الحسن رضي الله عنه حين وضع الحسن بن علي رضي الله عنه تمرة من تمر الصدقة في فمه، فعندها أمره صلى الله عليه وسلم بإخراجها من فمه فوراً وقال له: " كخ كخ إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقات".
 
2- موقفه مع عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه،وهو ابن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، نشأ وتربى في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، ويروي لنا رضي الله عنه هذا الموقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: "كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك"، فما زالت تلك طعمتي بعد" رواه البخاري 
 
 
فنرى في الموقفين أن النبي صلى الله عليه وسلم :
 
- تدخل فوراً وأوقف السلوك الخاطيء
- لم يلم الطفلين أو يوبخهما لسلوكيهما
- لم يذكر لهما أخطاءهما أو يعيرهما بها
- اكتفى بتوجيههما إلى السلوك الصحيح بطريقة واضحة وبسيطة ليسهل عليهما فهمها وتطبيقها.
 
 ويدلنا قول الصحابي الجليل عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه:" فما زالت تلك طعمتي بعد" على نجاح هذه الطريقة وأثرها الطيب في نفسه، حيث أنه التزم بهذا الأمر لبقية حياته.
 
الضوابط والقوانين المحددة لسلوك الطفل:
 
هل يجب علينا أن نضع للطفل قوانين وضوابط تحكم سلوكه في المنزل؟ أم أن للطفل الحرية المطلقة في التجول في كل أركان المنزل في أي وقت، والتصرف كيفما يشاء ما دام في منزله؟
 
لا بد من وضع ضوابط محددة للزمان والمكان تضبط علاقة الطفل بمن حوله، وتعلمه أن يحترم خصوصية الآخرين، وأن يكون شخصاً مسؤولاً عن تصرفاته، وقد أنزل الله تعالى في سورة النور إحدى هذه القواعد حين قال:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ" النور58 
 
 
وتشير هذه الآية بوضوح إلى أدب يجب أن يتعلمه الأطفال منذ الصغر؛وهو الاستئذان، وقد حددت الآية الفئة العمرية المقصودة بهذا الحكم بقوله تعالى:"الذين لم يبلغوا الحلم"، أي الأطفال الذين لم يصلوا إلى سن البلوغ بعد، وهذا معناه أن يلتزم هؤلاء الأطفال بقوانين معينة توجب عليهم أن يستأذنوا قبل دخول غرف معينة في بيوتهم، في أوقات محددة، وذلك حفظاً لخصوصية أفراد عائلاتهم، مما سيجعل هؤلاء الأطفال أكثر انضباطاً وأكثر تحملاً للمسؤولية في تصرفاتهم.

التعاطف مع الطفل وفهم مشكلاته، والذكاء العاطفي
 
كثيراً ما يأتينا أطفالنا باكيًا لأسباب قد تكون تافهة أو مضحكة في نظرنا، ولكن ما الطريقة التي يجب علينا أن نتعامل بها مع هذه المواقف؟ هل نشرح لهم مدى بساطة الموضوع لتتلاشى المشاعر السلبية التي يشعرون بها؟ أم هل نطمئنهم ونعرض عليهم شيئاً ممتعاً محبباً إليهم لننسيهم الموضوع الذي يشغلهم ونصرفهم عن التفكير فيه لئلا تزداد مشاعرهم السلبية؟ 
 
يجيبنا عن تساؤلنا هذا موقف حدث مع صبي صغير من أبناء الصحابة رضوان الله عليهم يدعى 
 
"أبا عمير"، حيث كان هذا الصبي يربي عصفوراً صغيراً، فلما مات هذا العصفور، حزن الصبي، واتفق أن زار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتهم في ذلك الوقت، فرأى ما به من حزن، فسأل عنه أهله وعلم بموت العصفور، فجلس إليه وسأله:"يا عمير، ما فعل النغير؟" (أي أخبرني ماذا حدث للعصفور). 
 
وهنا نرى أن الرسول صلى الله عليه وسلم عالج المشكلة بأن حث الطفل على مواجهة الموقف والحديث عنه، بما فيه من وصف لمشاعره السلبية، ليتفهمها ويتصالح معها،مع إشعاره باهتمامه وتعاطفه معه ولم يسخر من موقفه أو يسفهه، وهذه الطريقة في التعامل مع المشاعر بتصنيفها وفهمها وفهم مسبباتها، ستساعد على نضوج الطفل عاطفياً، بحيث يصبح في المستقبل قادراً على التعاطف مع الآخرين، وتقبلهم، وفهم مشاعرهم ودوافعهم.