منهج اليسر في الإسلام

تعلَّمنا من ديننا أن منهج اليسر ليس معناهالتفريطفي الواجباتالشرعيةوالمصالح التي جاءت أحكام الشريعة لتحميهاوتصونها، إن اليسر رسالة رحمةميزتالإسلام عن غيره من الشرائع،فكان اليسر هديًاسماويًاورحمة نبوية، هذا هو منهاج الله الناطق بالوحييخاطب: {قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق}فغير مقبولفي الإسلام تجاوز الحد في اتباع الحق،والمبالغةفيه إلى حدالخروج عن المنهجالذي بلّغهالرسول صلى الله عليه و سلم؛و لهذا وجدنا منينازعالحقالواضح البين، فبذربذرة التطرفوالغلوفي الخطاب الإسلامي، والإسلام بريء براءة الذئب من دميوسف عليه السلام .

 
إنمنهج الإسلامنطقت به السنَّة المطهَّرة في وضوح ما بعده وضوح؛ فعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنها قالت: ما خيِّر رَسُول اللَّهِﷺ بين أمرين قطُّ إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعدَ الناس منه، وما انتقم رَسُول اللَّهِﷺ لنفسه في شيء قط إلا أن تنتهك حرمة اللَّه فينتقم لله تعالى. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. 
 
و قد ظهرمنهج اليسر في الجانب التشريعي من خلالمنظومة قيم الهديالقرآنيفي تبليغرسالة الإسلام في آيات كريمةكثيرة ، أشارتإلى دلالات اليسر،نعرضبعضًا منها ، فتأمل الآيات و تدبُّرها،حين يخاطبنا الله بهذا الأسلوبالرباني الهاديالجميل، يخاطبنا بلغةيفهمها الجميعفي ألفاظ واضحةالدلالة؛يقول الله تعالى:{ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ}،إنالله يريد أنتصبغحياتنا كلها بهذهالخاصية؛لأن الخالق أدرى بشؤون خلقه،و هو أدرىبطبيعةالنفس البشرية المجبولةبفطرتها على اليسر والتيسير، ولأن الضعف طبيعة بشريةأقرَّها الله تعالى فيه.
 
كما يتجلى منهج اليسر في جانب النصوص النبوية الشريفةالمشرِّعة؛لتجعل الدين الإسلامي مميزًا بخاصة اليسر، فتأتي النصوص النبوية توافقنفس المنهج فيالسياق القرآني،وتُبرز حاجة هذا الكائن الفطريةلهاته الخَصيصة؛ ففي صحيح البخاريِّ حديث النبيﷺ(يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا)و هو توجيه لعموم المسلمين؛ليتحلَّوا بهذهالسمةفي كل حياتهم،و هذا يؤكدنقاء هذا المنهج من صور الغلو و التطرفوالمغالاة في التشدد، وهي حجة كافيةلكل من سلكطريق التطرفعن سوء فَهم أو شطط في التطبيق و الممارسة.
 
 و حين نقف عند صور اليسر في الشريعةمن خلال يسرالإسلام فيالعبادات، تتجلى لنا عظمة الرحمة والشفقة في رفع الأسر والأغلال والحرج، فنجداليسر في الطهارة،فيشرع الله لنا التيمُّم، وفي الصلاةيشرع لنا القصرفيها، و قسعلى ذلك فيالعبادات كلهافيالصيامو الحجوالجهاد؛فاليسر منهج خصالله به شريعة الإسلام دونغيرها من الشرائع، فاليسر خصيصة تتجاوب معها الفطرة السليمة؛لأن الإنسان معرض للطوارئ والظروف الاستثنائية، وفي بعض الأحيان للمواقفالحرجةالتي غالبًا ما يكون سلوك الفرد يجنحللثورة والغضب، فتأتي التربية السليمةموظفة منهج اليسر في التعاملفي مواقف الحياةلرفعالمشقة والضيق.
 
 هي الآيات ترسم منهج اليسر في الإسلام في صوركأنها مصابيحهداية للحيارى، الذين أغرتهم الشبهات فوقعوا في المحظور،هي آيات ناطقة ترسمالمنهج فيوضوح لاشبهةفيه، فتأتي الآيات تجلي الأوهام، معلنة: هذا هو الإسلامالذي أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلمفي بيانمنهج اليسر من خلال مشكلات حياتية.و قال جل جلاله: {لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاء رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }[التوبة: 91- 93].
 
إن منهج اليسر في صوره إنما ترعاه مدارس الوسطية، التي تفهم الإسلام بشموله،منهج يتعامل مع الفطرة السليمة، كما فهمه الصحابة عليهم الرضوان ومن جاء بعدهم من السلف الصالح، فكل تضييق على مدارسالاعتدال تكون نتيجتهاتساعبؤرة الغلووالتطرف، و أنما نراه اليوم من صور مخيفة مرعبةلانتشار الغلاةمردُّهلسبب واحد يتمثل في انحصار الفهم الوسطي و محاربته؛لأن الأحق بالشهادةعلى الناس والنموذج الأقرب للاقتداءهو تيار الوسطية{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}[البقرة:143].
 
 
 
 
 
 




آخر إضافات الموقع

الأكثر مشاهدة