تفسير وشرح الحديث النبوي إنما الأعمال بالنيات

السوسنة - روى هذا الحديث الشريف ، أمير المؤمنين ، عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، وقد أورده كل من البخاري ومسلم في صحيحيهما، لذا فهو حديث صحيح متفق عليه.

متن الحديث الشريف:
عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنما الأعمال بالنيّات ، وإنما لكل امريء ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه".  رواه البخاري ومسلم في صحيحهما


أهمية هذا الحديث الشريف:
اعتبر العلماء هذا الحديث الشريف واحداً من أهم حديثين يقوم عليهما الدين من حيث الأعمال، ما يقبل منها وما لا يقبل، والحديث الآخر هو ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، فهذا الحديث يتحدث عن الأعمال الظاهرة التي يمكن للناس الحكم عليها بظاهرها، أما حديث "إنما الأعمال بالنيات" فهو يبين ما يقبل وما لا يقبل من الأعمال بحسب نية من عملها، وهذا أمر لا يستطيع أن يحكم عليه إلا صاحب العمل، لأن العمل قد يكون عملاً مقبولاً في ظاهره إلا أن فساد النية سيفسده.

وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله في هذا الحديث: "هذا الحديث ثلث العلم , ويدخل في سبعين بابا من أبواب الفقه , وما ترك لمبطل ولا مضار ولا محتال حجة إلى لقاء الله تعالى".
شرح الحديث الشريف:

- " إنما الأعمال بالنيات"، يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ما من عمل إلا وخلفه نية وقصد محددان، سواء أدرك الإنسان ذلك أم لم يدركه، فهو لن يبدأ بفعل أي شيء إلا وله نية من ورائه دفعته إلى فعله، لذلك يلزم استحضار النية قبل الشروع في العبادة، فمثلاً غسل الجنابة يختلف عن الغسل لتخفيف الحر، مع أن كلاهما غسل، إلا أن الغسل لتخفيف الحر لا يجزيء عن غسل الجنابة، لعدم وجود النية، ولا يشترط التلفظ بالنية للشروع في العبادة، بل يكفي استحضارها في القلب والتفكير فيها، ويستثنى من ذلك الحج والعمرة فهما العبادتان الوحيدتان اللتان يشترط فيهما الجهر بالنية والتلفظ بها.

والنية أمر عظيم، فهي كالروح للعمل، وهي موضع نظر الله تعالى، وبها يصح العمل أو يبطل، ومن عظم مكانتها، أن الإنسان إذا نوى خيراً ولم يستطع فعله، أجر على هذا الخير وكأنما فعله، ولذلك عندما تخلف بعض الصحابة عن الخروج في غزوة تبوك بسبب بعض الأعذار الشرعية، قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن بالمدينة أقواماً ما سِرْتُم مسيراً، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم العذر".



- " وإنما لكل امريء ما نوى" دعوة من الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإنتباه إلى النية من وراء كل عمل نقوم به، وهي بمعنى آخر دعوة للحرص على إخلاص النية، بأن تكون النية من وراء كل عمل نية سامية ترتبط بالله وبالآخرة، ولا حظ للرياء فيها.

- "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله"
أي أن من هاجر ليفر بدينه، ويتمكن من أداء العبادات دون مضايقة المشركين له أو منعه من أدائها، فهذه هجرة خالصة لله تعالى ويؤجر الإنسان عليها.

- "ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه"
وهذا مثال على الأعمال التي قد يعملها الإنسان، والتي تتشابه مع العبادة في الظاهر، إلا أنها لا تعد من العبادة لاختلاف النية، فقد يهاجر مع المسلمين من نيته من هذه الهجرة التجارة فقط أو الزواج من امرأة ما من البلد الذي يهاجر إليه، فهذه أمور مباحة، ولكنها لا تعد هجرة إلى الله ورسوله، وإنما مجرد سفر لطلب الرزق، أو للزواج، أو لقضاء غيرها من حوائج الدنيا، ولا يؤجر الإنسان عليها إلا بقدر ما استحضر في نيته أنه يهاجر ليتمكن من أداء العبادات على أكمل وجه.


المصادر : 
الشيخ خالد بن سعود البليهد
الدكتور - عبدالعال بن سعد الرشيدي



.