أنواع الهجرة في الإسلام

السوسنة - ورد في كثير من الأحاديث الشريفة والآيات الكريمة الأمر بالهجرة، وقد يظن البعض أن الهجرة هي الهجرة من مكة إلى المدينة فقط، ولكن في الحقيقة فإن للهجرة أنواعاً عديدة وحالات مختلفة يختلف فيها حكمها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها" رواه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود والنسائي في السنن 

وهذا يعني أن الهجرة أشمل من أن تنحصر في الهجرة الأولى التي هاجرها الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم من مكة إلى المدينة، والتي كانت ميزة وفضلاً خاصاً بالجيل الأول من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، وانتهت مدتها بفتح مكة حيث أصبحت أرض إسلام كالمدينة المنورة. 


الهجرة نوعان:
1.هجرة حسية مكانية:
 ومثال هذه الهجرة هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم من مكة إلى المدينة، أو هجرة الصحابة رضوان الله عليهم في بداية الدعوة إلى الحبشة، وهي ترك أرض الكفر والفتن إلى أرض الإسلام، أو إلى أرض تقل فيها الفتن فيتمكن المؤمن من أداء عباداته على أكمل وجه دون أن يمنع من أدائها أو يضيق عليه.

وقد ورد النص في وجوب هذه الهجرة في الآية الكريمة:" إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً"  سورة النساء: 97-99

ففي هذه الآية وصف الله تعالى من لم يهاجروا بالرغم من استطاعتهم ذلك، بأنهم ممن ظلموا أنفسهم، فهم لم يسعوا لإثبات إيمانهم بالفعل، وإنما استمروا بادعاء الإيمان بألسنتهم، ورضوا بالواقع الذي يعيشون فيه دون اتخاذ خطوة عملية تعزز إيمانهم، وتعينهم على أداء عباداتهم على أكمل وجه بالرغم من قدرتهم على تغيير واقعهم هذا، وأداء عباداتهم كما أمرهم الله، وذلك بترك أرض الكفر إلى أرض الإسلام، فهؤلاء سيدخلون النار كما تبين هذه الآية، إذ لا عذر لهم في ترك ما فرض الله عليهم من العبادات.

أما الفئة الضعيفة فعلاً، والتي لا تستطيع أن تهاجر بالرغم من رغبتها في ذلك، فقد استثناها الله تعالى في هذه الآية، فهم معذورون لما هم فيه من البلاء.


- الحكم الشرعي للهجرة الحسية:
وهنا قال العلماء أن للهجرة المكانية ثلاثة حالات يختلف فيها حكمها، وهي:
- واجبة: إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يؤدي عباداته بحرية ويظهر دينه في البلد التي يقيم فيها، وكان قادراً على الهجرة، عندها تجب عليه الهجرة إلى بلد آخر يتمتع فيه بحرية الإعتقاد وممارسة الشعائر الدينية، وقال العلماء أن هذا ينطبق أيضاً على البيوت والأماكن التي لا يتمكن الشخص من أداء عباداته فيها، ويخاف على نفسه من فتنها، فعندها وجب عليه أن يتركها وينتقل إلى حيث يكون أبعد عن الفتن والمعاصي.

- مستحبة: تصبح الهجرة مستحبة لمن يقدر عليها بالرغم من أنه يستطيع أن يؤدي شعائر دينه في بلد الكفر دون خوف، عندها تصبح الهجرة مستحبة لما فيها من نصرة للمسلمين وتكثير لعددهم.

- مباحة أو غير واجبة: وهذا الحكم للشخص الذي لا يقدر على الهجرة العاجز عنها، مثل المريض أو الضعيف (كالنساء والأطفال) أو الأسير.

2.  هجرة معنوية قلبية: 
أما الهجرة المعنوية القلبية فهي بهجر المعاصي وتركها، وترك كل مسبباتها، ومنها ترك صحبة من يرتكبون هذه المعاصي والبحث عن الصحبة الصالحة، فقد ثبت في سنن أبي داود أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أي الهجرة أفضل؟ فقال: "من هجر ما حرم الله" رواه أبو داود.

وفي صحيح البخاري، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ".

- الحكم الشرعي للهجرة المعنوية:
واجبة على الجميع، وهي أصل في الدين، فهي ليست إلا ترك المحرمات والتزام الفرائض والفضائل.


المصادر : كتاب أحكام الهجر والهجرة في الإسلام – أبو فيصل البدراني 

 




آخر إضافات الموقع

الأكثر مشاهدة