رمضان نفحة من نفحات الله - أ.د محمود السرطاوي

 في الحديث النبوي الشريف " إن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرضوا لها لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها "  رواه الترمذي والطبراني في الأوسط من حديث محمد بن مسلمة ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الفرح من حديث أبي هريرة وذكره ابن عبد البر في التمهيد من حديث أنس .

فعلى المسلم أن يغتنم الأيام الفضيلة والساعات المباركة استباقاً للخيرات وتحين الفرص كالدعاء يوم عرفه , وليلة القدر , وفي الثلث الأخير من الليل و وساعات يوم الجمعة , والدعاء حال السفر , وفي مواضع السجود , وأعظم هذه النفحات الإلهية شهر رمضان , فصومه فريضة قال تعالى " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ,هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان , فمن شهد منكم الشهر فليصمه ".
في هذه الأوقات المباركة يفتح الرب سبحانه وتعالى لعباده أبواب رحمته ليتوبوا فيتوب عليهم , ومن رحمته أن جعل باب التوبة مفتوحاً لا يغلق في وجه أحد منهم إلا أن يغرغر أو تخرج الشمس من المغرب , ففي الحديث عن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " .
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها " .
ومن رحمته بعباده أنهم يناجونه من غير وساطة بشر قال تعالى ( ادعوني أستجب لكم) (ومن أوفى بعهده من الله) , وفي الحديث القدسي عن رب العزة " من تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعا , ومن تقرب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعا , ومن جاءني يمشي أتيته هرولة " .
والنفحات الإلهية يعرضها الله لعبادة ففي كل ليله إذا مضى الثلث الأول من كل ليلة يقول الله تعالى " من يدعوني فأستجب له ؟  من يستغفرني فأغفر له ؟ من يسألني فأعطيه ".
يا عباد الله هذا ربكم ينزل إلى السماء الدنيا ليغفر لكم يدعوكم ليعطيكم من فضله , يناديكم لتدعوه فيستجيب لدعائكم.
رمضان نفحة من نفحات الله , تفتح فيه أبواب الجنة ومنها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون.
وهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن العظيم هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان , شهر فيه ليلة خير من ألف شهر , شهر فَرَقَ الله فيه بين الحق والباطل  في موقعة جاءت كالبدر في مكان بدر , وفيه فتحت مكة المكرمة فدخل الناس في دين الله أفواجا وفيه ردّ الله كيد الكائدين المعتدين المغتصبين فكانت معركة حطين فتحاً مبينا , حرر المسلمون المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين من دنس الصليبيين.
ورمضان له من اسمه دلالة على معناه , فالرمض كما يقول صاحب لسان العرب المطر الخفيف الذي ينزل أول الخريف فيطفئ حر الأرض بعد لهيب الصيف الحار ويغسل وجه الأرض من أدران الصيف ومكروباته , وكذلك رمضان يأتي ليغسل الران مما اكتسبته القلوب واقترفته الأيدي والألسن فيطهرها مما اكتسبت من اثم.
فاحرص يا أخي المسلم أن تكون من عتقاء هذا الشهر ومن عبّاد الله فيه فصم نهاره وأحيي بالصلاة والذكر ليله , وأكثر من الصدقة فإن الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار , ولا تنسى أن تصل رحمك فإن الرحم معلقة بالعرش تقول ( من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله) .
وأكثر من قراءة القرآن والذكر والتسبيح والدعاء فإن مَثَل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب , ولا تكن ممن يعرض عن ذكر الله وقراءة القرآن فيعرض الله برحمته وعفوه عنك قال تعالى (( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ظنكا , ونحشره يوم القيامة أعمى , قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا , قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى)).
فيا أخوة الإيمان ((ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين))
وفي الختام أسأل الله تعالى أن يبلغنا شهر رمضان وأن يجعلنا ممن يصوم نهاره ويقوم ليله, وأن يجنبنا الزلل والخطل والفتن ما ظهر منها وما بطن , ونسأله تعالى أن يجعلنا من عتقاء هذا الشهر الكريم إنه سميع مجيب والحمدلله رب العالمين.
 
 
*رئيس اللجنة العلمية / رابطة علماء الأردن
 




آخر إضافات الموقع

الأكثر مشاهدة