الأحكام الفقهية للمولود - د. عبدالعزيز الدغيثر

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على الذي أُرسل رحمة للعالمين، أما بعد:
فإن نعمة الولَد نعمة عظيمة تحتاج إلى شكر، ومن شكر النعمة اتباع الأحكام الشرعية للمولود، وفي هذا المقال تلخيص لتلك الأحكام تفيد القارئ وتذكر العالم، أسأل الله أن يوفقنا لصواب القول والعمل. والذي يشرع عند قدوم المولود:
 
أولاً: التهنئة بالمولود:
يستحب بشارة من ولد له ولد وتهنئته: قال تعالى: ﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴾ [الصافات: 101]. وقال رجل عند الحسن البصري لآخر: ليهنك الفارس. فقال: الحسن: لعله لا يكون فارساً، لعله يكون بقالاً أو جمالاً، ولكن قل: شكرت الواهب وبورك لك في الموهوب، بلغ أشده ورزقت بره[1]، وكان أيوب إذا هنأ بمولود قال: جعله الله مباركاً عليك وعلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم[2].
 
ثانياً: الأذان في أذنه:
من السنة أن يؤذن في أذن المولود لحديث أبي رافع قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة"[3] وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: ورد في سنن الترمذي حديث صححه بعض العلماء وعمل به البعض أنه يؤذن في أذن المولود اليمنى. وأما الإقامة فورد فيها حديث ضعيف، وعمل به جمع من السلف مثل عمر بن عبدالعزيز رحمه الله[4].
 
ثالثاً: تحنيك المولود والدعاء له:
فقد روت عائشة رضي الله عنها "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُؤتى بالصبيان فَيُبِّرك عليهم ويحنكهم"[5]، وفي حديث أسماء أنها ولدت عبدالله بن الزبير فوضعه النبي صلى الله عليه وسلم في حجره ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل في فيه فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حنكه بالتمرة ثم دعا له وبَّرك عليه"[6] وحنك أيضاً عبدالله ابن أبي طلحة كما في الصحيحين من حديث أنس[7].
 
والتفسير العلمي لهذا الحديث:
أن مستوى السكر "الجلوكوز" في الدم بالنسبة للمولودين حديثاً يكون منخفضاً، و كلما كان وزن المولود أقل كلما كان مستوى السكر منخفضاً. وبالتالي فإن المواليد الخداج "وزنهم أقل من 5,2 كجم" يكون منخفضاً جداً بحيث يكون في كثير من الأحيان أقل من 20 ملليجرام لكل 100 ملليلتر من الدم. و أما المواليد أكثر من 5,2 كجم فإن مستوى السكر لديهم يكون عادة فوق 30 ملليجرام. و يعتبر هذا المستوى (20 أو 30 ملليجرام) هبوطاً شديداً في مستوى سكر الدم، و يؤدي ذلك إلى الأعراض الآتية:
1- أن يرفض المولود الرضاعة.
2- ارتخاء العضلات.
3- توقف متكرر في عملية التنفس و حصول ازرقاق الجسم.
4- اختلاجات و نوبات من التشنج.
 
و قد يؤدي ذلك إلى مضاعفات خطيرة مزمنة، و هي:
1- تأخر في النمو.
2- تخلف عقلي.
3- الشلل الدماغي.
4- إصابة السمع أو البصر أو كليهما.
5- نوبات صرع متكررة (تشنجات). و إذا لم يتم علاج هذه الحالة في حينها قد تنتهي بالوفاة، رغم أن علاجها سهل ميسور و هو إعطاء السكر الجلوكوز مذاباً في الماء إما بالفم أو بواسطة الوريد.
 
المناقشة:
إن قيام الرسول صلى الله عليه وسلم بتحنيك الأطفال المواليد بالتمر بعد أن يأخذ التمرة في فيه ثم يحنكه بما ذاب من هذه التمرة بريقه الشريف فيه حكمة بالغة. فالتمر يحتوي على السكر " الجلوكوز " بكميات وافرة وخاصة بعد إذابته بالريق الذي يحتوي على أنزيمات خاصة تحول السكر الثنائي " السكروز " إلى سكر أحادي، كما أن الريق ييسر إذابة هذه السكريات، و بالتالي يمكن للطفل المولود أن يستفيد منها.
و بما أن معظم أو كل المواليد يحتاجون للسكر الجلوكوز بعد ولادتهم مباشرة، فإن إعطاء المولود التمر المذاب يقي الطفل بإذن الله من مضاعفات نقص السكر الخطيرة التي ألمحنا إليها.
 
إن استحباب تحنيك المولود بالتمر هو علاج وقائي ذو أهمية بالغة وهو إعجاز طبي لم تكن البشرية تعرفه وتعرف مخاطر نقص السكر " الجلوكوز " في دم المولود.
وإن المولود، وخاصة إذا كان خداجاً، يحتاج دون ريب بعد ولادته مباشرة إلى أن يعطى محلولاً سكرياً. وقد دأبت مستشفيات الولادة والأطفال على إعطاء المولودين محلول الجلوكوز ليرضعه المولود بعد ولادته مباشرة، ثم بعد ذلك تبدأ أمه بإرضاعه.
 
إن هذه الأحاديث الشريفة الواردة في تحنيك المولود تفتح آفاقاً مهمة جداً في و قاية الأطفال، وخاصة الخداج " المبتسرين " من أمراض خطيرة جداً بسبب إصابتهم بنقص مستوى سكر الجلوكوز في دمائهم. وإن إعطاء المولود مادة سكرية مهضومة جاهزة هو الحل السليم والأمثل في مثل هذه الحالات. كما أنها توضح إعجازاً طبياً لم يكن معروفاً في زمنه صلى الله عليه و سلم ولا في الأزمنة التي تلته حتى اتضحت الحكمة من ذلك الإجراء في القرن العشرين [8].
 
رابعاً: العقيقة عن المولود:
عن سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى"[9] وعن سمرة مرفوعاً:" كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويسمى فيه ويحلق رأسه"[10].
 
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُعقّ عن الغلام شاتان متكافئتان وعن الجارية شاة"، وقالت:" عقَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين شاتين ذبحهما يوم السابع وسماهما، وأمر أن يماط عن رؤوسهما الأذى. قالت: فقال رسول الله صلى عليه وسلم: اذبحوا على اسمه وقولوا: بسم الله اللهم منك وإليك، هذه عقيقة فلان. قالت: وكانوا في الجاهلية يخضبون قطنة بدم يوم العقيقة فإذا حلقوا الصبي وضعوها على رأسه فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعلوا مكان الدم خلوقاً"[11].
 
وعن أبي الزبير عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقَّ عن الحسن والحسين بكبش، قال جابر: وفي العقيقة تقطع أعضاءً، ويطبخ بماء وملح، ثم يبعث به إلى الجيران فيقال: هذه عقيقة فلان. قال أبو الزبير: فقلت لجابر: أيضع فيه خلا؟ قال: نعم هو أطيب له[12].
 
وقال عطاء في لحم العقيقة: تقطع أعضاء. قال الإمام أحمد: يعني لا يكسر لها عظم. قال: وهذا أعجب إلي[13].
 
وقال عطاء أيضاً عن العقيقة:" عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة، تذبح يوم السابع إن تيسر وإلا فأربع عشرة وإلا فإحدى وعشرين. قال الترمذي: وأهل العلم يستحبون ذلك[14].
 
وأما الحكمة من تحديد اليوم السابع فقال الدهلوي: وأما تخصيص اليوم السابع فلأنه لا بد من فصل بين الولادة والعقيقة، فإن أهله مشغولون بإصلاح الوالدة والولد في أول الأمر، فلا يكلفون حينئذ بما يضاعف شغلهم، وأيضاً فرب إنسان لا يملك شاة إلا بسعي فلو سن كون العقيقة في أول يوم الولادة لضاق الأمر عليهم. والسبعة أيام مدة صالحة للفصل المعتد به[15].
 
وسئل الإمام أحمد عن العقيقة فقال: قال ابن سيرين: اصنع بلحم العقيقة كيف شئت. قيل: كيف؟ يأكلها كلها؟ قال: يأكل ويطعم[16].
 
وأما كونها ذكراً أم أنثى، فإن الحديث صريح في التسوية بينهما، وذلك فيما روته أم كرز الكعبية أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال:" نعم عن الغلام شاتان وعن الأنثى واحدة لا يضركم ذكراناً كن أم إناثاً"[17].
 
خامسا: حلق رأس المولود:
ورد في هذه المسألة عدة أحاديث، منها:
حديث سلمان بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مع الغلام عقيقته فأهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى)[18].
 
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى)[19].
 
حديث الحسن عن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى)[20].
 
وأما حكم حلق رأس المولود فذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يستحب حلق رأس المولود في اليوم السابع ويتصدق بوزنه ورِقاً لحديث أبي رافع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة لما ولدت الحسن: (احلقي رأسه وتصدقي بوزن شعره فضة على المساكين والأوفاض)[21]، وعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة رضي الله عنها:" يا فاطمة احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة"[22].
 
ثم اختلفوا في حلق رأس المولود الأنثى إلى أقوال:
الأول: ذهب المالكية والشافعية إلى أنه لا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى، لما روي أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وزنت شعر الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم وتصدقت بزنة ذلك فضة[23]. ولأن الحلق فيه مصلحة من حيث انتفاع الفقراء بالصدقة ومن حيث تحسين الشعر، وليس في حلق رأس المولودة تشويه.
الثاني: قال الحنابلة بعدم مشروعية حلق رأس المولودة، لحديث سمرة مرفوعاً: "كل غلام..." فخصه بالغلام[24].
الثالث: قول الحنفية بإباحة ذلك كله[25].وسئل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - عن حلق رأس البنت حتى يقوى الشعر ويكثر؟ فقال: الله أعلم[26].
 
سادساً: تلطيخ رأس الصبي بعد حلقه:
ورد في هذه السنة عدة أحاديث منها ما رواه بريدة الأسلمي رضي الله عنه قال: كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها، فلما جاء الله بالإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران"[27].
 
سابعاً: الختان:
الأصل في هذا الباب حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً:" الفطرة خمس الختان..."[28]. وعن قتادة الرهاوي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر من أسلم أن يختتن..."[29] وأما ختان البنات فالأحاديث الواردة فيها لا تخلو من مقال[30].
 
قال عبدالله بن يزيد: رأيت واثلة بن الأسقع دعا الناس إلى ختان ابنه[31].
 
وقال نافع: كان ابن عمر يطعم على الختان[32]، وعن محمد بن سيرين أن عمر كان إذا سمع صوت دف أنكر، فإن قالوا: عرس أو ختان سكت[33].
 
وقال مكحول لنافع: كان ابن عمر يجيب دعوة صاحب الختان إلى طعامه ؟ قال: نعم[34].
 
وعن القاسم قال: أرسلت إلي عائشة بمائة درهم فقالت: أطعم بها على ختان ابنك[35].
 
وعن عكرمة قال: ختن ابن عباس بنيه فأرسلني فجئته بلعابين فلعبوا وأعطاهم أربعة دراهم[36].
 
ثامناً: تسمية المولود:
ورد حديث من طريق الحسن عن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى)[37]. واستدل به جمع من أهل العلم على استحباب التسمية في اليوم السابع ليكون هناك مهلة من التفكير والمشاورة.
 
وتجوز في اليوم الأول أو الثالث إلى اليوم السابع يوم العقيقة لقوله صلى الله عليه وسلم "ولد لي الليلة غلام فسميته بأسم أبي إبراهيم" رواه مسلم وعلى الوالد أن يحسن اسم مولوده. وقد جاءت السنة باستحباب بعض الأسماء مثل:
1- حديث:"أفضل الأسماء عبدالله وعبدالرحمن وأصدقها حارث وهمام"[38].
2- وحديث:"تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي"[39].
3- التسمية باسم الأب الصالح لحديث:" ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم"[40].
4- التسمية بأسماء الصالحين فقد روى مسلم عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: لما قدمت نجران سألوني: إنكم تقرؤون: "يا أخت هارون" وموسى قبل عيسى بكذا وكذا. فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألته عن ذلك فقال:" إنهم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم والصالحين قبلهم"[41]. وعلى القول بأن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يأت شرعنا بخلافه، فإنه يشرع الاقتداء بهم وقد ورد حديث ضعيف أصرح من هذا وهو:" تسموا بأسماء الأنبياء".
والحمد لله أولاً وآخراً وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 
 
 




آخر إضافات الموقع

الأكثر مشاهدة