هل سيستغل داعش الشهر الفضيل

السوسنة -  مع بدء شهر رمضان الكريم، يتوقع العديد من الخبراء والمحللين أن يستغل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، والمعروف إعلاميًّا بتنظيم "داعش"، هذا الشهر كمبرر لتنفيذ سلسلة من الهجمات الإرهابية، وكفرصة للإعلان عن ولايات جديدة، فضلا عن كونه مناسبة قد يستفيد منها التنظيم في إعادة توجيه استراتيجيته عالميًّا في ظل الخسائر التي لحقت به في كلٍّ من سوريا والعراق مؤخرًا، ورغبته في توجيه ضربات موجعة للعالم غير الإسلامي.

 
 
 
وقد أصدر معهد دراسة الحرب Institute for the Study of War بالولايات المتحدة في يونيو الجاري دراسة شارك في إعدادها خمسة من الباحثين بالمعهد، وتتوقع هجمات محتملة قد ينفذها التنظيم خلال شهر رمضان.
 
 
وتُشير الدراسة التي حملت عنوان "توقعات داعش: رمضان 2016" إلى أن هجمات التنظيم خلال شهر رمضان لن تقتصر على الدول التي تمر بحالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني مثل العراق وسوريا للحفاظ على النجاحات التي يحققها في الدولتين، لكنه سيستهدف عددًا من دول الجوار، مثل: تركيا، ولبنان، والأردن، لكونها جبهات خلفية للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة للقضاء عليه. بالإضافة إلى إعلانه مؤخرًا عن هجمات "الذئاب المنفردة" ضد القوى الغربية؛ حيث يدعو التنظيم المتعاطفين معه للإقدام على تنفيذ هجمات ضد ما يرونه مناسبًا من الأهداف دون الرجوع للقيادة أو الارتباط بها.
 
 
 
وقد حملت الكلمة الصوتية التي أذاعتها مؤسسة الفرقان (المؤسسة الإعلامية التابعة لتنظيم داعش) للمتحدث باسم التنظيم "أبو محمد العدناني" في 21 مايو الماضي تحت اسم "ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيّ عن بينة" المقتبس من الآية الثانية والأربعين من سورة الأنفال - أوامر لأنصار التنظيم والموالين له في كافة أنحاء العالم بأن يكون شهر رمضان "الغزوات والفتوحات"، وأن يكثفوا هجماتهم الإرهابية في عقر دار القوى الغربية التي تشن هجمات عسكرية ضد التنظيم، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي تعد العدو الأول للتنظيم لقيادتها التحالف الدولي ضد التنظيم، واغتيالها عددًا من زعماء التنظيمات الإرهابية. 
 
 
 
ثلاث دوائر للتحرك:
 
 
تتحدث الدراسة عن أن استراتيجية التنظيم خلال شهر رمضان ستتحرك وفقًا لثلاث دوائر جغرافية رئيسية، هي: الدائرة المحيطة بالتنظيم أو الداخلية (وتشمل: العراق، وسوريا، وسيناء، والسعودية، وتركيا، وإيران)، أما الدائرة الثانية فهي الدائرة الخارجية القريبة، وتشمل باقي العالم الإسلامي، بينما الدائرة الثالثة هي الدائرة الخارجية البعيدة، وتشمل القوى الغربية. 
 
 
أولا- قلب إقليم داعش:
 
 
 
يشير الباحثون في دراستهم إلى ازدياد فرص تنظيم داعش للقيام بهجمات داخل العراق خلال شهر رمضان، مستغلا الأزمة السياسية المتصاعدة، والتنافس على السلطة بين الفصائل الشيعية، وضعف موقف رئيس الوزراء حيدر العبادي، وعدم قدرته على الاستمرار في قيادة البلاد في ضوء عجزه عن تنفيذ أي من وعوده. 
 
 
ويتوقع الباحثون أن يشن التنظيم خلال شهر رمضان تفجيرات في بغداد، وأن يستهدف الحجاج الشيعة والأضرحة الشيعية، بالإضافة إلى تجمعات المدنيين الشيعة. كما يشيرون إلى استغلال التنظيم الصراع العراقي – الكردي المتجدد حول إقليم كردستان، ومطالبات الزعيم الكردي مسعود برزاني المتكررة بضرورة الاعتراف باستقلال إقليم كردستان، وإعادة تعريف الحدود الكردية العراقية؛ لإضعاف العراق، وتقويض التحالف الدولي ضد داعش مما يصب في مصلحة التنظيم.
 
 
 
وعن تحركات تنظيم داعش في سوريا، أشارت الدراسة إلى أنها مقيدة، لكن التنظيم يفكر في فك هذا التقيد عن طريق إثارة الصراعات بين كافة خصومه التي تركز على أهداف استراتيجية، وخاصة الصراع بين جبهة النصرة لمنع سيطرة نظام الأسد المدعوم من روسيا من الاستيلاء على مدينة حلب، ليستفيد التنظيم من ذلك بالاستيلاء على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في دمشق ودرعا، كما شن التنظيم هجمات ضد عدد من المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، وسيستغل التنظيم تركيز النظام السوري وقوى المعارضة للسيطرة على مدينة حلب ليضرب أهدافًا أخرى خلال شهر رمضان. كما أنه يخطط لعمليات اغتيالات موسعة ضد قيادات جماعتي جبهة النصرة والسلفية الجهادية "أحرار الشام" في محافظة إدلب، مما شكل تحديًا لتنظيم القاعدة.
 
 
 
وتتوقع الدراسة أن يزيد التنظيم عدد العمليات الإرهابية التي ينفذها في سيناء من خلال تنظيم ولاية سيناء الموالي له، حيث يتوقع الباحثون أنه بعد أن تقوم السلطات المصرية بفتح معبر رفح المؤدي إلى غزة، فمن المحتمل أن تقوم داعش بتجاوز حركة حماس لشن هجمات على إسرائيل، من أجل حث إسرائيل على شن هجمات ضد حماس، وتحدي اتفاقية كامب ديفيد، وتنفيذ عمليات ضد إسرائيل عن طريق سيناء، مما قد يؤدي إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإسرائيل.
 
 
 
ثانيًا- هجمات ضد القوى الإقليمية: 
 
تشير الدراسة إلى أن تنظيم داعش يهدف من عملياته الإرهابية ضد القوى الإقليمية إلى إضعاف تلك القوى، والقضاء على قدراتها المحتملة في قيادة العالم الإسلامي. وتتحدث الدراسة عن تخطيط التنظيم لاستهداف كل من السعودية، وتركيا، وإيران، عن طريق تأجيج الحروب الطائفية الإقليمية بينها، وإشغالها بمحاربة بعضها بعضًا بدلا من قتاله. فعلى سبيل المثال ذكر الباحثون أن المملكة العربية السعودية وتركيا تتعاونان في تمويل جماعات المعارضة السورية كجبهة النصرة خلال عملياتها القريبة من مدينة حلب مما يؤدي إلى خسائر إيرانية كبيرة، كما أن تنظيم داعش يسعى لتأجيج الحرب بالوكالة بين السعودية وإيران التي تدور في اليمن. 
 
 
 
ويُشير الباحثون إلى أن استراتيجية التنظيم تجاه المملكة العربية السعودية واضحة ومباشرة؛ حيث أعلن التنظيم صراحة عن ولايتين في المملكة، والآن هو بصدد إعلان الولاية الثالثة. كما أنه ينوي شن هجمات تستهدف مكة والمدينة المنورة، لا سيما في شهر رمضان، خاصة وأن عدد الزائرين لهما خلال رمضان الماضي بلغ حوالي 14 مليون معتمر؛ ولهذا يسعى التنظيم لاستهداف الحجاج الشيعة في مكة حال تواجدهم في الأماكن العامة لتناول الطعام، وذلك بعد أن تم إحباط محاولته في الهجوم على مكة، وقسم شرطة الطائف في مايو الماضي. ويضيف الباحثون أن تنظيم داعش يرغب في السيطرة على مكة والمدينة، وتقويض حكم أسرة آل سعود. 
 
 
 
وعن تركيا، أشارت الدراسة إلى أن تنظيم داعش يستفيد من الصراع بين السلطات التركية وحزب العمال الكردستاني، حيث يعطيه فرصة استهداف تركيا وإضعافها، كما أن الدعم الروسي للحزب يزيد من التهديدات التركية بما يصب في مصلحة التنظيم، حيث تمثل الحدود التركية أهمية كبيرة لمرور المجاهدين لأوروبا.
 
 
وفي سياق متصل، أشارت الدراسة إلى أن تنظيم داعش سيقوم بمهاجمة إيران بشكل غير مباشر عن طريق استهداف المدنيين الشيعة في العراق، وشن هجمات على الأضرحة والمزارات الدينية الشيعية، كقيامه بهجوم على مرقد السيدة زينب في دمشق عدة مرات.
 
 
 
وعن التهديد الذي يمثله تنظيم داعش لمصر، توقع الباحثون أن يقوم التنظيم بعدد من الهجمات الإرهابية داخل الأراضي المصرية حتى يدفع قوات الأمن المصرية لزيادة الحملات الأمنية ضد جماعة الإخوان المسلمين، وهذا الاتجاه يعكس منهجية القائد السابق لتنظيم القاعدة في العراق، أبو مصعب الزرقاوي، حيث إن منهجه يعتمد على إثارة الهجمات ضد المسلمين السنة لحشد المؤيدين المحتملين؛ ولإثبات أن نهج جماعة الإخوان المسلمين لا يؤدي لنهضة الدولة الإسلامية. بالإضافة إلى أنه بعد أن أثيرت قضية الجزيرتين اندلعت العديد من المظاهرات في عدد من المدن المصرية، خاصة في القاهرة والجيزة، قادتها فصائل مختلفة من بينها جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وقد اتخذت داعش المظاهرات للتدليل على أن أداء جماعة الإخوان في مصر وسوريا غير مجدٍ وغير فعّال.
 
 
 
ثالثًا- الدائرة الخارجية القريبة:
 
 
يهدف تنظيم داعش من حملته تجاه العالم الإسلامي إلى توحيد الأمة عن طريق قيادة الحركة السلفية من خلال قيامه بإعلان ولايات جديدة، وبالأخص في المناطق التي تضم شبكات لتنظيم القاعدة، حيث تُعد ولايتا برقة وطرابلس في ليبيا من أشهر الولايات التي أسسها داعش خارج إقليم العراق وسوريا، والآن يخطط داعش – حسبما تشير الدراسة - إلى إقامة ولايات أخرى في الجزائر، والقوقاز، والسعودية. 
 
ويرى الباحثون أن من المحتمل أن يقوم التنظيم قريبًا بالإعلان عن ولايات في بنجلاديش، ومنطقة الساحل، وجنوب آسيا، بالإضافة إلى تكريس الجهود للتعاون مع تنظيم بوكو حرام في نيجيريا لزيادة قدراته على القتال. كما أن جماعة المجاهدين في الصومال أعلنت عن تحالفها مع تنظيم داعش. وفي أفغانستان، وبعد اغتيال زعيم طالبان أختر منصور، من المقرر أن تقوم طالبان بالتصعيد خلال شهر رمضان للتأكيد على قوتها على الرغم من أنها تقلل عملياتها بشكل كبير في رمضان، وهو ما يضع داعش في وضع تنافسي مع القاعدة في أفغانستان.
 
 
 
رابعًا- الدائرة الخارجية البعيدة:
 
 
يسعى داعش في استراتيجيته نحو الغرب إلى نشر الاستقطاب بين المجتمعات الأوروبية عن طريق الترويج للقمع الاجتماعي للمسلمين في أوروبا، وإضعاف الغرب وروسيا عن طريق قيادة هجمات تضر باقتصاد تلك الدول، ومحاولة إشعال الانقسامات بين حلفائها عن طريق إثارة الصراع الكردي – الروسي، واستغلال الاستقطاب الروسي الأمريكي على قيادة العالم. ويستخدم داعش المحاربين الأجانب وملاذاته الآمنة داخل العالم الإسلامي لتنفيذ عمليات إرهابية داخل أوروبا. وفي هذا السياق، تشير الدراسة إلى قيام التنظيم بالإعلان عن تدريب أكثر من 400 مقاتل للهجمات الخارجية. وقد أثبتت هجمات بلجيكا في 22 مارس الماضي عن تبني داعش استراتيجية كبرى لمعاقبة الغرب، وزعزعة استقراره، وتدمير اقتصاده.
 
 
 
إجراءات وقائية:
 
 
يتوقع الباحثون في دراستهم أن تستمر هجمات تنظيم داعش الإرهابية ضد الأهداف السهلة في كلٍّ من فرنسا وبلجيكا خلال هذا الصيف، واستهداف رموز التماسك الأوروبي، كاستهداف الأحداث الرياضية الكبرى مثل بطولة كرة القدم يورو 2016، والتي من المقرر أن تنعقد في الفترة ما بين 10 يونيو إلى 10 يوليو. كما أنه قد يشن هجمات على الولايات المتحدة إبان عيد استقلالها في 4 يوليو القادم، فضلا عن توقعهم بأن ينفذ التنظيم هجمات ضد بعض الكنائس خاصة التابعة للطائفة الكاثوليكية، مثل كاتدرائية نوتردام في باريس، والفاتيكان، وروما.
 
 
 
بناء على هذا التحليل يرى الباحثون أن خطر تنظيم داعش يمثل تهديدًا للغرب، وعلى القوى الغربية أن تتخذ إجراءات وقائية حاسمة ضد التنظيم خلال شهر رمضان. وتتمثل أهمية تلك الإجراءات في اتخاذها في وقت مسبق مما قد يمنع الكثير من الدمار المحتمل. وتشير الدراسة إلى أن على الولايات المتحدة وحلفائها أن يدخلوا رمضان وهم مستعدون لأية أخطار، لا سيما بالمواقع التي قد تستهدفها داعش كالمواصلات العامة والأحداث الرياضية الكبرى، خاصةً أن خطر هجمات "الذئاب المنفردة" كبيرة على أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
 
 
وتَخْلُصُ الدراسة إلى أن استراتيجية داعش في رمضان تمثل تهديدًا كبيرًا للداخل الأوروبي، وللنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، ومواجهة هذه الاستراتيجية تتطلب من الولايات المتحدة تكريس المزيد من الموارد من أجل تعطيل حملتها البرية، وحماية الأهداف المعرضة للخطر، وتعزيز التحالفات العالمية والإقليمية الرئيسية.
 




آخر إضافات الموقع

الأكثر مشاهدة