المسلمون .. أساتذة العالم - جمال عبد الناصر

 هذا ليس ادعاء رقراقًا، ولا فرقعة صحفية، بل إنها حقيقة بشهادة مفكرين غربيين منصفين،حيث شاع في زماننا اتهام المسلمين بأنهم أجهل شعوب الأرض وأكثرها همجية، وذلك نظرا للهجمة الشرسة على حضارتنا الإسلامية، ومحاولة طمس كل ما هو إسلامي، وتفنيدًا لهذه الترهات التي يروجها مَنْ تربوا على موائد الغرب ورضوا بالخنوع والهزيمة الداخلية نوضح أولا مكانة العلم في الإسلام ثم نأتي بشهادة مفكرين غربيين على عظمة علماء المسلمين وتلمذة علماء الغرب على أيديهم.

حقا لقد عظم الإسلام شأن العلم وحثَّ على طلبه والسعي إليه، ورفع مكانة العلماء وشرفهم بأن جعلهم ورثة الأنبياء، فقال ربنا سبحانه:{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً}[طه: 114]، والإسلام جعل للعلم والعلماء مكانة عظيمة وفضّل العلماء بعلمهم فقال تعالى: {يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[المجادلة: 11]، ورفع القرآن منزلة العلماء وجعلهم أهل خشيته وقرن شهادتهم بشهادته تعالى وشهادة ملائكته، فقال: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ}[الزمر: 9]، وقال عز وجل:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}[فاطر: 28]، وقال سبحانه:{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} [آل عمران: 18].
ولقد حثنا رسولنا الكريم على العلم وطلبه، حيث قال: "طلبُ العلم فريضةٌ على كلِّ مسلمٍ" [ فيض القدير] ، وقال أيضا: "من سلك طريقًا يبتغي فيه علمًا، سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة"[رواه الحاكم في المستدرك]، وقال : "الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالمًا ومتعلمًا"[رواه الترمذي]، بل إن الإسلام جعل العلم متاحًا للجميع لا فرق بين غني ولا فقير ولا أبيض ولا أسود، فقد قرر الإسلام أن يعامل الناس جميعًا على قدم المساواة في الحقوق العامة كحق التعليم والثقافة بدون تفرقة بين شريف ووضيع، ولا بين غني وفقير، ولا بين مسلم وغير مسلم، ولا بين رجل وامرأة، فالعدالة الإسلامية لها ميزان واحد يطبق على الناس جميعا.
 
ولقد أشار بعض المنصفين من الغربيين إلى دور المسلمين وما أسهموا به من إنجازات علمية، بعد أن مارسوا المنهج العلمي الصحيح باتباعهم الطريقة العلمية في البحث، فمثلا: تقول الدكتورة زيغريد هونكة في كتابها "شمس الله تسطع على الغرب": "إن الإغريق تقيدوا دائماً بسيطرة الآراء النظرية، ولم يبدأ البحث العلمي القائم على الملاحظة والتجربة إلا عند العرب"، وتقول هونكة: "لم يكن مستوى روجر بيكون العلمي في الكيمياء أرْفعَ من معاصريه، إلا أنه رأى في التجربة التي أخذها عن العرب السبيلَ الحقيقي للوصول إلى نتائج حاسمة في العلوم الطبيعية وخاصة في الكيمياء..."، وتقول أيضا: "إن أثمن هدية قدمها العربُ لأوروبا هي منهج البحث الذي لولاه لبقيت أوروبا في همجيتها".
 
وقال "فون كريمر" في كتابه مناهج العلماء المسلمين في البحث: "إن أعظم نشاط فكري قام به العرب يبدو لنا جليًّا في حقل المعرفة التجريبية ضمن دائرة ملاحظاتهم واختباراتهم، فإنهم كانوا يُبدون نشاطاً واجتهاداً عجيبيْنِ حين يُلاحظون ويمحصون، وحين يَجمعون ويُرتبون ما تعلموه من التجربة، أو أخذوه من الرواية والتقليد؛ ولذلك فإن أسلوبهم في البحث أكبر ما يكون تأثيراً عندما يكون الأمر في نطاق الرواية والوصف".
 
وقال "غوستاف لوبون" في كتابه حضارة العرب: "إن علم الجراحة مدين للعرب بكثير من مبتكراته الأساسية، وظلت كتبهم فيه مرجعاً للدراسة في كليات الطب إلى وقت قريب جدًّا، فكانوا يعرفون في القرن الحادي عشر من الميلاد معالجة غشاوة العين بخفض العدسة أو إخراجها، وكانوا يعرفون عملية تفتيت الحصاة... وكانوا يعرفون صب الماء البارد لقطع النزف، وكانوا يعرفون الكاويات والفتائل، وكانوا يعرفون المُرقد، أي المخدر الذي ظُنّ أنه من مبتكرات العصر الحاضر، وذلك باستعمال الزؤان لتنويم المريض قبل العمليات المؤلمة، حتى يفقد وعيه وحواسه". وبعد كل هذا لا يجرؤ أحد أن يتهم المسلمين بالجهل والتخلف إلا أن يكون مغرضا أو في قلبه مرض.
 




آخر إضافات الموقع

الأكثر مشاهدة