البنوك الإسلامية .. هل هي إسلامية فعلاً - ممدوح التّمام

 البنوك الإسلامية مؤسسات عاجزة عن تسويق منهجيتها وفكرتها والأبعاد الاجتماعية والاقتصادية لهذه المؤسسات واقتصرت في إعلامها حول تعاملها بدون ربا متناسية أن عليها تكملة حلال التوظيف والاستثمار، لا أن تكون مجرد مصطلحات لإثارة العواطف.

 
فهذه البنوك والمصارف لا تنظر إلى توجيه استثماراتها لخدمة القطاع العريض من الجماهير ناهيك عن الفئات الاجتماعية والاقتصادية والمهنية المهمشة، فمعظم استثمارات هذه البنوك والمصارف تقع من حلال دائرة المرابحات لشراء أصول وآلات وبضائع وعقارات وهذا كله لن يستفيد منه إلا فئة محدودة من المجتمع معظمها إن لم يكن جلها من القادرين والملاك والتجار والأثرياء، وباستمرار هذا النهج فإن هذه البنوك والمصارف لا ترى في هذا قصوراً في المسؤولية الاجتماعية والاقتصادية تجاه الأمة والمجتمع طالما أن معاملاتها خالية من الربا، متناسية أو متجاهلة أنها بهذا السلوك تنتهج نمطاً اقتصادياً واجتماعياً فوقياً يعيش في أبراج القادرين والأغنياء العاجية ولا يعيش في مدن الفقراء وخيامهم وأكواخهم الطينية ولا يتلقى فيه الفقراء والمحتاجون غير زكوات وصدقات تبقيهم في دائرة الحاجة والعوز واليد السفلى.
 
لقد استغلت هذه البنوك والمؤسسات الرصيد الإيماني والتعبدي لدى قطاع القادرين في المجتمع ولم توجهه بالصورة الشرعية المثلى (حصة البنوك والمصارف الإسلامية في اليمن 33% من القطاع المصرفي) أي أن القائمين على هذه المصارف عندما يستثمرون أموال المودعين بالصورة التي عليه الآن لدى كل البنوك والمصارف الإسلامية لم يدركوا أن المال وحده ليس فقط أمانة في أعناقهم وإنما يقع عليهم وزر وخطيئة عدم توجيه واستغلال الرصيد الديني والوطني لدى الأفراد الراغبين في تفعيل الدور الاجتماعي والاقتصادي للمال في الإسلام وإشباع الحاجات الأساسية لهذا المجتمع والإسهام في تنمية وتقليص دائرة الفقر.
 
لقد تحولت هذه البنوك إلى مؤسسات تريد تحقيق الربحية المادية المبنية على مبدأ كلما ازداد ما تملك ازداد ما يمكن أن تحصل عليه من هذه البنوك وإذا كنت لا تملك فلن تحصل على شيء.
 
هذه المنهجية المؤسسية تقوم على تقييم الملكية العامة للفرد لا الدافعية التي يملكها.
 
هذه الدافعية التي انطلق منها بنك «جرامين» في بنغلادش حيث وضع برنامجاً للمتسولين الشحاذ يعلمهم صناعة الحياة والكسب بطرق عديدة فهو يقوم بتعليم الشحاذ كيف يمكن أن يحمل بضاعته وهو يمارس التسول من باب إلى باب، ويعلمه كيف يبيع البضاعة وهو جالس ثابت في مكانه يتسول. لقد أراد البنك أن يتدرج الشحاذ في عيشه الكريم بدلاً من الاستمرار في الشحاذة وأراد له أن ينطلق من دافعيته الذاتية نحو التغيير الأفضل، لقد قام البنك بمهمته لأنه يؤمن أن الناس تصبح فقراء لأن المجتمع حرمهم من التربية الاجتماعية والاقتصادية الحقيقية للنمو.
 
بامثال هذه الرؤى استطاع بنك جرامين حتى عام 2006 أن يحصل على 564 مليون دولار إيداعات ويصل بنسبة استرداد 99% وبنسبة أرباح 8,5 12% والتحق به 81 ألف شحاذ حصلوا على دعم وتوجيه البنك الرصيد التعبدي والفطرة الاجتماعية كضمان بدون أية ضمانات عقارية أو مالية.
 
لقد أثبتت تجارب بنك جرامين أو ما يسميه البعض بنك الفقراء أنه يمكن تحويل القطاعات السابق ذكرها وبدون تأريخ سابق لها أو سمعته مالية قوية أو ضمانات عقارية أو مالية ومع هذا كله حقق البنك قفزات كبيرة جداً سواء في الهدف التنموي الاجتماعي الاقتصادي إلى الهدف الاقتصادي واسترداد التمويل لقد استخدم الضغوط الاجتماعية التي يمارسها الأفراد بعضهم البعض كجزء هام لإنجاح المشروع اجتماعياً ومادياً.
 
المطلوب تغيير أسلوب الحياة.. وليس الحياة
إن البنوك الإسلامية في اليمن تهدف إلى الربحية أولاً وأخيراً ولا تقدم أية مبادرات بل تنتظر من الآخرين والدولة أن تقوم بتحمل الأعباء والمخاطر لتزيد هي من ربحيتها وعوائدها وغالباً ما تتعذر هذه البنوك بتجارب فاشلة سابقة اظن أنها ناتجة عن سوء الإدارة اكثر منها سوء الفكرة وضعف التخطيط أكثر منها ضعف العائد أو البنية المستهدفة بالتمويل.
 
فهناك بعض البنوك الذي اعتذر عن ذكر أسمها لأن الهدف من المقال هو النقد لا التشهير، مولت مشروعات كبيرة وبضمانات ثبت فيما بعد أنها لم تنجح في استرداد التمويل أو تحقيق الربحية وكانت خسارة هذه المشروعات أكبر بكثير من تمويل عشرات المشاريع للمنشأة الصغيرة والمهنية.
 
لو بحثنا في معظم الفئات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع مثل صغار الحرفيين والمهنيين ومتوسطي الدخل وأصحاب المعامل الصغيرة والبدائية وصغار الباعة وباقي فئات الدخل المحدود لوجدنا أن إسهام البنوك الإسلامية فيها يكاد أن يكون منعدماً لأنها وبصورة غير مباشرة أي البنوك ترى أن هؤلاء ليس لهم حق الحصول على القروض والتمويل لأنهم لا يملكون الضمانات الكافية للحصول على القرض والتمويل بحسب السياسات المعتمدة لدى هذه البنوك والتي قلبها رأساً على عقب بنك جرامين الذي حقق نجاحاً كبيراً واستحق لقب «بنك من لا بنك له» أو بنك الفقراء وحقق أرباحاً أكثر من غيره.
 
البنوك الإسلامية لم تنظر إلى قطاعات كثيرة أشرنا إليها سابقاً على أن أفرادها كاملي لأهلية وتساعدهم على القيام بدورهم وتنمي مهارتهم وقدراتهم وتوجه طاقاتهم بما يحقق لهم الاستقلال الأمثل واستثارة روح العمل والإبداع وليد العليا.
 
إن هذه البنوك اسرى مع سبق الإصرار والترصد للرؤية الاجتماعية والاقتصادية التقليدية التي تؤدي إلى بقاء دائرتي الفقر والغنى في المجتمع، دائرتين مغلقتين تسير أولاهما إلى أسفل إلى مزيد من الفقر بينما تسير الثانية إلى أعلى إلى مزيد من الغنى وهو ما يباعد بين الدائرتين ويقلل من احتمالات الحراك الاجتماعي لأفراد المجتمع وشرائحه.
 
إننا نتساءل إذا كانت رؤية هذه البنوك في الإقراض والتمويل تقوم على أساس أنهم لا يستطيعون الاكتساب ورد القرض أو التمويل فكيف يظلون على قيد الحياة؟؟
 
إنهم أحياء ومجاهدون من أجل الحياة وعلينا نحن ونحن فقط استثمار هذا .لتحسين الحياة.
 
وهم إذ يشكلون 70-80% من عماد الدخل القومي فإن الواجب أكبر في أن تتحول منهجيته القرض ليصبح القرض ذا وظيفة اجتماعية واقتصادية قوية من خلال سياسات إئتمانية مدروسة تحرك المجتمع بكافة شرائحه بما يخلق أدوات جديدة للفرد وفرص متاحة للفرد للحصول على القرض وكلما ازدادت فرص الحصول على القرض ازداد الفرد قوة وعلينا أن نعتبر أن القرض حق اصيل من حقوق الإنسان يستطيع الفرد من خلاله حتى وإن كان فقيراً اكتساب القوة اللازمة للدخول للمعترك الاقتصادي وحرمان هذا الفرد من هذا الحق هو خيانة للأمانة ودعوة للهزيمة والتخلي عن الفقراء الذين يسعون لتحقيق الاحتياجات الأساسية لهم ولأسرهم وتحقيق أحلامهم «يروي أبو هريرة رضي الله عنه حديث رسول الله (ص) «ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ولكن المسكين الذين لا يجد غنياً يغنيه ولا ينظر له فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس».
 
وهنا يكمن المفهوم الحقيقي للزكاة تلك الصدقة التي فرضها الله في أموال الأغنياء حقاً معلوماً يتسع لحاجات المنكوبين ويفرج به ضيق المنكوبين.. وهذا تفكير محدود واستدلال ناقص ذلك أن الزكاة لا تعدو أن تكون ضريبة إحسان ومصارف الزكاة تشير إلى هذا ومكان الإحسان المالي في بناء أي مجتمع ليس مكان لقواعد ولأوتاد ومن العبث أن تربط حياة قسم كبير من الأمة بالفضلات التي تلقى إليه من القسم الآخر، والشخص الذي يستطيع العمل من كده ويده وعرق جبينه لا يجوز أن تفرض عليه الاعتماد في حياته كلها أو جلها على البطالة ويدفع إليها، وما دامت الفريضة لا بد من إخراجها وما دام المحتاجون لا بد أن يأخذوا منها ذلك، وتلك نتائج لا يقصد إليها الدين ولا يمهد له. وقد قال رسول الله صلى عليه وسلم «لا يجوز الصدقة على غني ولا على ذي مرة سوي» فالرجال الأصحاء لا بد أن تهيأ لهم وسائل العمل والربح ألوافر الذي يكسبونه من أعمالهم وهذا هو الدعامة الاقتصادية الأولية في بناء كل مجتمع صحيح بحيث يكون موضع الزكاة معها ثانويا يظهر مع طوارئ الضعف والعجز والتعطل وهذا موقع الزكاة الواجب ومصرفها المعقول.
 
إن مشكلة الحاجة لا يمكن حلها بالوعظ المجرد أو التنفير من المسألة ولكنها تحل بأن يؤخذ بيد المحتاج ليحل مشكلته بنفسه ويعالجها بطريقة علمية ناجحة يستخدم فيها كل طاقاته وكل ما عنده في إمكانيات وأن صغرت وأن يستفيد بما يملك وان قل فلا يلجأ إلى السؤال وعنده شيء يستطيع أن ينتفع به من عمل بعينه ولعل ما جاء في حديث أنس رضي الله عنه عن رسول الله (ص) عندما جاءه السائل فسأل فأرشده الرسول (ص) وقاده إلى أن يبيع ما لديه ويشتري حبلاً ويحتطب....إلخ وهنا قدم الرسول خطواته العملية لحل المشكلة ومن هذا التراث وغيره فلم نر للبنوك أثرا ولا قراءة لهذا التراث ولا حتى تطبيقاً لهذه المعايير الإسلامية التي اشرنا إليها سابقاً.
 
ونحن هنا لا ندعو أن تكون البنوك الإسلامية جمعية خيرية بعيدة عن الاستثمار والمرابحة والمضاربة، ولا نريد لهذه البنوك أن تتساهل مالياً وإدارياً فالجدية لا تتعارض مع الصرامة والانضباط الذي يؤدي إلى النجاح في تحقيق أهداف البنوك كمشروع استثماري واقتصادي ويجب عدم الخلط بين حسن النيات وسلامة الإجراءات، كما يجب أن نعيد الرؤيا في تجارب البنوك الفاشلة في بعض الميادين والتي أدت إلى انحصار دور البنوك في القروض و التمويل لمن لا ملكية له متناسين أن المقترض لا يقترض ليدخل السجن وإذا فشل التمويل فجزء كبير منه يقع على عاتق البنك لسوء التخطيط أو ضعف الادارة.اوعدم سلامة الرؤيا والهدف.
 
أخيراً...
عندما طبق عمر بن عبدالعزيز معايير الزكاة استطاع في 29 شهراً أن يحقق ما لم تستطع الأنظمة الاقتصادية في بعض الدول أن تحققه في 70 عاماً وصدق الله تعالى القائل «قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون» سورة الأعراف الآية (137-138).
 




آخر إضافات الموقع

الأكثر مشاهدة