دُور العبادة وأثرها في الضبط الإجتماعي - عادل غنيمات

في مجتمعاتنا الإسلامية تحرص الأسرة المسلمة على إشاعة روح التعاون، المسالمة، المسايرة، الطاعة، الطيبة في أبنائها، وهي تقاليد توارثها الآباء من الأجداد استناداً على منهج الدين الإسلامي.
إن أهمية دور  الاديان السماوية تتحدد في ممارسة عمليات الضبط الاجتماعي - النفسي لدى الفرد أو المجتمع، وهي ممارسة ذات دور إنساني يؤدي إلى تقويم سلوك الفرد وبناء أسس قيمية تقوم على الضبط وتعميق الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع الواحد. فالناس يعتنقون اتجاهات متعددة في الحياة، كالاتجاهات السياسية أو الاتجاهات الفنية أو الأدبية وبضمنها الأفكار الدينية، فهي تكتسب من خلال الملاحظة والخبرة والثقافة السائدة في المجتمع، رغم أن تعديلاً يحدث لهذه الاتجاهات لدى الناس، وتغييراً في أحيانٍ أخرى مثال ذلك (الشخص الذي يؤمن بالأفكار الماركسية في بداية حياته ثم يتحول بعد ذلك إلى الدين، رافضاً اتجاهاته في فترة سابقة).
ومع أن عملية التغيير هي أبطأ من عملية التكوين في البداية، وتحدث نتيجة الخبرات الجديدة المضافة للفرد والمعلومات التي تزيد معارفه، وتظل الثقافة أعم وأشمل مما تعلمه الفرد خلال حياته، فهي توسع الجوانب المعرفية الممثلة في: الإدراك، التفكير، شدة الانتباه، القدرة على الاستقراء وتعلم أسلوب حل المشكلات، وهي عمليات عقلية.
إن الأفكار الدينية عندما تؤكد على عنصر الثقافة كأحد عوامل تكوين الاتجاهات، إنما تعتبر ذلك صقلاً لكل الخبرات السابقة وتنمية للعلاقات مع الآخرين نحو التكوين الثقافي الديني المميز، فللدين أهمية كبرى في التأثير في الفرد وخاصة الدين الإسلامي الذي يعلمنا أن قمع الشهوات هو شاهد على سلامة النفس، وان الإحساس بالذنب علامة صحة، والتوبة موقف إدراك، ولا يعتبر الدين النفس محض ريبة وفجور، بل يصفها بأنها قابلة للفجور وقابلة للتقوى، وأن الله الهمها فجورها وتقواها، فهي مخيرة في أن ترقى في معراج نوراني نحو الله، أو أن تهبط سفلياً في درك الشهوات، فكل إنسان يتصرف على شاكلته. وقوله تعالى: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ)(3).
إن ذلك يؤكد بأن الاتجاهات لدى الفرد من الممكن أن تتعدل أو تتغير وهذا يسمى في العلاج النفسي باسم (تعديل السلوك) كأحد أنواع العلاجات المعرفية المستخدمة في تغيير الاتجاهات نحو موضوع ما أو قضية حياتية تهم المجتمع أو لدى الفرد نفسه. وهنا ينشأ الصراع أو التنازع بين بقاء القديم على خطأه أو تحمل قبول الجديد بما يحدثه من تغيير في الآراء والاتجاهات، ومسايرته والأذعان له، هذا الصراع داخل العقل، وهو ما عبر عنه الشيرازي بقوله: العقل هو ما يحسه الإنسان في باطنه، حيث يجد التنازع في كثير من الأمر بين نزعة الخير ونزعة الشر.
هذا التنازع يؤدي حتماً إلى تغيير الاتجاه أو تعديله على الأقل وحسمه لصالح أحد الطرفين.. وهو بذلك يؤدي بالنتيجة إلى الراحة النفسية إذا ما تحقق الحسم. وقد أثبتت دراسات علم النفس المرضي والصحة النفسية، أن استمرار التنازع والصراع داخل النفس الإنسانية، يؤدي إلى إنهاك الطاقة النفسية المهيأة للعمل والمحركة لقوة العقل وبالتالي تؤدي إلى التباطؤ في ممارسة الحياة اليومية بشكلها السوي وهو ما سمي (بالانهاك النفسي - الوهن النفسي).
لقد حسم الدين الإسلامي هذه المعضلة المعاصرة في عصر تزايد الضغوط الحياتية وكثرة مثيراته من خلال الصفة الجامعة لطابع المؤمن، وهي السكينة، فهذه الصفة تدل على انسجام عناصر النفس والتوافق بين متناقضاتها وانقيادها في خضوع وسلامة صاحبها. وهنا اتمنى من الجميع الشيوخ في المساجد والكهنة في الكنائس بنهج منهج يخرجنا عن المالوف لاننا ما زلنا نسمع نفس الموضوع وقليلا ما نسمع دعوة المصلين الى مخاطر الفتنة التى مزقت دول وشعوب من حولنا … لذا اعتبر الدين وخاصة في مجتمعنا الإسلامي الذي يقوم بأكبر وظيفة غير رسمية بتقليص النزاعات وتهذيب السلوك وتشذيبه وتحويله من سلوك الكائن الحي إلى أنسنة ذلك السلوك، وهي ميزة تنفرد بها الاديان وخاصة الدين الإسلامي، ولهذا يبدو وبصورة متزايدة وملحة العودة إلى الدين ببساطته دون اتجاهاته المتعصبة، واختيار الموضوع السهل لضوابطه في الممارسة الاجتماعية، وهي تؤدي بدورها إلى تقليص أكبر عدد من النزاعات والخلافات بين أفراد المجتمع الواحد.
إن الدين الإسلامي وباتفاق كل الدارسين المحايدين الموضوعيين في مجال الأديان المقارنة والدراسات الانثروبولوجية من العرب والأجانب غير المسلمين، انه دين متكامل المنهج ينظم حياة الناس على وفق تداعيات الخير لدى كل إنسان وتقليل نزعات الشر، وحل الصراعات التي تنشأ داخل النفس الإنسانية، وحسمها لصالح الخير، واطفاء نزعات الشر.لذلك سينجح الدين في رسم العلاقة بين الفرد كانسان ينتمي الى المجتمع الاكبر ان شاء اللة .
المصادر
1 - الأهل وأثرهم في تحديد مستوى طموح الأطفال، جليل شكور، مجلة الثقافة النفسية العدد 6، المجلد 2، نيسان 1991. 
2 - علم النفس الاجتماعي، عبد الفتاح محمد دويدار، دار النهضة العربية، بيروت لبنان، 1994، ص 77. 
3 - نفس المصدر، ص 108. 
4 - علم النفس الاجتماعي: ج 2، محمود السيد أبو النيل، دار النهضة العربية، بيروت، لبنان 1985، ص 42. 
5 - تشكيل نظام القيم، جليل شكور، مجلة الثقافة النفسية، العدد 8، المجلد 2، ت 1991. 
6 - مدخل علم النفس، ليندا. ل. دافيدوف، ترجمة سيد الطواب وآخرون، دار ماكجروهيل للنشر، القاهرة، مصر، 1983، ص 756. 
7 - القرآن وعلم النفس، عبد العلي الجسماني، الدار العربية للعلوم، بيروت، لبنان، 1997، ص 129. 
8 - الفقه الاجتماع، السيد محمد الحسيني الشيرازي، دار العلوم، بيروت، لبنان، 1992، ص 76، ص 7 ص 81، ص 79، ص 77. 
9 - الثقافة النفسية، مكتبة العدد، مصطفى محمود، العدد: ص 37، المجلد 10، ك2 يناير 1999، ص 101، ص 100. 
 




آخر إضافات الموقع

الأكثر مشاهدة