ذنوب الكافر إذا أسلم ولم يتب منها - د. محمود عبدالعزيز يوسف

تحرير محل النزاع:
محل الاتفاق:
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنمن له ذنوب فتاب من بعضها دون بعض فإن التوبة إنما تقتضي مغفرة ما تاب منه[1]؛ أما ما لم يتب منه فهو باق فيه على حكم من لم يتب؛ لا على حكم من تاب. [2]
 
محل الخلاف:
اختلف الفقهاء في الكافر إذا أسلم فإن إسلامه يتضمن التوبة من الكفر فيغفر له بالإسلام الكفر الذي تاب منه، وهل تغفر له الذنوب التي فعلها في حال الكفر ولم يتب منها في الإسلام؟ وذلك على قولين كالآتي:
القول الأول: تغفر له جميع الذنوب التي فعلها في حال الكفر ولم يتب منها في الإسلام. [3]
 
القول الثاني: أنه لا يستحق أن يغفر له بالإسلام إلا ما تاب منه؛ فإذا أسلم وهو مصر على كبائر دون الكفر فحكمه في ذلك حكم أمثاله من أهل الكبائر. [4]
 
استدل أصحاب القول الأول القائلون بمغفرة جميع ذنوب الكافر إذا أسلم بالآتي:
1- قال تعالى ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾. [5]
 
وجه الدلالة:
هذه لطيفة من الله سبحانه من بها على الخلق؛ وذلك أن الكفار يقتحمون الكفر والجرائم، ويرتكبون المعاصي، ويرتكبون المآثم، فلو كان ذلك يوجب مؤاخذتهم لما استدركوا أبدا توبة، ولا نالتهم مغفرة؛ فيسر الله عليهم قبول التوبة عند الإنابة، وبذل المغفرة بالإسلام، وهدم جميع ما تقدم؛ ليكون ذلك أقرب إلى دخولهم في الدين، وأدعى إلى قبولهم كلمة الإسلام، وتأليفا على الملة، وترغيبا في الشريعة؛ فإنهم لو علموا أنهم يؤاخذون لما أنابوا ولا أسلموا. [6]
 
2- إطلاق قوله صلى الله عليه وسلم «الإسلام يهدم ما كان قبله». [7]
 
ونوقش:
إن هذا الحديث قاله النبي صلى الله عليه وسلم لما أسلم عمرو بن العاص وطلب أن يغفر له ما تقدم من ذنبه فقال له: «يا عمرو أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن التوبة تهدم ما كان قبلها وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها». ومعلوم أن التوبة إنما توجب مغفرة ما تاب منه، لا توجب التوبة غفران جميع الذنوب.
 
واستدل أصحاب القول الثاني القائلون بأنه لا يغفر له بالإسلام إلا ما تاب منه بالآتي:
1- قال تعالى: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ [الأنفال: 38]. [8]
 
وجه الدلالة:
يدل على أن المنتهي عن شيء يغفر له ما قد سلف منه لا يدل على أن المنتهي عن شيء يغفر له ما سلف من غيره؛ وذلك لأن قول القائل لغيره: إن انتهيت غفرت لك ما تقدم ونحو ذلك يفهم منه عند الإطلاق أنك إن انتهيت عن هذا الأمر غفر لك ما تقدم منه وإذا انتهيت عن شيء غفر لك ما تقدم منه كما يفهم مثل ذلك في قوله: "إن تبت " لا يفهم منه أنك بالانتهاء عن ذنب يغفر لك ما تقدم من غيره. [9]
 
2- إن هذا القول هو الذي تدل عليه الأصول والنصوص؛ فإن في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم " قال له حكيم بن حزام: يا رسول الله أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟ فقال: «من أحسن منكم في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر». [10]
 
وجه الدلالة:
فقد دل هذا النص على أنه إنما ترفع المؤاخذة بالأعمال التي فعلت في حال الجاهلية عمن أحسن لا عمن لا يحسن؛ وإن لم يحسن أخذ بالأول والآخر ومن لم يتب منها فلم يحسن. [11]
 
القول الراجح:
الذي يظهر لي هو رجحان القول الثاني: الذي يقضي بأن الكافر لا يستحق أن يغفر له بالإسلام إلا ما تاب منه؛ فإذا أسلم وهو مصر على كبائر دون الكفر فحكمه في ذلك حكم أمثاله من أهل الكبائر؛ وذلك لرجحان أدلته وقوتها وخلوها عن المعارض، وبذا تطمئن النفس إلى ترجيح هذا الرأي والعمل بموجبه.
 
قال ابن المنذر: واختلفوا في النصراني يزني ثم يسلم، وقد شهدت عليه بينة من المسلمين، فحكي عن الشافعي رضي الله عنه إذ هو بالعراق لا حد عليه ولا تغريب، لقول الله عز وجل:" قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف".
 
قال ابن المنذر: وهذا موافق لما روي عن مالك. وقال أبو ثور: إذا أقر وهو مسلم أنه زنى وهو كافر أقيم عليه الحد. وحكي عن الكوفي أنه قال: لا يحد.[12]
 
 
 




آخر إضافات الموقع

الأكثر مشاهدة