مصافحة المرأة الأجنبية والخلوة بها - د. أمين بن عبدالله الشقاوي

ذهب جمهور أهل العلم على تحريم مصافحة المرأة الأجنبية الشابة بدون حائل حتى وإن أمن الشهوة، ومن الأدلة التي استدلوا بها:

1- امتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن مصافحة النساء حال المبايعة، روى البخاري في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى النبي صلى الله عليه وسلم يمتحنهن، بقول الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الممتحنة: 12] قالت عائشة: فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات فقد أقر بالمحنة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك من قولهن، قال: لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم : "انْطَلِقْنَ فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ، لَا وَاللَّه، مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ ، غَيْرَ أَنَّهُ بَايَعَهُنَّ بِالْكَلَامِ" [1].

 

قال الحافظ ابن حجر: قوله: (قد بايعتك كلاماً، أن يقول ذلك كلاماً فقط لا مصافحة باليد كما جرت العادة بمصافحة الرجال عند المبايعة)[2].

 

وقال الإمام النووي: (قولها: والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام) فيه أن بيعة النساء بالكلام من غير أخذ كف، وفيه أن بيعة الرجال بأخذ الكف مع الكلام، وفيه أن كلام الأجنبية يباح سماعه، وأن صوتها ليس بعورة، وأنه لا يلمس بشرة الأجنبية من غير ضرورة كتطبيب وفصد)[3].

 

ومنها ما رواه الطبراني في المعجم الكبير من حديث معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ رَجُلٍ بِمِخْيَطٍ[4] مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَس امْرَأَةٌ لا تَحِلُّ لَهُ"[5].

 

قال الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله : وفي الحديث وعيد شديد لمن مس امرأة لا تحل له، ففيه دليل على تحريم مصافحة النساء؛ لأن ذلك مما يشمله المس دون شك، وقد بُلي به كثير من المسلمين في هذا العصر وفيهم بعض أهل العلم، ولو أنهم استنكروا ذلك بقلوبهم لهان الخطب بعض الشيء، ولكنهم يستحلون ذلك بشتى الطرق والتأويلات، وقد بلغنا أن شخصية كبيرة في الأزهر قد رآه بعضهم يصافح النساء، فإلى الله المشتكى من غربة الإسلام[6] أهـ

 

سُئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية، يقول السائل: هل يجوز مصافحة المرأة أم لا؟ ثم هل يجوز المصافحة من وراء ساتر تضعه المرأة على يدها؟

فكانت الإجابة: لا يجوز للمرأة أن تصافح الرجال الأجانب ولو من وراء ستار، وجريان العادة بذلك لا يبيح ما حرمه الشرع لها[7].

 

وورد في السؤال الثاني: ما رأي الشرع في مصافحة المرأة الأجنبية، وهل يدخل في الأجنبية المسلمة وغير المسلمة؟

الإجابة: لا يجوز للمسلم أن تمس بشرته بشرة امرأة من غير محارمه لا بمصافحة ولا غيرها، سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة[8].

 

"يشعر كثير من المسلمين في الخارج بالحرج الشديد إذا مدت إليه امرأة أجنبية يدها لمصافحته، أو شعرت المرأة المسلمة بالخجل إذا مد الرجل يده لمصافحتها، وربما ادعى بعضهم الاضطرار إلى مصافحة المدرسة أو الطالبة التي معه في المدرسة أو الجامعة، أو الموظفة في العمل أو في الاجتماعات واللقاءات التجارية وغيرها، والحق أنه ليس في الأمر ضرورة ولا حاجة، وما كان في مصافحة الأجنبية من مصلحة فهي مصلحة ألغاها الشارع بتحريم المصافحة"[9].

 

"ورد في فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية، سائل يقول: فتاة مدت يدها لشاب لتصافحه على أعين الناس، فهل يمتنع عن مصافحتها أم يصافحها حتى لا يجرحها في كرامتها؟

الجواب: لا يجوز أن يصافح الرجل امرأة ليست محرماً له، واتباع هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا وغيره مقدم على مراعاة خاطر من مدت يدها إليك من الأجنبيات لتصافحها وترفق معها في الامتناع من المصافحة وبين لها حكم الشرع"[10].

 

أما الخلوة بالمرأة الأجنبية فهو أمر محرم، روى البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلا تُسَافِرُ المَرأَة إِلاَّ مَعَ ذِيِ مَحْرَمٍ"[11].

 

وروى الترمذي في سننه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، إِلاَّ كَاَنَ ثَالِثُهُمَا الشَّيْطَانَ"[12].

 

سُئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية، يقول السائل: هل الخلوة هي فقط أن يخلو الرجل بامرأة في بيت ما بعيداً عن أعين الناس، أو هي كل خلوة رجل بامرأة ولو كان أمام أعين الناس؟

الجواب: ليس المراد بالخلوة المحرمة شرعاً انفراد الرجل بامرأة أجنبية منه في بيت بعيد عن أعين الناس فقط، بل تشمل انفراده بها في مكان تناجيه ويناجيها، وتدور بينهما الأحاديث ولو على مرأى من الناس دون سماع حديثهما سواء كان ذلك في فضاء، أم سيارة، أو سطح بيت، أو نحو ذلك؛ لأن الخلوة منعت لكونها بريد الزنا وذريعة إليه، فكل ما وجد فيه هذا المعنى ولو بأخذ وعد بالتنفيذ بعد فهو في حكم الخلوة الحسية بعيداً عن أعين الناس[13].

 

 

"الألوكة"