الإفتاء توضح حكم وقف الحيوان والانتفاع به

السوسنة - تلقت دار الإفتاء، سؤالا من احد الاشخاص، أشار إلى أن والده قبل وفاته أوصى أن يتم وقف بعض الضأن عنه، والناتج الذكر يباع، وطالبوا قسمة قيمته بالنصف، نصف يصدقوا به عنه، والنصف الآخر يتكفل به على أكل وشرب الماشية، ورغم التزام العائلة بالوصية لسنوات طويلة، الا ان بعد ارتفاع أسعار الشعير والغلاء لم يعودوا قادرين على مصروفها، فهل يجوز له بيعها والتصدق بقيمتها عن والده؟

أجابت دار الغفتاء عن هذا السؤال عبر موقعها الرسمي، وتاليا نص الإجابة:

"الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله

أجاز جمهور الفقهاء وقف الحيوان، قال الإمام العمراني الشافعي رحمه الله: "ويصح الوقف في كل عين يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها، كالدور والأرضين والثياب والأثاث والسلاح والحيوان" [البيان في مذهب الإمام الشافعي 8/ 60].

والأصل في الوقف أنه منجز ولا يصح تعليقه إلا في صورتين، الأولى: كل ما يضاهي التحرير وهو ما اتفق على أن الملك فيها لله تعالى؛ كالمساجد والمدارس والمقابر، والثانية: تعليقه بالموت، فيسلك فيه أولاً مسلك الوصية من كونه يصح الرجوع عنه، وكونه من الثلث، ومن أنه لا بدّ فيه من إجازة الورثة فيما زاد على الثلث، ثم يصير حكمه حكم الوقف.

قال الشيخ عبد الحميد الشرواني الشافعي رحمه الله: "قوله (وإذا علق بالموت كان كالوصية) والحاصل أنه يصح ويكون حكمه حكم الوصايا في اعتباره من الثلث، وفي جواز الرجوع عنه وفي عدم صرفه للوارث، وحكم الأوقاف في تأييده وعدم بيعه وهبته وإرثه" [تحفة المحتاج في شرح المنهاج مع حواشي الشرواني والعبادي 6/ 255].

ويظهر من السؤال أن الموقوف عليه هم الفقراء، وناظر الوقف أولاد الميت؛ فإذا كانت هذه الشياه التي تركها المتوفى أقل من ثلث تركة المتوفى نفذت وصارت وقفاً، وإذا كانت أكثر من ذلك لم ينفذ ما زاد عن الثلث إلا بموافقة الورثة؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ) متفق عليه.

فإن كانت الحيوانات الموقوفة موجودة الآن؛ فلا يجوز بيعها ولا التصدق بقيمتها، فينفق الناظر عليها من ثمن النتاج الذكور التي تباع كما شرط الواقف، فإن لم يفِ الثمن بتكلفة الشعير فيباع من غلة الضأن الموقوفة كالحليب والصوف ما يُكمل به تكلفة الشعير، ولا يجب على الورثة أن ينفقوا عليها من أموالهم الخاصة.

قال الإمام زكريا الأنصاري الشافعي رحمه الله: "نفقة الموقوف، ومؤن تجهيزه، وعمارته من حيث شرطت أي شرطها الواقف من ماله، أو من مال الوقف، وإلا فمن منافع الموقوف ككسب العبد وغلة العقار، فإذا تعطلت منافعه فالنفقة ومؤن التجهيز لا العمارة من بيت المال" [أسنى المطالب 2/ 473].

أما إذا كانت الشاة الموجودة حالياً هي نتاج الحيوانات الموقوفة سابقاً وليس عينها؛ فيجوز بيع المواليد والتصدق بقيمتها؛ لأنها لا تعتبر وقفاً، جاء في [مغني المحتاج شرح المنهاج 3/ 547]: "ومنافعه الموقوف على معين عند الإطلاق ملك للموقوف عليه، يستوفيها بنفسه وبغيره بإعارة وإجارة، ويملك الأجرة، ويملك أيضاً فوائده الحاصلة بعد الوقف عند الإطلاق، أو شرط أنها للموقوف عليه كثمرة وصوف وشعر ووبر وريش ولبن، وكذا الولد الحادث بعد الوقف يملكه الموقوف عليه عند الإطلاق أو عند شرط الولد له في الأصح".

وعليه؛ فيجوز بيع الضأن المتبقي والتصدق بقيمته للفقراء إن كان من نتاج الضأن الموقوف، وإن كان المتبقي من الموقوف؛ فلا يجوز بيعه والتصدق بقيمته؛ فيُنفق على الضأن الموقوف من ثمن النتاج الذكور، فإن نقص الثمن عن تكلفة الشعير فيباع من غلة الضأن الموقوف كالحليب والصوف ما يُكمل به تكلفة الشعير، ولا يجب على الورثة أن ينفقوا عليها من أموالهم الخاصة. والله تعالى أعلم".