اضطرابات وعيوب النطق

السوسنة - يعد النطق من أهم الصفات التي تميز الإنسان عن بقية المخلوقات، فهو وسيلة التعبير والتواصل ونقل الأفكار والمشاعر بين البشر، ويرتبط النطق ارتباطا وثيقا بالعمليات العقلية لدى الإنسان كالانتباه والإدراك والخيال، ونمو المعارف والتفكير.
وقد يعاني بعض الناس من صعوبة في النطق أو عيوب في لفظ بعض الحروف كلثغة او غُنَة يمكن ان تغير معنى الكلمة فتوقع صاحبها في حرج .
وتبدأ عيوب النطق عادة في مرحلة الطفولة، لكنها لحسن الحظ غالباً ما يمكن معالجتها إذا عرف السبب،وتعود أسباب هذه العيوب لعوامل عضوية أو وظيفية أو ربما لهذه العوامل مجتمعة.
فالعوامل العضوية إما أن تكون عيباً في الجهاز الكلامي أو السمعي أو نقصاً في القدرة العقلية، أما العوامل الوظيفية  فربما تكون نفسية أو غيرها، ويكون الطفل فيها سليماً من الناحية العضوية ولايعاني اي خلل في جهازه الكلامي أو السمعي،لكن المشكلة تترك أثرها في ضعف قدرته على التعبير.
وهنا تجدر الإشارة إلى عدم الخلط بين عيوب الكلام والتعثر في الكلام، فالتعثر شيء طبيعي، ولا يعد حالة مرضية، لأنه أولاً ليس صفة مستمرة إنما يكون نتيجة الموقف ذاته مثل موقف خج ، قلق ، خوف...او غيرها.
 
العوامل العضوية
سنقوم فيما يلي باستعراض عيوب النطق المرضية، التي يمكن معالجتها ومعرفة أسبابها:
الخمخمة: وهي عيب يصيب الأطفال والكبار على حد سواء ويسمى بالعامية (الخنف)، وهو خروج الكلام من الأنف، حيث يجد المصاب بالخمخمة صعوبة في إصدار جميع الأصوات كما أنها تأخذ أشكالا مختلفة من الشخير أو الخن، ويعود سبب هذه العلة إلى وجود فجوة في سقف حلق الوليد تصل أحياناً إلى الشفة، ويكون ذلك نتيجة تعرض الجنين في الأشهر الأولى من الحمل لعدم نضج الأنسجة التي يتكون منها نصف الحلق أو الشفاه فيؤدي إلى عدم التئامها وتحدث الفجوة.
أما بالنسبة لعلاجها فالخطوة الأولى هي العمل الجراحي لإكمال أو إزالة أي نقص أو سوء تركيب عضوي، وفي حال تعذرت الجراحة يلجأ الطبيب لتركيب سدادة بلاستيكية لسد الفجوة، بعدها يحتاج المصاب إلى تمرينات خاصة بالنطق .
الثأثأة: وهي لكنة حرف السين أو الصاد، فيلفظ حرف السين ثاءً، كأن ينادي الطفل المصاب لأخته سوسن بـ «ثوثن»، وهي أكثر العيوب انتشاراً بين الأطفال (5-7) سنوات، أي عند بداية تبديل أسنانهم اللبنية، وبعد أن يتم الطفل إبدال أسنانه غالباً ما يعود نطقه سليماً، وتبقى هنالك قلة تلازمها هذه الحالة مثل الاطفال الذين لم تنتظم أسنانهم من ناحية كبرها أو صغرها أو القرب أو البعد او نتيجة التقليد كتقليد أحد أفراد العائلة ممن يشكون هذه العلة.
يستطيع المصاب مباشرة أن ينطق بشكل صحيح، وذلك بعد تدريبه خلال جلسات علاجية خاصة تبدأ بتعليمه على التحكم بحركات لسانه مع الاستعانة بمرآة توضع أمامه ويقارن بين ما يقوم به الناس من حركات وما يقوم به المصاب من حركات في اللسان أثناء النطق، وعندما يشعر الشخص بالتحسن تأخذ التمرينات أشكالاً أخرى. ومن المهم أيضاً أن نعلم أن هذا العلاج لا يؤتي ثماره إلا بعد إزالة كل تشوه في الأسنان.
 
العوامل الوظيفية
هناك بعض عيوب النطق التي تعزى الى عوامل وظيفية يمكن علاجها بأساليب علاج فيزيائية أو نفسية قد تكون بسيطة وسهلة، ومن هذه العيوب :  
الحبسة: وهي فقدان القدرة على التعبير بالكلام أو الكتابة أو عدم القدرة على فهم معنى الكلمات المنطوقة، وفشل الشخص في استرجاع أسماء بعض الأشخاص أو الأماكن أو مراعاة بعض القواعد النحوية في النطق، وتنجم الحبسة عن إصابة الجهاز العصبي المركزي، ويكون لها عدة أنواع :
 الحبسة التعبيرية: وهي الاضطراب في التعبير الشفهي والكتابي، كصعوبة تكوين جملة، فتكون الكلمات غير مترابطة وتزداد الصعوبة مع طول الجملة وتعقيد الكلمات.
 - الحبسة الاستقبالية: وفيها يفقد المريض القدرة على تمييز الأصوات المسموعة مما ينتج عنه أن يبدل الحرف بحرف آخر أو الكلمة بكلمة أخرى مما يجعل الكلام غير واضح أو غير مفهوم.
- الحبسة النسيانية: ويبدو فيها المريض وكأنه نسي الكلمات التي يريد أن يقولها فيبدأ بصياغة جمل طويلة وتلميحات للتعبير عما يريد. وهذا النوع من الحبسة له علاقة بالأنواع السابقة، ويمكن أن يحدث منفرداً أو مشتركاً من إحداها، لكن من النادر أن ترافقه صعوبة في القراءة لأنه يختص بنسيان الأشياء غير المرئية.
- الحبسة عند مرضى الفصام: (ذوي الإصابات المخية)، وأهم مظاهرها فقر القاموس اللغوي لدى المريض، وصعوبة الفهم وعدم الوعي بما يصيبه.
- الحبسة الكلية: وجدت بعض الدراسات والتجارب في العيادات أن هناك مرضى يشكون من احتباس الكلام أو من اضطراب في القدرة على فهم مدلول الكلمات المكتوبة أو عجز جزئي أو كلي في الكتابة، ويكون سبب العلة في ذلك أحد أمرين إما الإصابة بجلطة دماغية ناجمة عن انسداد الشريان الذي يغذي الجزء المسؤول عن المراكز العليا للحركة بالفص الجبهي والمتجهة نحو الذراع وأعضاء النطق، أو الإصابة بنزف دماغي يؤدي إلى حرمان المنطقة المصابة من إمدادها بالدم، ويحدث تورماً وضعفاً في بعض الألياف العصبية .
ولعلاج الحبسة الكلية يجب حصراً استشارة أطباء مختصين بالأوعية والشرايين المحيطية أو القلبية وهم من يملكون القرار في إجراء عمل جراحي أو العلاج بالأدوية لتحسين الحالات.
اللجلجة : واللجلجة هي إعاقة الكلام، حيث يعاق تدفق الكلام بالتردد وبتشنجات عضلات التنفس أو النطق مما يؤدي إلى انحباس سريع للكلمات، وقد عرَّفها عالم النفس أبراهام سيرلنغ بأنها شكل من أشكال عدم الطلاقة اللغوية،وهي من العيوب الشائعة بين الأطفال، وأسبابها معقدة، لكن النظريات العلمية تقول إن أسبابها تعود إلى عوامل نفسية بحتة.
ومنذ طفولته المبكرة يعاني المريض من القلق النفسي وعدم الشعور بالأمان والطمأنينة، وخوفه من الآخرين ، وتتطور هذه الحالة مع التقدم في العمر، وبسبب ذلك يتلعثم ويتلكأ في إخراج الكلام بصورة واضحة، ومع مرور الأيام يعتاد الطفل اللجلجة ويزداد شعوره بالنقص وعدم الكفاءة، ويلجأ المريض إلى اللجلجة كملجأ للتنفس الانفعالي نتيجة الصراعات التي يعانيها، ويتمكن الطفل الذي يعاني اللجلجة من التكلم بطلاقة في الأوقات التي يشعر فيها بالأمان (عدم القلق) أو بمعزل عن الناس،.
وتظهر اللجلجة عادة في سن (3-6) سنوات، وفي هذه الحال يمكن معالجتها، وربما تعود للظهور في سن المراهقة، وتكون أشد خطورة من التي تظهر في الطفولة المبكرة. 
وتعد اللجلجة من العيوب الكلامية التي يمكن علاجها بأساليب مختلفة كالعلاج النفسي المختصر أو العلاج الكلامي .وللعلاج النفسي المختصر عدة طرق منها:
طريقة اللعب : إن إشراك المصاب باللعب مع أقرانه أداة ناجحة لاستئناس الطفل وتلاشي خوفه.
طريقة التحليل بالصور: وهي تكون سبباً لإنشاء حوار بين المصاب والمعالج من خلال عرض صور محببة لدى الطفل فيستغرق في فحص الصورة وينصرف انتباهه عن التفكير في كلامه، وهذا الانصراف يساعده على التكلم دون اضطراب.
الإيحاء والإقناع: وهي محاولة لتعديل نظرة المصاب إلى نفسه كونه شخصية لها احترامها وقبولها في المجتمع وإقناعه بأنه لا يعاني من أي علة تشريحية أو وظيفية تعوقه في التغلب على متاعبه الكلامية.
الاسترخاء: ويصل إليه بالتدريب على الاسترخاء العضلي، والهدف منه تخفيف توتر المصاب كإجراء تحضيري لعلاج آخر، ثم يتم تشجيعه على إطلاق أفكاره في أمور كبيرة بدلاً من حصرها وتركيزها على الخوف والقلق.
أما العلاج الكلامي فيكون عن طريق الاسترخاء الكلامي وتعلم الكلام من جديد، حيث تبدأ هذه الطريقة بتمرينات خاصة على الحروف .. ثم الجمل .. ثم يطلب منه تقليد نغمة الجملة، لكن هذه الطريقة لم تعط تحسناً واضحاً إلا بشكل مؤقت، لذلك دُعمت بإشراك المصاب في ألوان مختلفة من الأحاديث والألغاز والأحاجي والمناقشات الفعالة التي تنسيه علته وكل ما يتصل بها، وكانت جميعها وسائل فاعلة لبلوغ الغاية.وفي معظم الحالات وُجد أن علاج اللجلجة يحتاج لاستخدام العلاجين النفسي والكلامي معاً.
التأتأة: عرفت منظمة الصحة العالمية التأتأة بأنها اضطراب يصيب تواتر الكلام، حيث يعلم الفرد تماماً ما سيقوله، لكنه لا يكون قادراً على قوله بسبب التكرار غير الإرادي.
والتأتأة هي تكرار أو إعادة الكلمات او الحروف أو إطالة في الصوت، وغالباً ما يكون سبب هذه العلة طبيعة علاقة الطفل بالآخرين، كأن يجد الطفل صعوبة في جذب انتباه الآخرين له، أو أن عليه الإسراع في الكلام وإلا انصرف عنه الآخرون فيرتبك ويصبح أكثر حرجاً وقلقاً أثناء كلامه ويبدأ بالتأتأة. وتتفاقم المشكلة  إذا وجد من يسخر منه وهنا يزداد الأمر سوءاً وتتعقد المشكلة، إذ يفقد عندها الطفل ثقته بنفسه وقدرته على مخاطبة الناس بشكل طبيعي.وللتأتأة عوامل مسببة تتمثل بـ :
أ ـ الاستعداد الوراثي: حيث يكون لدى الشخص استعداد وراثي في الوظيفة الكلامية وتُظهره الضغوط المباشرة من حوله.
ب ـ العوامل العصبية: يفترض الباحثون أن التأتأة ربما تكون ناتجة عن تلف الدماغ نتيجة جرح أثناء الولادة أو مرض، كما أن الاضطراب في الأعصاب قد يؤدي إلى خلل في الوظائف الحركية للنطق.
ج ـ العوامل النفسية: ويرى بعض المحللين أن التأتأة هي حالة انحباس انفعالي تحدث في المرحلة الفموية أي أثناء التطور النمائي للطفل، أو ربما تكون نتيجة التكيف السيئ للعلاقة مع الأم أو عن فهم غير مناسب للذات.
د ـ عوامل التعلم: يفترض بعض الباحثين أن التأتأة هي سلوك مكتسب يتعلمه الشخص عندما يمر بمواقف مثيرة للقلق، وهناك نظريات كثيرة تفسر الأسباب مثل السيادة لأحد نصفي الكرة المخية أو المثابرة للعالم (أيسس) فهي تقول إن التأتأة تعتمد على الاستعداد الوراثي للمثابرة الحسية والحركية .
وأخيراً، يلاحظ أن العامل الأساسي المشترك بين معظم أسباب المشكلات اللغوية التي يعاني الأطفال منها هي التوتر والانفعال اللذان يعاني منهما الطفل ويكونان نتيجة المعاملة السيئة من قبل الأهل وهي الإفراط في الدلال أو القمع الزائد عن الحد، أو طريقة المعاملة التي يتعامل فيها الأب مع الأم أو الأولاد .. إضافة إلى عوامل عضوية ووراثية. - اعداد الدكتورة هدى المفعلاني
 




آخر إضافات الموقع

الأكثر مشاهدة