السوسنة - إن للناس معادن تكمن داخلهم ، وعندما قال رسول الله في ذلك ، خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام ، كان ممن بدت معادنهم الطيبة الصحابي " زيد الخيل " .
وقد سمي بذلك لكثرة خيله التي يمتلكها ودعوه الناس بهذا في الجاهلية ، ولكن سماه الرسول - صلى الله عليه وسلم - زيد الخير بعد إسلامه .
لما بلغ لمسمع زيد الخيل أنباء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وما يدعو إليه ، قام وأعد راحلته ثم دعا سادة وكبراء قومه لزيارة يثرب ، ولقاء النبي ، ومعه أيضا وفد كبير من قومه طيء .
ولما وصلوا المدينة كانت وجهتهم إلى المسجد النبوي الشريف ، وبركت ركائبهم بباب المسجد ، وصادف دخولهم خطبة رسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين من فوق المنبر ، فلفت انتباههم كلام الرسول وأدهشهم أشد الدهشة تعلق المسلمين به ، وإنصاتهم وتأثرهم الشديد بما يقول .
ولما أبصرهم رسول الله وهم باب المسجد وكان يحدث الصحابة عن توحيد الله وترك ما يعبدونه من أصنام وأوثان .
وقع كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أعماق نفس زيد الخيل ومن معه ، فالبعض منهم استجاب لنداء الحق وأقبل على رسول الله ، والبعض الآخر تولى واستكبر .
فتوجه الذين استكبروا لبلاد الشام وحلقوا رؤوسهم وتنصروا ، وأما زيد الخيل ومن معه فكان شأنهم مختلف ، حتى اذا ما انتهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الخطبة ، فوقف زيد بين جمع المسلمين في المسجد .
وقد كان من أشد الرجال جمالا ، وأتمهم خلقة ، إضافة لطول قامته فوقف بقامته الممشوقة ، وقال بصوته الجهير : يا محمد أشهد أن لا إله إلا الله وإنك رسول الله ، فما لبث إلا أن أقبل عليه الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - ، وسأله عن نفسه ، فأجابه أنه زيد الخيل بن مهلهل .
فقال له رسول : بل أنت زيد الخير ، لا زيد الخيل . ثم دعا له الرسول ، وحمد الله أن رقق قلبه للإسلام .
ومنذ ذلك الحين عرف باسم زيد الخير ، واستضافه الرسول وجهز له متكأ إلا أنه رفض ذلك بحضرة الرسول .
وقد أسلم مع زيد الخير جمعا من قومه ، وعندما أراد زيدا الرجوع ومن معه إلى ديارهم وقومهم في نجد ، ودعه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعلم النبي أنه سيكون له أعظم شأن إن سلم من وباء المدينة ، وكانت المدينة المنورة آنذاك قد انتشر بها وباء الحمى ، ولكن ما إن غادر زيد الخير المدينة المنورة حتى أصابته الحمى .
فأوصى من معه أن يجنبونه بلاد (قيس) أثناء سيرهم ، لأنه كان بينهم خلافات ومشاحنات من حماقات الجاهلية ، ثم أقسم على الله ألا يقاتل مسلما حتى يلقى الله تعالى ، وتابع زيد الخير مسيره حتى وصل أهله في نجد ، وكانت حينها وطأة الحمى قد اشتدت عليه ، وتمنى أن يلقى قومه قبل أن يغادر هذه الدنيا الفانية ليكتب الله لهم الإسلام على يديه .
وأخذ يسابق المنية ليصل ، والمنية تسابقه حتى سبقته وأخرج أنفاسه الأخيرة في الطريق .
ولم يكن ما بين إسلامه وموته أي متسع لأن يقع في إحدى الذنوب ، فمات نقيا إسلامه مسح ما اقترف في جاهليته . فرضي الله عنه .