أعلنت إسلامها وكتبت رأيها بوضوح وإقتناع

السوسنة -  تأخذ قضية المرأة المسلمة في المجتمع الأوروبي بعدا تشوبه المواربة ، نتيجة الصورة النمطية التي يحاول المجتمع الغربي تكريسها عن المرأة المسلمة  ، وعسر التوفيق بين إسلامها وبين إيمانها بحقوقها النسوية، هما أيضا صدى لقضية أكبر هي الصورة النمطية للإسلام في أوروبا وشيوع الإسلاموفوبيا نتيجة تضافر عوامل الإرهاب وصعود اليمين الأوروبي، كلها أبعاد تجعل من حكاية الصحفية الإسبانية أماندا فيجيراس عينة من إشكاليات اجتماعية عميقة مرتبطة بوجود الإسلام في أوروبا.

 
الصحفية الإسبانية أماندا فيجيراس تؤكد أن المرأة هي الضحية الأولى للإسلاموفوبيا، وترى أن أوروبا حبيسة نظرة نمطية للإسلام وللمرأة المسلمة.
 
هل من الممكن أن تكوني مسلمة ومدافعة عن حقوق المرأة في الوقت نفسه؟ بحسم تجيب عن هذا السؤال صحفية جريدة الموندو الإسبانية أماندا فيجيراس (المولودة في برشلونة عام 1978) التي اعتنقت الإسلام “نعم ممكن وهكذا يجب أن أكون لأن المهمة التي تقع على عاتق المرأة في هذا المجال مزدوجة: إثبات أن الإسلام دين يدافع عن حقوق المرأة ويحترمها، والدفاع عن حقها في أن تكون مسلمة داخل الثقافة الغربية”.
 
وتضيف فيجيراس "النساء المسلمات يناضلن في أكثر من جبهة في نفس الوقت: التسلط الأبوي المهيمن على المجتمعات الذكورية من ناحية، وضد ظاهرة الإسلاموفوبيا من ناحية أخرى"، مشيرة إلى أنه في الوقت نفسه يجب التعامل مع الصورة النمطية لظاهرة “النسوية” التي تشكك في إمكانية أن تكون مسلما ومدافعا عن حقوق المرأة في الوقت نفسه.
 
وتحدثت فيجيراس عن كتابها المنشور حديثا “ولماذا الإسلام”، الصادر عن دار “بيننسولا”، والذي تستعرض من خلاله تجربتها “حياتي كامرأة، أوروبية مسلمة”.
 
أصابت فيجيراس إسبانيا بحالة من الدهشة، فقد كانت حياتها تسير بصورة طبيعية وفقا للنموذج الأوروبي التقليدي، فهي امرأة مستقلة تعمل منذ أكثر من عشر سنوات كصحفية بواحدة من كبرى الجرائد الإسبانية، وشمل عملها تغطية هجمات 11 مارس 2004 على قطارات مدريد، وحاولت طوال مسيرتها الصحفية العثور على إجابات عن مزاعم ارتباط الإرهاب بالدين ومثل هذه الأحداث العنيفة، ومع توغلها في هذا العالم تعرفت على الدين الإسلامي عن قرب.
 
عقب فترة تأمل في صمت، أخذت الخطوة واعتنقت الإسلام، ما دفع أقرب المقربين من أهلها وأصدقائها وزملائها في العمل للتساؤل عن السبب الذي دفع هذه الشابة، التي لم تلتزم بأي ديانة طيلة حياتها لأن تصبح الآن امرأة مسلمة ملتزمة بتعاليم هذا الدين، بما في ذلك ارتداء الحجاب، مما دفعها لكتابة مقال طويل في جريدتها “الموندو” عن أسباب تساؤل الناس حول ما تعتنقه تحت عنوان “لماذا تثار التساؤلات حولي لاعتناقي هذه الديانة".
 
"نحن المسلمين لا نقوم بواجبنا بصورة جيدة لتوضيح أنفسنا، على الرغم من أن كثيرين يرون أنه لا يوجد ما يجبرنا على القيام بذلك، لكن أنا أعتقد أنه بالفعل يتعين علينا تحين الفرصة لتوضيح الصورة السيئة المغلوطة المرتبطة بالدين" تؤكد فيجيراس، معربة عن قناعتها أن “الذنب مشترك”، يتحمله بنفس القدر المسلمون أنفسهم، وكذلك وسائل الإعلام التي تشوه صورة الإسلام.
 
"ليست كل الديانات لها نفس السمعة السيئة. الإرهابيون سطوْا على أصواتنا ولديهم العديد من المنابر ومكبرات الصوت، نحن المسلمين يتعين علينا دحض هذه الرسالة”، تتابع، مؤكدة أن هذا هو الغرض الحقيقي من وراء نشر كتابها “لماذا الإسلام”، والذي بالإضافة إلى كونه دليلا للبدء في إتباع تعاليم الإسلام أو لتوجيه حديثي العهد بالإسلام، يسلط الضوء على تجربة “شديدة الخصوصية” توضح الأسرار التي دفعتها للتعرف على الإسلام من الداخل، نظرا لأنها تعرف جيدا الأحكام المسبقة المرتبطة لدى غير المسلمين بالإسلام، والتي كانت هي نفسها واحدة منهم في يوم من الأيام.
 
على مدار صفحات الكتاب تقوم فيجيراس بتقديم الردود المنطقية العقلانية لدحض الكليشيهات والصور النمطية، وغيرها من الأمور الشائكة المثيرة للجدل التي ألصقت بالإسلام، ومن بينها اضطهاد المرأة أو ممارسة التمييز بحقها، وكذلك ارتداء الحجاب والربط بين الإرهاب وصورة الإسلام.
 
تنفي فيجيراس اعتناقها للإسلام لأسباب عاطفية، مؤكدة أنه بحكم عملها بدأت في التعرف على الإسلام، وبعد ذلك بسنوات ارتبطت بزوجها الأول، والذي تقول عنه إنه لم يكن مسلما ملتزما.
 
"في حالتي الحب لم يكن الدافع الرئيس لتقربي من الإسلام”. وتوضح قائلة “مع الوقت أخذت أكتشف هذه الديانة الجديدة، لدرجة أني بدأت أفكر أنني كنت بالفعل مسلمة حتى قبل اعتناقي هذا الدين، ولكن دون أن أعرف ذلك، ولهذا لم تكن هناك ثمة مشكلة في تعمّقي في الإسلام بنظرة تحليلية، عملية ومهنية وعلمية أيضا، بحثا عن جوهره: يحثنا الإسلام باستمرار على البحث عن المعرفة".
 
خلال هذه المرحلة، تعرضت لانتقادات وشعرت بالتهديد والترهيب إلى درجة أنها تريثت طويلا قبل الإفصاح عن هوية معتنقها الجديد. وتضيف فيجيراس “أحيانا أشعر بالذنب بسبب حملة التشهير والترهيب والعنف والكراهية التي تسببت لعائلتي فيها جراء توجهي الديني. قالوا عني أشياء مريعة في شبكات التواصل الاجتماعي وتعرضت لتهديدات وصلت إلى حد القتل”.
 
كما تأسف فيجيراس عن أن هذه الممارسات لا يوجد من يعاقب عليها، ومن ثم تطالب بتشريعات شاملة لتغليظ العقوبات على جرائم الكراهية، وتطالب وسائل الإعلام بالتحلي بقدر أكبر من المسؤولية عند التطرق لموضوع الدين. هناك مرصد لمحاربة الإسلاموفوبيا يعمل على تحليل الأخبار من أجل رصد رسائل الكراهية في وسائل الإعلام.
 
وفي الوقت نفسه تعوّل فيجيراس على التعليم كوسيلة فعالة لمحاربة الإسلاموفوبيا المتزايدة في إسبانيا وأوروبا، نتيجة تفاقم أزمات اللاجئين أو كرد فعل على الهجمات الإرهابية في العديد من مدن أوروبا.
 
وتشرح الصحفية الإسبانية “الإسلاموفوبيا ظاهرة متعددة الأبعاد وتشمل العديد من الممارسات، مثل الاعتداء والسباب، والهجوم على المساجد أو الخطاب الذي يوجهه مسؤولون سياسيون. وهناك هجمات ظاهرة وموثقة، وهناك أخرى أقل ظهورا مثل صعوبة عثور امرأة مسلمة محجبة على عمل أو استئجار شقة. وتتزايد العدائية بالتوازي مع نمو التطرف”.
 
وتؤكد فيجيراس أن المرأة هي الضحية الأولى لجرائم الإسلاموفوبيا، لأسباب عديدة منها أن الحجاب يجعلها ظاهرة بوضوح كمسلمة، وهذا يفتح جبهة أخرى يتعين على المسلمين خوضها، إلى جانب الجبهات الأخرى التي تواجههم في حياتهم اليومية. وترى أن الحركة النسوية بنظرتها النمطية في أوروبا تعمل على تهميش المرأة المسلمة ولا تدافع عن حقوقها، وترى أن الإسلام غير متوافق مع النشاط النسوي، على اعتبار أن كل الديانات اضطهدت المرأة.
 
هذا التوجه، يحرم الناشطات النسويات المسلمات من أن يكون لهن صوت مسموع، ويزيد من عبء المهام التي يتعين عليهن تحملها في سبيل الدفاع عن حقوقهن في دول من الشرق تقوم بفرض الحجاب أو ختان الإناث أو تحرم النساء من حقهن في التصويت، أو دول من الغرب تحرمهن الحق في الحصول على المساحة الجديرة بخصوصيتهن سواء في دور العبادة أو داخل المجتمع.
 
أمور النساء دوما محل تساؤل وتصرفاتهن تحت الميكروسكوب، وتثير الجدل مثل ارتداء الحجاب أو البوركيني، والذي أثار موجة من الرفض قبل سنوات في أوروبا، ومن ثم تؤكد فيجيراس أن المعايير الغربية لا تخدم المرأة في معظم الأحيان أو تدعمها في اتخاذ قراراتها بحرية. وفي النهاية تتساءل “إذا كانت أوروبا قد تجاوزت منذ زمن الجدل الأخلاقي حول مسألة ارتداء البكيني، فلماذا لم تتجاوز حتى الآن مسألة ارتداء الحجاب؟".