الربا والمخرج منه - د. محمد تاج العروسي

 صدر كتاب جديد عنوانه" الربا والمخرج منه في ضوء علة تحريمه وواقع النظام الاقتصادي المعاصر " لمؤلفه: د. عدنان محمد فقيه.

ويتضمن الكتاب بين دفتيه التكييف الفقهي للمعاملة المالية المعاصرة التي استجدت في هذا العصر والمعاملات التي تتعلق بالاقتصاد والنقود من منظور الاقتصاد الإسلامي مقارنة بالنظام الرأسمالي السائد، ومفهوم القرض، والبيع المؤجل وماهية الربا، وعلة تحريمه، وحقيقة النقد، والفرق بين الاقتصاد الإسلامي والرأسمالي من زاوية دور النقد في كليهما، وموضوع التضخم، والقيمة الزمنية للنقود في الإسلام، وحقيقة العلة الربوية في الأصناف الستة، ومدى تحقق الربا في غيرها من الأصناف.
وبيّن مؤلفه في الفصل الأول ماهية الربا، والفلسفة التي ينطلق منها الإسلام في تحريم الربا في الأصناف الستة، والقيمة التي يريد الإسلام أن يحميها بذلك، بحيث تكون في قلب فلسفة الإسلام العامة، وفي شرايين نظامه الاقتصادي، وأشار إلى أن تلك العلل بمجملها لم تنتج معيارا شافيا متفقا عليه يمكن استعماله لمعرفة ما إذا كانت صَفْقةٌ مَّا رِبَوية أو غير ربوية، حيث إن التعاملات الحديثة التي تتم بالريالات واليورو والدولار، بل بحسابات مسجلة في وسائط إلكترونية لا حقيقة مادية لها، ولا يمكن أن تكال ولا أن توزن، ولا حتى أن تنسب لها ثمنيه على النحو التي كانت تنسب للذهب والفضة، واللذان كانا – ومازالا- عينين مرغوبا فيهما لذاتهما، علاوة على ثمنيتهما التاريخية...فالنقلة الهائلة تتيح للباحثين فسحة كبيرة للتعرف على علة الربا في معزل عن عينية الأثمان التي كانت أدوات الربا في زمن التنزيل.
وفي الفصل الثاني بيّن المؤلف مفهوم العقد الربوي، والوظائف التي تقوم بها النقود، بحيث تكون "وسيطا للتداول، ومستودعا للقيمة، ووحدة لقياس الثمن، ومقياسا للمدفوعات الآجلة وأداة للوفاء بها".
وفي الفصل الثالث تطرق لاختلاف الفقهاء في علة اختيار الأصناف الستة من بين سائر السلع لتكون محلا لوقوع الربا، والسمة المشتركة بينها، "وهي النقدية"، وقال: إن سِرَّ عدول الشارع عن التصريح بعلة الربا  في تلك الأصناف تحريم الأمر كما كان واقعا فعلا، أي في الأصناف التي كانت محل المعاملة بالربا في عصر التنزيل، وبيان أنها ليست مقصورة لخصوصها ولا لذواتها بل لتحصيل هذا الغرض، وهو استئصال ما كان مصدرا للشر في ذلك الحين، وقال : إن جزءا كبيرا من الاجتهادات التي نتجت عن بحث موضوع الربا في السابق لا تكاد تجد تطبيقا لأحكامها في الواقع المعاصر.
وتحدث المؤلف في الفصل الرابع عن النقود كمكون اقتصادي، وذكر أن كثيرا من الباحثين يهملون هذا الجانب ويركزون في التعريف على وظيفتها من حيث كونها وسيطا للتبادل، أو مستودعا للقيمة.
     وركز في الفصل الخامس على الخلاف القائم بين الفقهاء قديما وحديثا، ألا وهو مدى إمكانية اعتبار القيمة المالية للزمن في البيوع المؤجلة، أي ( اعتبار الأجل، أو الزمن قابلا للبيع في الإسلام) .
       ومنشأ الخلاف : هل يملك الإنسان الزمن مِلْكِيَّتَهُ للأشياء المتمَوَّلة؟ وأيُ زمَنٍ هذا الذي يبيعه البائع للمشتري؟ هل هو زمنُ السِّلعة، أَمْ زَمَنُ البائع، أَمْ زَمنُ المشتري؟ وهل الزمن متموَّل؟.
وبعد مناقشة أقوال الفقهاء توصل إلى  أن المقصود بأن للأجل حظا من الثمن هو التضخم الذي يحصل في النقود، أو عَلَى الْأَقَلِّ فإن هذا هو التأويل الذي لا يتعارض مع إلغاء الإسلام للقيمة المالية للزمن في النقود، وبهذا يتم الخروج من إشكالية أن للزمن قيمة وحظا من الثمن في السلعة كما يقوله بعض المعاصرين من الفقهاء، أوليس له حظ وقيمة في النقود كما يقوله الآخرون، والزمن هو الزمن في كلا الحالين.
وعرج في الفصل السادس لمسألة التكييف الفقهي للنقود الورقية وغيرها، وذكر أن الرأي المقبول اعتبارها نقوداً مستقلة بذاتها يجري فيها الربا، ويجوز فيها السَّلم، وتجب فيها الزكاة، وهو الذي ذهب إليه جمهور الفقهاء .
 أما الرأي المخالف، فهو القائل بأنها تعتبر عرضا من العروض، أو سلعة من السلع، فغير مسلّم لدى الجمهور نظرا لما يقتضيه من عدم قبول النقود ثمنا في بيع السلم، وعدم وجوب الزكاة فيها، إضافة إلى انتفاء الربا فيها فيؤدي إلى تعطيل حركة التعامل في الاقتصاد الإسلامي، ثم ذكر الإشكالات التي تترتب على ذلك الإشكال الأول: وجود فرق بين السلعة والنقد من حيث الوظيفة، فالنقد لا يقصد بذاته، والسلعة تقصد لذاتها، والنقد وسيلة والسلعة غاية.
 الإشكال الثاني : الفرق الكبير بين قيمة السلعة من حيث هي لو لم تُسْتعمل نَقْداً، وبين قيمتها حال استعمالها نقدا، والمتمثل في قدرتها الشرائية.
الإشكال الثالث: إذا حكمنا على النقود بأنها سلعة فإن ذلك يعني فيما يعنيه أنه لا زكاة فيها؛ لأنها مصنوعة من الورق، وأن أحكام الربا لا تجري فيها.
 ورجح قول المتأخرين حيث يقول: إن النقود سلعة كسائر السلع ، بل سلعة من نوع خاص يُحْتَاجُ أن يتعامل معها بطريقة خاصة، وهو الأمر الذي جاء حديث الأصناف الستة ليؤسِّسَهُ..وأن الحكم بالربوية على أشياء مخصوصة سواء سميناها سلعاً نقديةً، أم نقودا سلعيَّةً،أم سلعاً إنما يثبت باستعمالها نقودا حال انعقاد الصفقة لا لمجرد تصنيفها على أنها سلع إذا كانت الصفقة تشهد بأنها تستعمل فيها استعمال النقود. وبذلك يكون الحكم بالربوية مقصورا على الحالات الثلاث التالية :
1.   أن يلزم الحاكم الأمة التعامل بها على أنها وسيط للتداول بين الأشياء.
2.   أن يصطلح الناس على نقدية عين من الأعيان كاصطلاحهم على ثمنية الذهب في القدم.
3.   حلة القرض الربوي، والتي هي بيع المثلى  بجنسه مع الفضل والنساء، لما يتضمنه ذلك من استعمال المقرض السلعة استعمال النقد.
4.   وتكلم في الباب السابع: عن سَلم العملة كبديل عن نظام الفائدة المصرفية، واستهل بالحديث عن ربا القرض والحيل الفقهية، ومتى يجوز استخدام الحيل الفقهية،والضوابط التي يمكن التمييز بها بين الحيل الصحيحة والباطلة.
وتناول في الفصل الثامن دور المال في الاقتصاد الإسلامي، وقال: إن سياسة الاقتصاد الإسلامي تقتضي ألا ينمو النقد "الوسيلة" إلا بقدر ما ينتجه من خدمة ونفع" الغاية" للمجتمع الإنساني، فصاحب النقود أمام واحد من أربعة مواقف.
1.   أن ينفقها بشراء سلعة من السلع، أو خدمة من الخدمات فينفع البائع، أو الصانع، والمجتمع من وراء ذلك جراء الحركة التجارية.
2.    أن يتصدق بها أو يقرضها قرضا حسنا فينفع الناس بها دون مقابل دنيوي.
3.    أن يكنزها فتنقص كميتها بالزكاة عاما بعد عام، وتنقص القيمة الشرائية لما بقي منها بسب آفة التضخم.
4.    أن يستثمرها، أي يفعلها بشراء أصل، أو إنتاج سلعة، أو خدمة، وبذلك يعرضها لمخاطر الخسارة كما يعرضها لفرص الربح.
وهذه الأحوال الأربعة تعني:أن النقد محاصر في الاقتصاد الإسلامي، ومعرض للنقص بالنسبة لمالكه، ومعرض دائما للحركة بالنسبة للمجتمع ككل، لا يُسمح له بالنمو إلا في إطار ما ينتجه من سلع، أو خدمات، وهو وإن تحرك بغرض النمو يكون في ذلك عرضة للمخاطرة التجارية، وهي لا تعني هلاك النقد؛ إذ النقد في الأصل وجود معنوي لا يهلك وإن تعرضت قوته الشرائية للزيادة والنقصان. ولكنها تعني نقل ملكية النقد، أو بعض منها من يد صاحبه ليد أخرى، فهو في جميع الأحوال في حركة سريعة غرضها أن يؤدي الوظيفة التي جُعِلَ من أجلها؛ " كي لا يكون دولة بين الأغنياء" من الناس، ولتكون هذه الحركة خامة للاقتصاد، وللمنفعة العامة للمجتمع، مثمرة زيادة فقط ، في حال كونها نتجت إنتاجا حقيقيا، رائجا، وناجحا على شكل سلعة أو خدمة يستفيدها الفرد أو المجتمع.