الوجه الآخر لـهولوكوست مسلمي الروهينجا - سيد علي

 فعلا أصبح المسلمون كغثاء السيل تتداعى عليهم الذئاب ليس من قلة - كما أخبرنا الرسول (صلى الله عليه وسلم) - ولكن لأنهم فرق ومذاهب وجماعات، مما نزع المهابة من قلوب عدوهم وأصابهم الوهن، ولعل تلك المجازر والتنكيل بأيدي بعضهم البعض في سوريا والعراق واليمن وليبيا أشد وطئًا مما يفعله بهم أشد أعدائهم، وربما يكون دواعش العرب، وماحدث في أفغانستان وطالبان والقاعدة أسوأ رسالة عن الإسلام والمسلمين، وَمِمَّا حدا بـ"دواعش" البوذيين للتوحش ضد الروهينجا.

 
وأيًا كان فإن هذا الصمت القبيح على "هولوكوست" مسلمي ميانمار ربما يخرج أي إنسان من إنسانيته، ولعل صمت بقية الأديان والعقائد ليس حيادًا، ولكنه تواطئ مع "دواعش" البوذية؛ ولأننا في زمن ليس فيه المعتصم الذي سير الجيوش لنصرة امرأة صرخت وا معتصماه، ولكن جيوش الدول الإسلامية تتغول على بعضها، وربما تندلع الحروب بسبب فاتنة في إحدى طرقات باريس أو لندن، وربما ما يصرف على القصور الصيفية الملكية على شواطئ المغرب وإسبانيا تستر ملايين النساء السبايا على حدود تلك الممالك.
 
وعموما، وكما قال السلف الصالح من "لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم" مع العلم أن المطلوب الآن - وبصورة عاجلة - المساعدات الإنسانية للذين يموتون على الحدود بدون أدوية أو مياه، أو غذاء، ولكن كل هذا لا يعني ألا نفهم أصل المشكلة، وكيف تفاقمت عبر مئات السنين، ومئات المجازر للمسلمين هناك، عندما قتل أول مسلم منذ ١٣ قرنًا، وفشلت الأقلية المسلمة المهاجرة والبورمية في التعايش مع الأغلبية البوذية، عكس بعض الأقليات الآخرى.
 
ومأساة الروهينجا لا تحتاج لأي فبركات، ولا يفقد مصداقيتها سوى الصور والفيديوهات المدسوسة من كوارث طبيعية وحروب سابقة، يروج لها بعض جماعات الإسلام السياسي لتأجيج مشاعر الغضب، وتوجيهها للأنظمة الحاكمة في الدول ذات الأغلبيات المسلمة، وهي لا تقل بشاعة عما حدث في تسبرنيتسا (البوسنة)، أو رواندا وبورندي في أسوأ عملية تطهير عرقي وديني.
 
وعادة لا تتحرك الأمم المتحدة إلا إذا تحرك الكبار، ولماذا يتحركون والدول الإسلامية تغط في نومها، ومنظمة المؤتمر الإسلامي لم يصدر لها صوت إلا إذا تحرك "بهلول إسطنبول" أردوغان في زيارة إستعراضية للضحايا؛ علمًا بأن أعداد الضحايا على الحدود تزداد يوميًا، وتصر الدول المجاورة على إغلاق الحدود في وجوه الفارين.
 
وفيما يبدو فإن كل تلك المجازر بسبب الإنجليز الذين زرعوا الفتن الأهلية في كل مكان احتلوه، وبغض النظر عن التاريخ فهم الذين يمولون ويسلحون جزءًا من متمردي الروهينجا، وخاصة جماعة اليقين الذين يقومون بهجمات على مراكز الشرطة؛ انتقامًا من التنكيل الذي يتعرض له ذووهم على أيدي الجيش والشرطة هناك، بل إن المخابرات البريطانية تبث لهم إذاعة بلغتهم كإحدى إذاعات الـ Bbc.
 
وهناك من يؤكد أن ما يحدث مؤامرة أمريكية لتفكيك الجيش الوطني، على غرار ماحدث إبان ما سمي بـ"ثورة الربيع العربي" من تفكيك جيوش المنطقة؛ لأهمية بورما الجيوسياسية لموقعها الحدودي مع الصين والهند، وأهميتها للأمريكان نفس أهمية أوكرانيا بحدودها مع روسيا؛ ولذا تريدها واشنطن رأس حربة مع بكين ونيودلهي، وجعلها مركزًا استخباراتيًا متقدمًا في تلك المنطقة الحيوية؛ بدليل أن وسائل الإعلام الغربية تكرر ما كانت تفعله مع مصر، وترفع شعارات عودوا إلى ثكناتكم.
 
وعلى الجانب الآخر من الحقيقة، فإن تلك المجازر تجري في بلد السيدة السبعينية التي تحكم البلاد، بعد أن أمضت خمسة عشر عامًا حبيسة منزلها عقابًا لها على الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية في مواجهة استبداد الزمرة العسكرية التي حكمت ميانمار بين عامي ١٩٦٢ و٢٠١٣، بل إن تلك السيدة حصلت على نوبل في السلام، ومع هذا تبارك جرائم "دواعش" البوذيين بصمتها، وتعتبر تلك المجازر عنفًا متبادلًا بين الروهينجا والبوذيين؛ لأن عينها على النسبة التصويتية نحو ٩٠٪ للبوذيين.
 
وقد بدأت الأزمة عام ١٩٧٤؛ عندما فكرت ولاية راكين في الاستقلال؛ ليبدأ الصراع السياسي وليس الديني بين مسلمي الروهينجا الذين يعيشون في المنطقة الحدودية بين بورما أو ميانمار وبنجلاديش؛ ولهذا لا تعترف بهم كمواطنين، ويعتبرونهم "بنجال"؛ ووفقًا لهذا المنطق تتعامل معهم بورما على أنهم متمردون غرباء على حدودها، ومعظمهم هاجروا من بنجلاديش بعادات مختلفة عن مسلمي بورما، وهو ما عمقه الاحتلال البريطاني ودفعهم للاستيطان بالجنوب، ومؤخرًا أعلنوا استقلالهم بالجنوب، وشكلوا حكومة موازية وعلمًا خاصًا بهم، وتدخلت أجهزة مخابرات عديدة، وأمدت كل الأطراف بالاسلحة.
 
عن نفسي لا أملك حولًا ولاقوة لنصرة هؤلاء المسلمين، فاللهم كن لهم ناصرًا، وانتقم ممن خذلهم من الخونة الأربعة؛ وهم: قادر لم يفعل، وقاعد لم يبادر، وغني لم ينفق، ولسان لم يتكلم، ولكني فقط أذكر الثائرين - وهم في طريقهم لنجدة الروهينجا - أن هناك أشقاءً وأطفالًا ونساءً في اليمن والعراق وسوريا وليبيا في أمس الحاجة لنجدتهم من "دواعش" المسلمين.
 




آخر إضافات الموقع

الأكثر مشاهدة