رمضان فرصة للتغيير - إسماعيل سامي غسان أبو لبده

 بسم الله الرّحمن الرّحيم 

هل تشعرُ بأنّ حياتك ليسَ لها قيمةٌ وأنّها أصبحت مملةً وبدأ الإحباط يتملّكُكَ والأملُ يتلاشى والمشاكلُ تزداد...فاعلم أنّك بأمسِّ الحاجة للتغيير ....
 
أتَعلمونَ شيئًا ؟...جميعُنا يسعى لتغيير العالم ويحاولُ ذلك جاهدًا؛ ولكنْ سُرعان ما نكتشف أنّنا لا نستطيع ذلك، لأنّ التغييرَ ينبعُ من قرارة الإنسان؛ فإنْ أراد الإنسانُ التغيير؛ فسيتغير لا َمَحالة، ولكنْ عليه أن يتحَلّى بالأمل والعزيمة التي ستمكِّنه من ذلك، وعليه أن يتخِذَ قراره بالتغيير وأنْ يبحثَ عن جميع الطّرق الّتي تساعده ليتغير وأن يبدأ بالتّطبيق الصّحيح وأن يستعد لمحاربة ومواجهة عقَبات التّغيير الّتي أوّلها نفسه الأمّارة بالسّوء؛ فمن اعتاد على الرّوتين وفعل نفسِ الأمور يوميًا؛ فسيجد شيئًا يردعه لعدم التّغيير ويخبره بصوتٍ خفيٍّ ( لن تستطيع التّغيير ...حياتك هكذا أجمل)، فعلى من يريد التغيير أن يحمل في جَعْبته الإصرارَ والعزيمةَ الّتي ستدفعه للإستمرار؛ وتذكَّر قوله تعالى :﴿إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم ﴾الرعد:11﴾
 
فمن أراد أن يغَيّره الله تعالى عليه أن يغير نفسه بتركه ما نهى الله تعالى عنه والتزامه بما أمر ..
- يقول علماءُ النّفسِ إنّ الإنسانَ حتّى يغيِّر سلوكًا ويبني سلوكاً جديدا يحتاج إلى تَكرار السّلوك 21 مرّة ...فما بالكم أحبتي في الله ب 29 فرصةً أو 30 فرصةً...ليس هكذا فقط فقد اجتمَعت في رمضانَ صفاتٌ عديدة تؤَهّله ليكون الفرصةَ الأمثَلَ للتغيير؛ فقد قال نبيُّنا محمّد -صلّى الله عليه وسلم - :إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ رواه الترمذيّ وصحَّحه الألبانيّ..
 
وفي رمضانَ فرصةٌ للتعوُّد على الإنجاز ففيه بركةٌ في الصّحة وبركةٌ في المشاعر الإيمانية وبركةٌ في الوقت؛ كما وأنّه يعوِّد الإنسانَ على اتخاذ القرار؛ ؛فها هو الصائمُ  يتوَضّأ ويقتربُ الماءُ إلى جَوفه؛ لكنّه قد اتخذ قراره بألّا يبتلِعَه رغم أنّه لا يراه ويعلم به وبحاله وَصِدق صيامه  إلّا الله تعالى؛ هذا هو أقوى قرار يتخذه المسلم وهو استشعارُه بمراقبة الله تعالى له؛ وممّا يجعلُ رمضانَ فرصة للتغيير أنّه يُخرِج الإنسانَ من دائرة الروتين والملل؛ فهو خروجٌ عن المألوف، وتغييرٌ لنظام الحياة الّتي اعتاد عليها المسلم، ورمضانُ أيضًا يعطي الإنسانَ مفاتيحَ إدارة الوقت، فهناك وقتٌ محدّد للإمساك ووقتٌ للإفطار ووقتٌ لصلاة التراويح، فمِن هنا يجب على المسلم أنْ يبدأ باستثمار وقته وإدارته بشكل فاعل مفيد ..
 
- وما يميّز شهرَ رمضان أيضًا أنّه شهرُ نَصْرٍ وعزّة ورِفعة؛ فقد حدثت فيه أحداث تاريخيّة غيّرت مجرى التّاريخ بأكمله وقلبت الموازينَ ،وأظهرت الحَقَّ وأزهقتِ الباطل ...نستذكرُ غزوةَ بدر الكُبرى الّتي كانت في السّنة الثّانية للهجرة...تخَيلوا معي جيشَ الكفر الّذي لديه العُدّة والعَدد والطّعام يُغلبُ على يديّ جيش لا يملك إلّا الإيمانَ بالله تعالى ومحبةَ الرّسول محمّد ﷺ...نعم، هُزم جيشُ الكُفر والباطل في أرض بدرٍ وسَطع نور الحقّ والإسلام ...ومن هنا بدأ النّصر وبدأ التّمكينُ،
 
قال تعالى : ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [آل عمران:123] .
وفي رمضانَ حدثَ الفتحُ الأعظمُ (فتحُ مكّة) ودخل رسولُنا محمّدٌ وجيشُه إلى مكَّةَ فاتحًا منتصرًا، وها هُم مَن أخرجوه ُمكرَهًا من مكّةَ يدخلونَ في دين الله أفواجًا قال تعالى في سورة النّصر : ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)﴾ .
 
إنّه رمضان الّذي جهّز فيه قُطُز الجيوشَ لمحاربة التّتار ...
فرمضانُ فرصَةٌ للتغيير للمسلم المقَصّر في صلاته...فرصةٌ لتُجدِّدَ صِلتكَ برَبّك وتعوِّضَ ما فاتك... وتذكَّر أنّك عندما تُعرَضُ على ربّك يوم الحسابِ أنّ أوَّلَ ما ستُسأَلُ عنه (صَلاتك)...نعم ، صلاتك الّتي فيها راحتك وسعادتك في الدّنيا ونجاتك يوم القيامة...
-رمضانُ فرصَةٌ للتغيير للعاصي ولمَن غرِق في الذّنوب؛ ليتوبَ ويرجِعَ إلى ربّه؛ قال تعالى:﴿ وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ﴾[هود:3]، فها هي الفرصةُ مهَيَّأة،واعلم أنَّ نبيّك محمّد-صلّى الله عليه وسلم – الّذي غُفِر له ما تقدّم من ذنبه يتوبُ إلى الله في اليوم مئةَ مرّةٍ كما ورد في الحديث الصحيح ﴿يا أيّها الناسُ توبوا إلى الله، فإنّي أتوبُ في اليوم إليه مائة مرّة﴾رواه مسلم، فإذا كان نبينا محمد خير البشر الذي لا ينطق عن الهوى يستغفر الله أكثر من مئة مرة في اليوم، فكم مرة علينا أن نستغفر الله نحن؟
- رمضانُ فرصةٌ للتغيير للأخت المسلمة التي أصبح حِجابها مُهَلهَلًا؛ وتذكّري أختي الغالية أنّ الله تعالى فرضَ الحجابَ ليحمِيَك ويصونك؛ لأنّه يحبّك؛ لأنّه يريد أنْ يحميَك ويجعَلك لؤلؤةً وجوهرةً ثمينة؛ لتكوني كأمّ المؤمنينَ عائشةَ بنتِ الصّدِّيق؛ لتكوني كفاطمَةَ الزهراء بنتِ نبيّنا محمّد عليه الصّلاة والسّلام؛ فها هي الفرصةُ لديك للالتزام والاستمرار والثبات على أمر الله تعالى والالتزام بالحجاب كما أمرك الله تعالى به وعلى الهيئة التي وردت عند سَيّد المرسلين؛ فحجابُك هو نجاتُك، واعلمي أنّ الحياءَ خُلُقٌ نبويٌّ  اتّصَف به نبينا –صلّى الله عليه وسلم: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم أشَدُّ حياءً من العذراء في خِدرها صحيح البخاري، وكذلك الحياء من الإيمان  إِنَّ الْحَيَاءَ مِن الْإِيمَانِ البخاري.
- رمضانُ فرصَةٌ للتغيير لمن هَجَر القرآن؛ فها هو شهرُ القرآن قد أقبل؛ فاجعلْ منه فرصةً للمحافظة على تلاوة القرآن وتدبُّره وتطبيقِ أحكامه، والثباتَ الثباتَ على ذلك بعد رمضان؛ وتذكّر أنَّ القرآنَ الكريم والصّيامَ يشفعان لك بدخول الجنّة قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، يَقُولُ الصِّيَامُ : أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ . وَيَقُولُ الْقُرْآنُ : مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ . قَالَ : فَيُشَفَّعَانِ )رواه الإمام أحمد و صحّحه الألباني، وكذلِك القرآنُ الكريمُ إمّا أنْ يكونَ حجّةً لك أو عليك قال الشيخ ابن عُثيمين رحمه الله: 
 فإما أن يكونَ لك ، وذلك فيما إذا توصّلتَ به إلى الله ، وقمتَ بواجب هذا القرآن العظيم : من التصديق بالأخبار ، وامتثال الأوامر ، واجتناب النواهي ، وتعظيم هذا القرآن الكريم واحترامه ، ففي هذه الحال يكون حُجَّةً لك . 
أمّا إنْ كان الأمر بالعكس : وذلكَ  بهَجرِ القرآنِ قراءةً وتدَبُّرًا وعملاً ، ولم تقُم بواجبه ؛ فإنّه يكونُ عليك شاهداً يوم القيامة  .
- ورمضانُ فرصةٌ للتغيير لترك السّلوكياتِ القبيحة وكذلك العاداتِ السيّئة مثلِ ( التّدخين)؛ فها هي فرصتك لتخرُجَ من رمضانَ نظيفًا من هذه السّلوكيّات،وإنّني إذ أعْجَب من بعضِ الإخوة ِ يصوم النّهار ويضْبِطُ نفسَه عن التّدخين، ويأتي بعدَ الإفطار ويهدِم ما بناهُ  بالنّهار (بسيجارَةٍ أو أكثر)؛ فعليك أنْ تقوّيَ عزيمَتك وتضبطْ نفسك...
فهيّا بنا لنستعِدَّ لشهر البَركة بروحٍ جديدة ٍ ونَفسٍ متحَمّسة وقلبٍ كلُّه لهفةٌ وشوقٌ وصدرٌ منشرحٌ للطاعة ... هيّا نحفّز أنفسَنا وغيرَنا لبَدء صفحةٍ جديدةٍ مَع ربّ العالمين.
وآخرُ دَعوانا أَنِ الحمدُ لله ربّ العالمين.
اللّهمّ اجعلهُ صدقةً جاريةً عنّي وعن والدَيَّ.