من عمر بن الخطاب إلى الملك سلمان .. تاريخ التوسعة في البيت الحرام

السوسنة -  إنها "مكة المكرمة" مهبط الوحي ودار الرسالة المحمدية ومهوى الأفئدة وقبلة المسلمين وملتقى الذاكرين، جعل الله لها من القدسية والحرمة والمكانة ما ليس لغيرها من بقاع الأرض، ويقع في وسطها أول بيت وضع للناس، وأخذ الولاة والخلفاء والأمراء على عاتقهم حمل شرف خدمة وعمارة بيت الله الحرام واعتنوا فيه واعطته كل دولة أهمية خاصة من الرعاية على مر العصور.

 

مرّ بيت الله الحرام بعدة توسعات على مر عصوره نظراً لضيق المسجد بالمصلين، والزيادة المطردة في أعداد المسلمين، وكان اول من قام بتوسعة بيت الله الحرام، سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي اشترى الدور الملاصقة للمسجد وضمها له وأقام جداراً حوله وجعل له أبواباً، ووزع فيه أروقته مصابيح كي تضيء بعد حلول الظلام، كما عمل سداً لحجز ماء السيول عن الكعبة.
 
توالت بعد ذلك التوسعات وكانت التالية للمسجد الحرام إبان حكم الخليفة الثالث سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، حيث شرع في تجديد المسجد تجديداً شاملاً، وأدخل الأروقة المسقوفة وجعل في المسجد أعمدة من الرخام.
 
الأمويون والعباسيون
 
لتأتي بعدها توسعة سيدنا عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما والتي تمت في السنة 65 من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وضاعفت من مساحة المسجد فبلغ 10 آلاف متر مربع.
 
واستكمل الأمويين في عهد الوليد بن عبد الملك أعمال التوسعة واجمع كثير من المؤرخين على انهم أول من استخدموا الأعمدة التي جلبت من مصر وسوريا في بناء المسجد، لتقي المصلين من حرارة الشمس.
 
وفي العصر العباسي عمل الخلفاء "أبي جعفر المنصور والمعتضد بالله والمقتدر بالله"، على توسعات عدة في المسجد الحرام، من جهته الشمالية والشرقية والجنوبية، كما شيدت منارة بالقسم الشمالي والغربي وأمر بتبليط حجر إسماعيل بالرخام وتغطية فوهة بئر زمزم بشباك لمنع السقوط في البئر.
 
توسعة الدولة السعودية
 
توقفت بعدها أعمال التوسعة واقتصرت على الترميم والإصلاح إلى أن جاء عهد قيام الدولة السعودية والتي نالت شرف خدمة بيت الله الحرام، وسارعت لعمارتهما فكانت التوسعة السعودية الأولى في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله، والتي تواصلت اعمالها في عهد الملك سعود والملك فيصل رحمهما الله، ثم توسعة الساحات الشرقية التي تمت في عهد الملك خالد رحمه الله.
 
التوسعة السعودية الثانية تمت في الجهة الغربية من المسجد في عهد الملك فهد رحمه الله ثم اكتملت التوسعة الكبرى للمسعى.
 
واليوم يشهد المسجد الحرام التوسعة السعودية الثالثة والتي أطلقها الملك عبدالله بن عبد العزيز رحمه الله، ويستكملها بعده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وفقه الله، والتي تعد أكبر توسعة تطويرية للحرم المكي على مر الأزمنة.
 
التوسعة الحالية
 
وبحسب تقارير إخبارية سعودية، يشمل المشروع ثلاثة مستويات هدفها تلبية كل الاحتياجات دون أن تحدث أي اختناقات ومن أجل البحث على طرق وحلول تحقق المنظومة الشاملة والمتكاملة من مشروع التطوير، روعي فيها ادق معايير الاستدامة من خلال توفير الطاقة والمواد الطبيعية وأحدث التجهيزات والخدمات الأساسية وأنظمة المراقبة الأمنية لتكون الطاقة الاستيعابية للحرم في ذروتها القصوى أكثر من 3 ملايين مصل و105 آلاف طائف حول الكعبة في الساعة الواحدة.
 
وتتركز التوسعة الحالية للحرم الشريف، على مساحة أكثر من 1,47 مليون متر مربع، ومن المرجح أن تتسع لتحتوي ما يقرب من 1,850 مليون مصلّ إضافي.
 
ويتكون المبنى الأساسي للتوسعة من ثلاثة أدوار بمساحة 320 ألف متر مربع، وطاقة استيعابية تصل إلى 300 ألف مصل. بالإضافة إلى ساحات التوسعة وجسورها، التي تبلغ مساحتها 175 ألف متر مربع، وتتسع لنحو 330 ألف مصل.
 
كما تشتمل التوسعة على خمسة أنفاق لعبور المشاة، ويبلغ إجمالي طول هذه الأنفاق نحو 5300 متر.
 
كما أنشئ مجمع الخدمات المركزية، والذي يضم محطات الكهرباء والمولّدات الاحتياطية وتبريد المياه وتجميع النفايات والخزان ومضخات مياه مكافحة الحرائق، ومشروع الطريق الدائري الأول الذي يقع داخل المنطقة المركزية، ويمتد بطول 4600 متر ويضم جسوراً وأنفاقاً لنقل الحركة من المنطقة المركزية إلى خارجها بثلاثة مسارات في كل اتجاه.
 
وتشير التقارير السعودية إلى أنه تم الاعتماد في التوسعة السعودية الثالثة على أنظمة الإدارة الرقمية الذكية وزودت المنشآت بأنظمة تضمن أقصى درجات الراحة للمصلين وأدق مستويات المراقبة الأمنية، وأنظمة تصريف السيول وغيرها.
 
وتمتاز التوسعة الثالثة عما سبقها من توسعات بمنهجها الشمولي في توفير احتياجات عمار المسجد الحرام إذ لا تقتصر التوسعة على قاعات الصلاة واستيعاب المزيد منهم بل تشمل ما يحتاجه المصلون من مرافق حديثة ودورات مية ومواضئ وممرات وسلام متحركة كهربائية ميسرة للحركة على المصلين ومصاعد لذوي الاحتياجات الخاصة ومتطلبات الأمن والسلامة والخدمات الطارئة. ( الشرق )