السوسنة - إن السبب في تسمية هذه المرأة بهذا الاسم يرجع إلى قصة حدثت معها عند لقائها بعبد الله بن المبارك .
وقيل أن عبد الله بن المبارك ، وهو أحد الصالحين والزاهدين والعلماء في زمن التابعين كان راجعا من أداء فريضة الحج ،
وفي أثناء سيره في الطريق ، قابل امرأة عجوز وتلبس على جسدها ثوبا من الصوف الأسود وخمارا من صوف أيضا ، فاقترب عبد الله بن المبارك منها وحياها بتحية الإسلام ؛
قائلا : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فردت عليه المرأة بقول الله تبارك وتعالى : " سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ " يس الآية 58 .
فقال لها ابن المبارك : يرحمك الله ، ما تفعلين في هذا المكان؟!
فأجابته بقول رب العزة والجلال : " وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ " الأعراف 186
فعلم ابن المبارك أن هذه المراة قد ضلت طريقها ، ثم سألها عن المكان الذي تريد الذهاب إليه .
فقالت: " سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " الإسراء الآية 1
فعلم من تلاوتها الآية أنها قد أنهت أداء فريضة الحج ، وأنها ذاهبة متوجهة نحو بيت المقدس ، وسألها أيضا : منذ متى وأنت تائهة عن طريقك ؟
فردت عليه : " ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا " مريم الآية 10
وتأثر وحزن ابن المبارك لحالها وضياعها في الصحراء وحدها ، وقال لها : لا أرى أن معك أي طعاما أو شرابا ، فمن أين تأكلين وتشربين ؟
قالت: " وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ " الشعراء الآية 79
فتعجب ابن المبارك من المرأة قائلا : لماذا لا تكلميني مثلما أكلمك ؟
قالت : " مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ " ق الآية 18
وتابع حديثه معها وهي ترد عليه بنفس الطريقة والأسلوب ، وعلم أن لها اثنان من الأولاد في القافلة يعملان كمرشدان للطريق .
فطلب منها أن يسير معها ، حتى يوصلها الى إحدى القوافل التي هي ذاهبة في طريق بيت المقدس ، وعندما وجد القافلة سأل عن ابنها ، ولما وجده في نفس القافلة ، سأله ابن المبارك عن حال أمه ولم هي تتكلم بآيات القرآن الكريم .
فأخبره الابن إن أمه منذ حفظت القرآن الكريم وهي لا تتكلم بكلام سواه ، وذلك منذ سنوات مخافة أن ينطق لسانها بشيء ما يغضب الله تبارك وتعالى .
حينها تفكر عبد الله بن المبارك بحال المرأة وقال : " يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ " آل عمران الآية 74
فرحم الله هذه المرأة القرآنية ، ورضي الله عنها ، أين نحن منها ومن حالها .
وما حال ألسنتنا نحن التي لا تتورع عن الكلام في فائدة وغير ذلك ، وتخوض في أمور ليست من شأنها .
فاللهم احفظ علينا ألسنتنا من كلام يغضبك .