كتاب يعرض لأسباب وتداعيات العداء للإسلام في الغرب

السوسنة  - كتاب بيترا فيلد مُهم لفهم التمييز العنصري ضد المسلمين بالغرب وخصوصا بألمانيا. الكتاب يحوي خمسة عشر فصلًا مع المقدمة. وهو يُسلط الضوء على جوانب مُختلفة تتعلق بالتمييز العنصري ضد الإسلام والمسلمين في الغرب. 

صورة سلبية عن الإسلام
 
تُشير الكاتبة في مقدمة الكتاب إلى رواج فكرة عداوة الإسلام والمسلمين في الغرب، فعلى سبيل المثال، لا يستطيع السياسيون بالغرب الحديث عن اليهود واليهودية بشكل نقدي بنفس النمط الذي يُعامل به الإسلام والمسلمون. فمن يتعرض من السياسيين بالغرب لليهود أو اليهودية بنفس الطريقة النقدية التي يُعامل بها المسلمون ستكون النتيجة اعتزاله الساحة السياسة لسنوات طويلة. أما الحديث عن الإسلام والمسلمين فلا قيود عليه. 
 
يكرس السياسيون والصحفيون والأكاديميون بشكل واضح صورة عن الإسلام تعزز العنصرية والتمييز العنصري. يُشار إلى أن الكاتبة تستخدم مصطلح "معاداة الإسلام" بل وتعتقد أن هذا المصطلح أفضل لتوصيف المعاداة للإسلام والمسلمين من مصطلح الإسلاموفوبيا، حيث أن الأخير يُظهر الموضوع على أنه آراء موضوعية وشخصية كما أنه يقلل من حقيقة هذه المعاداة العنصرية. 
 
 
الكاتبة تستخدم مصطلح "معاداة الإسلام" بل وتعتقد أن هذا المصطلح أفضل لتوصيف المعاداة للإسلام والمسلمين من مصطلح الإسلاموفوبيا
 
في الفصل الثاني "حول مفهوم العنصرية ضد المسلمين"، تتوسع الكاتبة أكثر بتوصيف مفهوم العنصرية ضد المسلمين وتؤكد على الآثار السلبية الناجمة عنها على المسلمين. العنصرية حسب الكاتبة تبدأ من النظرة العدائية وتشمل التمييز العنصري بالحصول على الوظائف والسكن والموارد الطبيعية والخدمات الاجتماعية والاضطهاد من قبل الشرطة والسلطات المختلفة بالدولة إلى الهجمات اليومية التي يتعرض لها المسلمون في الغرب. لهذا، وبحسب الكاتبة فإن العنصرية مرادفة للعنف. 
 
في الفصل التالي "العداء الطويل للإسلام في أوروبا" تُوضح بيترا فيلد التاريخ الطويل لعداوة الإسلام بأوروبا، فهي تُصرح بأنه عندما بدأ الأوروبيون بالعصور الوسطى بتأسيس هويتهم الأوروبية الخاصة بهم، فإنهم أنشأوها على نقيض الإسلام والشرق، لذا فقد انتشرت لديهم مقولة: "أن تكون أوروبيًا يعني ألا تكون مُسلما" (ص- 23). 
 
الفصل الرابع " الحضارة العنصرية: الغرب وقيمه" يُناقش كيفية استغلال الاستعمار الغربي العنصري لمصطلحات حديثة ليعطي انطباعًا إيجابيًا عن نفسه مثل: "مُهمة حضارية". أيضًا العنصرية الحديثة تَستخدم مصطلحات مثل حقوق الإنسان، والتسامح والاستقلال والحرية، هذه المصطلحات الغربية تُوظف من الدول الغربية لإبقاء سيطرتها وهيمنتها على الدول غير الأوروبية وفقًا للكاتبة. 
 
الفصل التالي: "استغلال قضايا المرأة" يُركز بشكل مُعمق على استغلال قضايا المرأة من قبل الغربيين لنقد الإسلام والمسلمين، وفقا للكاتبة، بالنقاشات العنصرية ضد الإسلام والمسلمين تحتل قضايا المرأة مكانًا مركزيا بها.
 
الكاتبة تُصرح أنه عندما بدأ الأوروبيون بالعصور الوسطى بتأسيس هويتهم الأوروبية الخاصة بهم، فإنهم أنشأوها على نقيض الإسلام والشرق،
الفصل السادس، "معاداة السامية والعنصرية ضد المسلمين"، يقارن هذا الفصل بين معاداة السامية والعنصرية ضد المسلمين، وتُبرهن الكاتبة على وجود تشابه كبير بين بنية معاداة السامية والعنصرية ضد المسلمين، حيث ينُظر لليهودية بالماضي كما ينظر للمسلمين بالحاضر. كلاهما دين يشجع على العنف، ويريد السيطرة على العالم، بل هما ديانتان شرقيتان من وجهة النظر الغربية. فمثلًا الفيلسوف الألماني فريدريك هيجل وصف الديانة اليهودية بأنها "دين عربي" (ص- 84). كما هو حال الإسلام حاليا، فقد كان يُنظر لليهودية في الماضي أنها أساس اضطهاد المرأة. 
 
العقل المدبر للعنصرية ضد المسلمين
 
الفصل التالي المعنون بـ "صراع الحضارات" تُبين فيه الكاتبة كيف أن كتاب صموئيل هنتنغتون صراع الحضارات نقل فكرة العدو القديم روسيا والشيوعية إلى الإسلام العدو الجديد. كتاب هنتنغتون قام بشيطنة الإسلام والمسلمين بحسب الكاتبة، حيث إن أطروحة هنتنغتون العنصرية لم تضع المبادئ التوجيهية بالسياسات الغربية فحسب بل إن هنتنغتون هو العقل المدبر للعنصرية ضد المسلمين. 
 
الفصل الثامن المعنون بـ "إنتاج العنصرية المعادية للمسلمين من خلال صناعة الثقافة والسياسة". يفحص هذا الفصل صناعة الثقافة والسياسة في الغرب وعلاقتها بتزايد العنصرية ضد المسلمين. تُوضح الكاتبة أن صناعة الثقافة بالغرب لا تعكس الواقع بل إنها تخلق واقعًا مغايرًا. فعلى سبيل المثال، الإسلام يُناقش في الإعلام الغربي ضمن مواضيع محددة مثل، الحجاب وقتل الشرف وزواج الغصب والواعظين الكارهين لألمانيا. الحديث عن الإسلام في إطار هذه القضايا الشائكة يزيد العنصرية ومعاداة الإسلام وفقا للكاتبة. 
 
الفصل التالي "العنصرية بالمؤسسات الرسمية وغير الرسمية" يناقش العنصرية ضد المسلمين ضمن المؤسسات. الكاتبة تكشف كيفية وجود عنصرية ضد المسلمين في مؤسسات الدولة، فمثلًا الجاليات المسلمة غير مُعترف بها بالغرب على المستوى الحكومي، بينما الجاليات اليهودية معترف بها. 
 
الفصل العاشر يتعرض إلى كيفية استغلال العنصرية ضد المسلمين من قبل الحكومات الغربية للسيطرة على التماسك الاجتماعي الداخلي. فالعنصرية ضد المسلمين تساعد الحكومات الغربية لتحميل المسلمين المسؤولية لإشكالات الداخلية مثل الفقر والجرائم. فالحكومات الغربية تتهرب من مسؤولياتها الحقيقة من خلال وضع وزر الفشل على المسلمين. أيضا، العنصرية ضد المسلمين تساعد الدول الغربية على زيادة ولاء المواطنين لحكوماتهم. وبالتالي، فإنه بدلا من أن يكون المواطن بالغرب غير راض عن سياسات الليبرالية الجديدة والأزمات والمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية فإن نظرهم يكون بدلا من ذلك على المسلمين. 
 
في الفصل التالي "الداروينية الاجتماعية والعنصرية: وجهي الليبرالية الجديدة" توضح بيترا فيلد كيف أن الداروينية الاجتماعية والعنصرية وجهان لليبرالية الجديدة، كما وتبين كيف أن الداروينية الاجتماعية تؤسس على عدم المساواة بين الناس، حيث أن فكرة الداروينية الاجتماعية مؤسسة على "أن البقاء للأفضل". 
 
تبين الكاتبة كيف أن الطابع الاستبدادي القديم لم يختف في الحاضر بل زاد حدة وقوة في الوقت الراهن من خلال استبداد الليبراليين الجدد.
 
الفصل الثاني عشر يُناقش العنصرية ضد المسلمين في أحزاب اليمين الألمانية. مثل حركة بيغيدا - وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب ـ بحسب الكاتبة فإن مثل هذه الأحزاب اليمينية هي نتاج السياسات الليبرالية الجديدة. 
 
الفصل التالي "العنصرية ضد المسلمين في أحزاب اليسار" يناقش العنصرية ضد المسلمين داخل أحزاب اليسار الألمانية. التركيز على حركة "ضد الألمان"، حيث أن هذه الحركة اعتنقت بشكل كامل الرواية الصهيونية، لذا، فهم عنصريون ضد الإسلام والمسلمين بشكل علني وخصوصا ضد الفلسطينيين. هذه الحركة ترى في إسرائيل قدوة يُحتذى بها بالتحرر والحرية. 
 
الفصل التالي يُوضح مسألة العنصرية الاجتماعية والنفسية ضد المسلمين، حيث تُقارن الكاتبة بين الطابع الاستبدادي القديم للدول الغربية والطابع الاستبدادي النيوليبرالي الحديث، حيث تبين الكاتبة كيف أن الطابع الاستبدادي القديم لم يختف في الحاضر بل زاد حدة وقوة في الوقت الراهن من خلال استبداد الليبراليين الجدد. 
 
في الفصل الأخير والمعنون بـ "من الغرب المسيحي واليهودي والمسلم" تؤكد بيترا فيلد على التأثير الإيجابي والمميز للعرب والمسلمين على الغرب. فهي تُوضح كيف أن المسلمين جمعوا العلوم المختلفة ثم قيموها وطوروها. كما وتعطي أمثلة على الحضارة الإسلامية بالأندلس، فتوضح أنه في قرطبة بزمن الخليفة الحاكم الثاني كان يوجد حوالي أربع مائة الف كتاب. بينما في مكتبات الأديرة والكنائس بالعصور الوسطى لم يكن في أوروبا أكثر من عدة مئات من الكتب. أيضا، التسامح كان علامة مميزة لحكم العرب بالأندلس بحسب الكاتبة، حيث كان يسمح لليهود والمسيحيين بإدارة أمورهم بأنفسهم دون تدخل المسلمين في شؤونهم الداخلية. لذا، لم تكن قرطبة فقط عاصمة إسبانيا العربية بل أنها كانت أكثر مدن أوروبا حداثةً واعتبارًا.
 
كتاب بيترا فيلد غني بالمعلومات، ويناقش قضايا العنصرية ضد الإسلام والمسلمين بالغرب بشكل موضوعي. يُقدم معلومات عميقة ومبنية على أسس نظرية واضحة. بعبارة أخرى، من أراد أن يخوض بنقاشات مٌعمقة ونقدية عن العنصرية ضد الإسلام بالغرب وخصوصا بألمانيا، فإن هذا الكتاب سيكون المدخل الأمثل لذلك.