القصة الكاملة لسبايا داعش .. الجمال كان نقمة

السوسنة  -  يستطيع المرء التوصل إلى فكرة ليمنع سقوط جبل، لكن سنواتها في الرقة كانت صعبة بحيث أن كل جبال العالم لم تكن تستطيع حمايتها من الانهيار. هذا ما سمعته من إنسانة منهارة من القرن الحادي والعشرين تعتقد بأن العدالة كانت تفاحة فسدت قبل أن تنضج.

 
فتاة في الخامسة والعشرين تعيش بين ظهراني عائلة سعيدة تعج بالإخوة والأخوات، كانت كل أيامها جميلة، كانت لهم داران واحدة في كرعوزير والأخرى في مزرعة خارجها، وكانت قلوبهم في تلك الأيام صافية كصفاء السماء.
 
لكن كل شيء تغير فجأة... وجدت الناس مرتبكين... انتشر النبأ سريعاً... نبأ قدوم جماعة مسلحة. كانت عائشة قد سمعت كثيراً عن تلك الجماعة المسلحة التي تبث الدمار حيثما حلت "لم أكن أعرف من هم داعش وماذا يريدون"، لكن الآثار التي خلفها داعش على جسدها ونفسيتها تخبر الآن بوضوح ما هو داعش. أترك عائشة تذرف المزيد من الدموع على تلك اللحظات التي شهدت فيها سقوط أجساد أبيها وأخوتها وعمها وأبناء عمها الواحد تلو الآخر، وعلى مرأى منها.
 
تتحدث عائشة عن الثالث من آب 2014، اليوم الذي حل فيه الحزن والهم على دارهم، لكن أحد أخوتها لم يكن في البيت "أخذوا أبي وعمي وأخوتي وأبناء عمي، قتلوا 33 من أقرب المقربين لي هناك، ثم نقلونا إلى البعاج، وجاء أحد الدواعش بأمر يقضي بأن لا نبقى هناك، فنقلونا في المساء إلى الموصل، وبقيت محتجزة في الموصل لنحو شهر".
 
- كيف كان الوضع في الشهر الأول؟
 
- كانوا يحاولون أن يجعلونا مسلمين، يجبروننا على أداء الصلوات، وكانت الاعتداءات مستمرة.
 
- كانوا يقولون إن دخولكم في الإسلام سيحسن من أحوالكم، ولن يكون هناك اعتداء عليكم؟
 
- كانوا يقولون إن عليكم أن تكونوا ممتنين لأننا نجبركم على اعتناق الإسلام، فقد قتل الآخرون منكم وهم كافرون.
 
"لكن الأوضاع تغيرت بعد ذلك، وزادت الاعتداءات وكان هناك المزيد من الاضطهاد والأذى".
 
القبح كان نعمة في تلك الأيام، فقد كانت الجميلات والصغيرات يتعرضن للمزيد من الاعتداء، وكانوا زاد الأمراء.
 
الشخص الذي كان يبحث بين الفتيات والسيدات، كان مشترياً طويل القامة حنطي البشرة، مسلحاً عراقياً لم يكن يريد بثيابه المغبرة الرجوع خالي الوفاض. ابتاع عائشة "بقيت في بيت ثلاثة أشهر، لم يكن تعاملهم سيئاً جداً في اليوم الأول، ولم يجعلوني أشعر بأني جارية، لكن بعد مرور أيام قليلة انقلب البيت جحيماً، وكيفما تصرفت صرخ في وجهي، ثم تم حبسي فعلياً، الذي أخرجني من حبسي قال لي سنذهب إلى سوريا، إلى منطقة ميادين".
 
لم تكن ميادين بالنسبة إليها سوى محطة حددتها سلسلة عمليات البيع والشراء الطويلة: "باعوني لشخص يدعى أبو عبيد السوري، ثم اشتراني أبو خطاب العراقي، ثم عاد أبو عبيد واشتراني من أبو خطاب، واشتراني أبو خطاب منه مرة أخرى. بعدها اشتراني شخص يدعى أبو محجل الجزراوي، ثم أبو رواحة، ثم أبو جهاد الجزراوي، وبعده أبو خالد الجزراوي، فأبو مازن السعودي، فأبو صالح، فأبو أحمد الذي باعني لأخ له بخمسة عشر ألف دولار".
 
مكثت عائشة ذات مرة خمسة عشر يوماً في مكتب بيع وشراء الإزيديات، ومع أنها لم تتعرض لصفعة واحدة هناك، لكنها عانت هناك أكثر مما عانت على مدى أربع سنوات من العبودية "الذين كانوا يأتون، كانوا شغوفين بالجنس والعنف، كانوا ينتقون النساء بطريقة قبيحة للغاية، أذكر أن أول من اشتراني هناك، كان يدعى رسول، وكان الدواعش ينادونه بالمهندس، وكان عراقياً". الذين كانوا يهينونها ويهينون الأخريات أمامها، وكانوا يمدون إليهن أيديهم، ويعرونهن ويهاجمونهن، هم أنفسهم الذين قتلوا قبل أيام 33 من أقرب أقاربها. إنهم يريدون إفراغ شهواتهم في جسدها الجريح. أنا لست إزيدياً وليس عملي أن أكون حكماً، لكني أفكر في إنسانة يمزق جسدها، رغم كل الآلام والجراح الروحية، كما تمزق الورقة التي تلف بها الأكلات السريعة.
 
- هل كان ثم ما يسعدك، رغم كل ذلك؟
 
- الأمر الجيد الوحيد هو أن الذين كانوا يشترونني لا يسمحون لغيرهم بالاعتداء عليّ.
 
- كانت تلك حالة شائعة؟
 
- عانت نساء كثيرات من شراء أحد المسلحين لهن ثم قيام مسلحين آخرين بممارسة الجنس معهن.
 
المهاجرات
 
كانت الخلافة كسوسةٍ تقرض أجساد النساء، لكن بالنسبة إلى نساء اخترن دولة الخلافة بإرادتهن، كان التعامل مختلفاً. هناك إجماع بين السبايا حول مضافات داعش التي خصصت للنساء اللواتي ارتبطن بالتنظيم بإرادتهن، وكن يعرفن بالمهاجرات. كانت غير المتزوجات يقمن فيها لحين العثور على أزواج لهن. كانت القوانين والإجراءات هناك مختلفة، والذين يترددون على المضافات لم يكونوا زبائن، بل كانوا يقومون هناك بملء استمارة ملأى بالأسئلة، وأغلبها متعلق بالتي يريدون الزواج منها، وما هي صفاتها، ولم يكن الجواب على طلباتهم بالإيجاب دائماً.
 
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ففي المدن التي كان داعش يسيطر عليها، كانت هناك أماكن أخرى مخصصة للنساء اللائي قتل أزواجهن في الحرب، كان يجب العثور على أزواج لهن بموجب قوانين الخلافة.
 
الطائرات التي كانت تلقي بالفرح
 
كيف يمكن وصف حال شخص يفرح بأن تأتي الطائرات الحربية وتلقي قنابلها على داره؟ كانت عائشة من الذين يريدون أن لا تغادر الطائرات الأجواء أبداً، لأنه على الأقل كانت في تلك الحال تجد مضطهديها وقد تملكهم الخوف الذي فرض على النساء كصفة لهن: "مع قدوم الطائرات كانوا يهربون إلى البيوت مذعورين، كانوا يخافون الطائرات كثيراً، لكنني لم أكن أخشاها أبداً، لأني كنت أعتبر سقوط واحدة من قذائفها علي سيخلصني من تلك الحياة. في الحقيقة لم يكن الدواعش يخافون شيئاً غير الطائرات".
 
بعد مرور ثلاث سنوات، من عمليات البيع والشراء والآلام المتواصلة، استطاعت الاتصال بأخيها: "قلت له أنا في الرقة ويجب أن تنقذوني، والطريقة الوحيدة هي شرائي، ثم وصلت إلى البيت"، لكنه كان بيتاً لن يشهد دفء الجَمعة من جديد، الحياة التي عادت لي تعج بصور وذكريات الذين فقدهم، وأواسي قلباً منفطراً بأن الحياة ومع مرور الزمن تستطيع التخفيف من وقع الذكريات المرة. تبتسم، ولكني لا أستطيع أبداً أن أصدق بأنها ابتسامة من القلب.
 
كانوا يتكلمون ولا ينصتون لشيء
 
عندما خطفها داعش، كانت في الرابعة عشرة، ولكن ختام تبلغ الآن 18 عاماً، وقعت في قبضة أشخاص ليس في قلوبهم شيء اسمه الحنان أو العطف.
 
عندما بلغت أنباء هجوم داعش سنجار، لاذت ختام وأهلها بجبل سنجار، لكن هذه المرة حتى الجبل لم يكن صديق الكورد الوحيد الذي طالما آواهم ونصرهم "في جبل سنجار، ظننت أن الأمر انتهى وأنني نجوت، لكن في الساعة الرابعة فجراً، فوجئت بالمسلحين بيننا وهم يقومون بأسرنا".
 
بقيت ثمانية أيام في الموصل، وكان عليها أن تتخلى عن دينها، وتتعلم الصلاة في وقت قصير وتستعد كشخص مذعن تماماً للتوجه مع القافلة إلى سوريا.
 
"القسوة الوحشية كانت سمة طبيعية عندهم، كنت أقول للبنات لا ترهقن أنفسكن، لأننا مهما فعلنا ومهما كانت تصرفاتنا، لن يرضوا عنا، فلديهم الكثير من الحجج ليضطهدونا، كانوا يلقون بالطعام على الأرض، وبينما نحن نأكل، كانوا يأتون ويعتدون علينا، ومهما قلنا وهم يعتدون علينا، لم يكونوا يسمعونه، بل كانوا يفعلون ما يفعلون، استمرت تلك الحال خمسة أشهر".
 
قصة ختام حبلى بالآلام والفواجع، وكل مسلح اشتراها كان قد اشترى عدداً من الإزيديات قبلها. كان الأمراء النخبة التي اختارها الخليفة بنفسه لتولي المسؤولية عن منطقة أو مجموعة مسلحين. كان هؤلاء يتلقون التوجيهات من الوالي مباشرة، وحسب روايات الكورديات الإزيديات، كانت لهم حياة خاصة تميزهم عن المسلحين العاديين.
 
- كيف كانت حياة الأمراء؟
 
- كانت أفضل وأنعم من حياة الآخرين.
 
- هل كان ذلك بقرار من الخلافة، أم أنهم هم الذين يحددون أطر وأسلوب حياتهم تلك؟
 
- لا أدري، لكن بما أني كنت عند أمير ثم عند مسلح عادي، لمست الفرق بين أسلوبي حياتهم.
 
"الجميلات، أو غير المتزوجات، كن من حصة الأمراء، وبعدما يشبع الأمراء منا، كانوا يعطوننا للمسلحين، ليحصلوا هم على أخر جديدات، وعندما كان المسلحون يملون منا، كانوا يبيعوننا لمسلحين آخرين".
 
لكون أغلب الأمراء والمسلحين الأجانب ضمن داعش، متواجدين في سوريا، كان يجري نقل البنات والجميلات من عاصمة الخلافة إلى سوريا.
 
حذاري من أن تحبلي
 
كان الأمير قد ملّ من ختام، فأهداها إلى أحد مسلحيه، لتبقى معه أحد عشر شهراً. كانت تلك أفضل هدية يمكن أن يقدمها لمسلح عنده ليقول له بأن الخلافة تقدر له حمايته إياها: "كانت للمسلح زوجة له في بيته، وقد عرفت أنها زوجته من خلال تعامله الجيد معها، لم تكن تلك المرأة مثلي، ولم تكن تتعرض مثلي للضرب بالعصي والأنابيب البلاستيكية، وكلما جاءني الرجل وقضى حاجته مني وخرج، دخلت علي زوجته وأشبعتني ضرباً بعصا".
 
وإضافة إلى الذين أخذوا ختام كجارية، تزوجها أمير ومسلحان زواجاً غير رسمي، والنقطة المشتركة بينهم جميعاً هي "أنهم قبل أن يعتدوا علي، كانوا يضربونني على رأسي ويقولون حذاري من أن تحبلي، لم يكونوا يريدوننا أن نحمل منهم".
 
سنتخذ من نساء روما أيضاً جواري لنا
 
لنسمها بحرفي (ج. ت) أو دعونا لا نسميها بأي إسم، فهي تقول إنها ماتت في الثالث من آب 2014: "أنا من سنجار، وكنت من أوائل من تم إرسالهم إلى الموصل، كنت من الذين اتخذت كافة الاستعدادات لإعدامنا، والشرط الوحيد لإلغاء قرار الإعدام كان أن ندخل الإسلام كما أمر أبوبكر البغدادي".
 
طوال فترة تواجدها في الموصل كانت تعاني من براثن مسلح داعشي تركماني، تعتقد أنه من تلعفر "كان حاقداً جداً علينا"، لكن القدر أخذها إلى سوريا حيث أصبحت عند مسلح ألماني لفترة، وتصفه بأنه كان قاسياً وشديداً، وداعش هو الذي استطاع الجمع بين تركماني تلعفري وألماني وشيشاني من حيث التشدد والوحشية.
 
تقول (ج): "عندما كان المسلح الألماني يهم بأن يفعل فعلته، كان يبدو رقيقاً بعض الشيء، وفي ذلك الوقت كان يتحدث عن نفسه وكيف أنه اتصل بداعش من خلال شبكة الإنترنت وتعرف عليهم والتحق بهم في سوريا، كان يسمي نفسه أبو صالح، وكنت أحياناً أسأله:
 
- لماذا تختارون الإيزيديات كجواري رغم وجود عدد كبير من المسيحيات، فهن أيضاً لسن مسلمات؟
 
- أنتن كافرات، وبنات ونساء الكفار وحدهن يتم سبيهن، لكن المسيحيات يستطعن دفع الجزية لبيت المال.
 
- وهل هذا عدل؟
 
- (غاضباً) أنت تعلميننا ما هو العدل؟ قريباً ستجدين نساء روما يؤتى بهن كسبايا وجاريات إلى الشام والعراق. سنوسع الخلافة، وبعد تحرير روما، سنتوجه صوب الصين وغيرها من دول العالم."
 
إنها لا تستطيع أبداً أن تنسى ليلتها الأولى، في تلك الليلة أصيبت بنزيف شديد، لكن المسلح لم ينقلها إلى المستشفى، وعندما هم بالخروج، قال لها: "نظفي نفسك لكي لا يتسخ البيت".
 
في تلك الأيام لم يكن البطل شخصاً يستطيع السيطرة على روما، بل كانت البطولة تكمن في الفوز بقلب منكسر وأن يقول له إنه رغم كل الآلام التي سببتها لك، فإن إنسانيتك تستحق أن تلقى بعض الرحمة. لكنها لم تعثر على هذا النوع من الأبطال أبداً. كانت هي فتاة جميلة ولكن جمالها تحول إلى نقمة عليها.