إمتاع ذوي الأفهام بأدعية خير الأنام - د. وليد العلى

إن من أشرف الأدعية التي يتقرب إلى الله تعالى بها الداعي، وأجمع المباني وأنفع المعاني التي يسعى في تحصيلها الساعي: ما أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأدعية الصحيحة، التي هي من جوامع الكلام الذي تجود به القريحة.
 
وإن من هذه الدعوات النبوية الشريفة، وهذه الكلمات الشافية الكافية المنيفة: ما أخرجه البخاري ومسلم عن عبدالعزيز بن صهيب رحمه الله تعالى قال: «سأل قتادة أنسا: أي دعوة كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم أكثر؟ قال: كان أكثر دعوة يدعو بها يقول: «اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار». 
 
قال: وكان أنس اذا أراد ان يدعو بدعوة: دعا بها، فإذا أراد ان يدعو بدعاء دعا بها فيه».
 
فيدخل في الوقاية من فتنة عذاب النار: العصمة من الوقوع في الآثام والأضرار، مما هو سبب في ضيق الصدر، وحصول البلاء بعذاب القبر، وما يتبع ذلك من عذاب جهنم وفتنة النار، وسخط الله تعالى واحتجابه عن الانظار.
 
عن انس بن مالك رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عاد رجلا من المسلمين قد خفت، فصار مثل الفرخ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل كنت تدعو بشيء أو تسأله إياه؟ قال: نعم، كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة، فعجّله لي في الدنيا.
 
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله لا تطيقه ـ أو لا تستطيعه ـ أفلا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار؟ قال: فدعا الله له، فشفاه» أخرجه مسلم.
 
قال عبدالله بن السائب رضي الله عنه: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما بين الركنين: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار» أخرجه أحمد وأبوداود.
 
وقال حبيب بن صهبان رحمه الله تعالى: «رأيت عمر رضي الله عنه يطوف بالبيت وهو يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
 
ماله هجّيري غيرها». 
 
وقال عطاء بن أبي رباح رحمه الله تعالى: «طاف عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه فلم يكلمه أحد، حتى فرغ من طوافه، فاتبعه رجل ليسمع ما يقول، فإذا هو يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، حتى فرغ قال له الرجل: أصلحك الله، اتبعتك فلم أسمعك تزيد على كذا وكذا تقول هذا؟ قال: أو ليس ذلك كل الخير». 
 
وقال أبي شعبة البكري رحمه الله تعالى: «طفت مع ابن عمر، فسمعته حين حاذى الركن اليماني قال: لا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وبيده الخير، وهو على كل شيء قدير.
 
فلما جاء الحجر قال: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، فلما انصرف قلت: يا أبا عبدالرحمن، سمعتك تقول كذا وكذا.
 
قال: سمعتني؟ قلت: نعم.
 
قال: فهو ذلك، أثنيت على ربي، وشهدت شهادة حق، وسألته من خير الدنيا والآخرة».
 
وقال عمير بن سعيد رحمه الله تعالى: «كان عبدالله بن مسعود يعلمنا التشهد في الصلاة، ثم يقول: اذا فرغ أحدكم من التشهد في الصلاة فليقل: اللهم اني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم، اللهم اني أسألك من خير ما سألك عبادك الصالحون، وأعوذ بك من شر ما عاذ منه عبادك الصالحون، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، ربنا اننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا، وكفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار، ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك، ولا تخزنا يوم القيامة، انك لا تخلف الميعاد».
 
وكان عمر بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى اذا وقف بعرفات قال: «اللهم انك دعوت الى حج بيتك، ووعدت به منفعة على شهود مناسكك، وقد جئتك اللهم، فاجعل منفعة ما تنفعني به: ان تؤتيني في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وان تقيني عذاب النار».
 
اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفى الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
 
فالزم يا عبدالله هذا الدعاء وأنت مستيقن بأن ربك لدعائك مجيب، وأنه يخاطبك بقوله تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون).
 
نفعني الله وإياكم بهذا الدعاء، وفتح لإجابته أبواب السماء.