والكاظمين الغيظ - الشيخ سلمان مندني

ان الغضب له قوة عجيبة تمتلئ النفس بها فيحمر الوجه وتنتفخ الأوداج ويتلعثم اللسان ويضطرب البدن وترتجف الأطراف.
 
وحبس هذه القوة فيه من المشقة الشيء الكثير على الانسان، يحتاج معه الى قوة مضاعفة يكبح بها جماح النفس النافرة المتحفزة الراغبة في التنفيس بالبطش والتنكيل او الشتم والترذيل او الاهانة والتحقير.
حالة يحرص الشيطان على حضورها واغراء طرفيها بالانتصار للنفس ورفض التنازل المهين! هنا تفرض الرجولة الزائفة نفسها وقد رفعها الشيطان في ذهن الأطراف الى السماء.
 
وأوحى الى أطراف النزاع ان تحقيق سموها يكون في الاستمرار في النزاع وعدم الانهزام ولابد من انهزام طرف منهم لذلك لا ينتهي النزاع! وإن انتهى لطرف خارجي فسرعان ما ينشب مرة أخرى بسبب اغراءات الشيطان لهم ووساوسه في نفوسهم التي رضيت بحل غير مرض! كان فيه للطرف الآخر النصيب الأوفى!
 
وهنا يظهر ضعف الانسان وتخاذله باستجابته الذليلة لنفسه في سيطرتها عليه لتملي عليه سلوكا تبعاته أليمة وآثاره جسيمة.
 
وهو يرى ان في ذلك الشدة والبأس والرجولة!
 
وهو منطق لا يرضاه الاسلام لأنه يصادم الحق، فمفهوم القوة في الاسلام هو قهر الظلم واذلال مصدره! فجاء الهدي النبوي الشريف ليغرس في الأذهان هذا المفهوم الغائب عنها في معمعة الشر واضطراباته التي تعصف في النفوس قائلا: «ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» صحيح مسلم.
 
والانسان ان لم يملك نفسه ملكته نفسه، ومن كان كذلك ضاع عند الغضب وضيع غيره، فكم من بيت تمزق وكم من جمع تفرق وكم من مأساة وقعت فرتعت في النفوس تأكل من راحتها واطمئنانها! وما ذلك الا من انفلات الزمام عند الغضب فيعمل العبد به على الوجه المذموم.
 
والغضب ينتزع النفس من صاحبها فيأخذها الشيطان يدفع بها الى حيث الأضرار والمفسدة.
 
والمؤمن يستطيع بإيمانه ان يسد هذا المنفذ على الشيطان بأن يدحره ويطرده بقوله «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» فإن الغضب من الشيطان، أخبر بذلك الصادق صلى الله عليه وسلم، فإن فعل ذلك فقد تمكن من نفسه وألزمها حدودها وأبقاها صاغرة وأطفأ جمرة متقدة بين جنبيه احترق بها لكنه لم يحرق بها غيره! عندئذ ينال الجزاء من الله يوم القيامة بردا وسلاما على قلبه واعزازا وتكريما. 
 
بشارة يهديها الرسول صلى الله عليه وسلم للمؤمنين: «من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء».
 
فهنيئا هنيئا يا.. كاظمي الغيظ.