صفاء النوايا - رمزي السعيد

إن من الأسباب الرئيسية لعدم تقدم المجتمعات والأمم، ولتأخرها عن ركب الحضارة والرقي هو أنها تسودها ثقافة سلبية وهذه الثقافة ليست دافعة إلى الأمام بل تدفع إلى الخلف، وإن من أبرز عناصر هذه الثقافة العامة السلبية عدم صفاء النوايا على نحو متبادل بين أغلب أفراد المجتمع ومحاولة تصيد الأخطاء لغيرهم، مما قد يفسد أي عمل جماعي حيث يعتقد أغلب أفراد هذا العمل أنه توجد مصالح خاصة لدى غيرهم فيه، وبالتالي لا يكتمل العمل، فالاتحاد يقوي الضعفاء ويزيد الأقوياء قوة على قوتهم، فهو وسيلة العزة لهذه الأمة التي يجب أن تعود لعزتها وتستعيد هيبتها بين الأمم، فاللبنة وحدها ضعيفة مهما تكن متانتها وآلاف اللبنات المتفرقة والمتناثرة ضعيفة بتناثرها وإن بلغت الملايين، ولكنها في الجدار قوة لا يسهل تحطيمها، لأنها باتحادها مع اللبنات الأخرى في تماسك منظم قوي ومتين، أصبحت قوة لا يستهان بها، وهذا ما أشار إليه الهدي النبوي بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً" وشبك صلى الله عليه وسلم بين أصابعه" متفق عليه.

فصدق النوايا بين أفراد الأمة يزيدها صلابة وتمسكاً أما الأنانية والسلبية وانشغال كل فرد بنفسه يزيد الفرقة والاختلاف والكراهية والتنافر، مما يعود سلباً على أفراد المجتمع، ويرجع ذلك إلى محاولة العديد من أفراد المجتمع أن يعظموا إنجازاتهم ويبخسوا إنجازات زملائهم، وإلى اختفاء مفهوم المصلحة العامة ومفهوم الإنجاز الجماعي لدى أغلب الأفراد، بينما يعلو في الأفق مفهوم المصلحة الخاصة والإنجاز الفردي لديهم مما يؤدي إلى إحباط الآخرين، وإحجامهم عن المشاركة في أي عمل جماعي، وبالتالي تسود فكرة العمل الفردي، لذا يجب أن يكون هدف أئمة الإسلام والقائمين على شؤون هذه الأمة الدعوة إلى الاتحاد والألفة واجتماع القلوب والتئام الصفوف، والبعد عن الاختلاف والفرقة وكل ما يمزق الجماعة أو يفرق الكلمة من العداوة الظاهرة أو البغضاء الباطنة، وكل ما يؤدي إلى فساد ذات البين، مما يكون سبباً في ضعف الأمة ووهن دينها ودنياها، فلا يوجد دين على وجه الأرض دعا إلى الأخوة التي تتجسد فيها الاتحاد والتضامن والتساند والتآلف والتعاون والتكاتف، وحذر من التفرق والاختلاف والتعادي مثل الإسلام في هديه وشرائعه وقرآنه وسننه، فالاتحاد عصمة من الهلكة..

فالفرد وحده يمكن أن يضيع ويمكن أن يسقط وتفترسه شياطين الإنس والجن، ولكنه في الجماعة محمي بها كالشاة في وسط القطيع، لا يجترئ الذئب أن يهجم عليها فهي محمية بالقطيع كله، إنما يلتهمها الذئب حين تشرد عن جماعتها وتنفرد بنفسها، فيجد فيها ضالته، ويعمل فيها أنيابه ويأكلها فريسة سهلة، إننا نناشد الجميع البعد عن سوء النوايا والعمل على التئام الصفوف والبعد عن محاولة تمزيق صفوف المسلمين.. وأقول لأبناء هذه الأمة: هل نسيتم قضيتكم الأساسية وسرتم وراء أهوائكم الشخصية؟ فأفضل من هذا كله أن تجتمع الأمة على عقيدة، وعلى مبدأ أتى به محمد صلى الله عليه وسلم وهو الإسلام الذي يجب أن نلتف حوله ونتمسك به، يقول الله تعالى: "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" آل عمران: 103، فكلما حدثت جفوة او حصل هجر عدنا إلى الدين، فإن ما يعد من أبرز عناصر السلبية التي قد تسود المجتمع هو اختفاء الاحترام والتقدير المتبادل بين أغلب أفراد المجتمع، وسط ضعف نظام المساءلة، حيث يحاول أغلب الأفراد التقليل من شأن الآخرين، ومن شأن زملائهم ومكانتهم ومن شأن آرائهم، وخاصة عند الحوار؛ ظناً أن ذلك يرفع من مكانتهم وبالتالي تختفي قواعد وآداب الاختلاف في الآراء لدى أغلب أفراد المجتمع، فعند الاختلاف الحوار قد تقع شتائم وتجريح وقذف متبادل بين أغلب المختلفين، لتسود حالة من عدم الاحترام والتقدير المتبادل بين الأفراد والزملاء في العمل الواحد، وعدم مراعاة مشاعر الآخرين وعدم الحفاظ على حقوقهم وكرامتهم، بل قد يتعدى الأمر إلى محاولة إهانة كل للآخر!! فليعلم أمثال هؤلاء أن منهج الإسلام في تربية النفوس قائم على التحابب والتقارب والتآلف، ومن هنا فلا تباغض ولا تحاسد ولا تدابر في حياة المسلم الصادق مع أخيه، فقد اجتمعت قوى الشر من شرق وغرب فرمت بسهامها عن قوس واحدة، تعمل على تمزيق الجسد المتماسك وتفتيت لحمه وتكسير عظامه، حتى توهنه فلا يستطيع أن يقوم مرة ثانية، ويقف على رجليه، فأصابت الأمة في مقاتل عدة، فأوهنت قواها، وضعفت كلمتها وذهب ريحها وسقطت هيبتها بين الأمم، فالمسلم يكون بنفسه دوراً فعالاً ومؤثراً عندما يصل إلى الفهم الواضح لأهمية دوره الذي ينبغي أن يكون ايجابياً في إحداث التغيير في المجتمع، وهو ما يوجبه الإسلام على المسلم من مسؤولية تجاه مجتمعه؛ من إخلاص في النية ومحبة ومودة يتضامن مع المسلمين ويتعاهدهم بالرفق واللين.