الظلم ظلمات - علاء الدين عوض

ذكرتْ كتب التاريخ أنَّ أحد وزراء بني العبَّاس اغتصَب مزرعةً لامرأة عجوز، فرفعتْ إليه المرأة تَشكو وتترجَّى، ثم شفَّعتْ إليه مَن يردُّ عليها مزرعتها، فأبَى الوزير.
 
فقالت العجوز: واللهِ لأدعونَّ عليك، فقال لها الوزير ساخرًا: عليكِ بالثُّلُث الأخير مِن الليل! فلزمتِ المرأةُ المكلومةُ أسحارَ الليل، تدعو على مَن ظلَمها، فإذا سهامُ الليل تبلغ آجالَها، فحلَّت به العقوبةُ الإلهيَّة في الظُّلمة، فنكبَه الله على يدِ الخليفة، فقطَع يدَه، ثم بعدَ أسبوع قطَع رأسه، فمرَّتْ به المرأة العجوز وأنشدَت متشفِّية:
إِذَا جَارَ الوَزِيرُ وَكَاتِبَاهُ 
وَقَاضِي الأَرْضِ أَجْحَفَ فِي القَضَاءِ 
فَوَيْلٌ ثُمَّ وَيْلٌ ثُمَّ وَيْلٌ 
لِقَاضِي الأَرْضِ مِنْ قَاضِي السَّمَاءِ 
((الظُّلم ظُلمات يوم القيامة))؛ هكذا قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وإن الظلم من أسوأ الخِصال الموجودة في النَّفس البشرية؛ لأنَّ الظالم يعتدي على غيره، ويأخذ حقَّ غيره أو يمنعه حقَّه، وإن الظلم ظُلمات؛ ظُلماتٌ في الدنيا، وظلمات في الآخرة.
 
قال الله تعالى في الحديث القدسي محذِّرًا عبادَه من الظلم: ((يا عِبادي، إنِّي حرمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلتُه بينكم محرَّمًا، فلا تَظالموا)).
 
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحذِّرنا من الظلم: ((اتَّقوا الظلم؛ فإنَّ الظلم ظُلمات يوم القيامة)).
وإنَّ الظالم يرى مغبَّة ظلمه في الدنيا قبلَ الآخرة، وكم من قَصص رأيناها للظالمين تَشهد بذلك!
 
والظلم له صور كثيرة، منها:
١. ظلم النَّفس:
ويكون ظلم النَّفس بارتكاب المعاصي والفواحش والمحرَّمات؛ لهذا عندما قال سيدنا أبو بكر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علِّمني دعاءً أدعو به في صلاتي، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قل: اللهمَّ إنِّي ظلمتُ نفسي ظُلمًا كثيرًا، ولا يغفرُ الذنوبَ إلَّا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك، وارحمني، إنَّك أنت الغفورُ الرحيم)).
 
٢. ظلم الزوج لزوجته:
ويكون ذلك بعدَم النَّفقة عليها، وبعدم معاشرتها بالمعروف، ومنعها من الذَّهاب لأهلها، وبعدم العدل بينها وبين زوجته الأخرى إن كان معدِّدًا؛ كلُّ ذلك يدخل في ظلم الزوج لزوجته.
 
٣. ظلم الأب لأبنائه:
ويكون ذلك بأن يعطي الأب أحدَ أبنائه ويَحرِم الآخرين، ويعطف على أحدهم ويقسو على الآخرين؛ وهذا خلَل تَربوي كبير، يجعل الأبناءَ يشعرون بالظلم، وبأنَّ والدَهم يفرِّق بينهم في التعامل، فيحب بعضَهم ويبغض بعضًا؛ وهذا إشكالٌ تربوي كبير، فالواجب على الأب أن يعدِل بين أبنائه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اتَّقوا الله واعدِلوا بين أولادكم)).
 
٤. ظلم العمال والخدم في المنازل:
ويكون ذلك بتكليفهم ما لا يطيقون، أو عدم إعطائهم حقوقَهم وأجورهم؛ وهذا مُشاهَد عند كثير من الناس.
 
٥. ظلم الرئيس للمرؤوسين والمدير للموظَّفين:
ويكون ذلك بأن يقدِّم من يستحق التأخير، ويؤخِّر مَن يستحق التقديم في السلَّم الوظيفي، وفي الرواتب والحوافز وغيرها، فيظلم الموظَّفَ، ويعطي حقَّه لغيره؛ وهذا مُشاهد في كثير من المؤسسات العامَّة والخاصة.
 
٦. ظلم رجل الشرطة والأمن للمواطن:
ويكون ذلك بأخذ حقِّه أو بعدم إنصافه إن جاء مشتكيًا، وإن من أكبر الإشكالات الموجودة اليوم في مجتمعنا أنَّ الثقافة القانونيَّة فيه ضعيفة؛ فالمواطن لا يعرِف ما له وما عليه، ولا يعرف كيف يتعامل مع رجل الأمن، وما هي صلاحيات رجل الأمن! كلُّ هذا يَجهله المواطِن ممَّا قد يوقِع عليه الظلم.
 
٧. ظلم الأستاذ للطلاب:
ويكون ذلك بتقصُّدهم في الامتحانات، وحرمانِهم من الدَّرجات؛ وهذا مُشاهَد في الجامعات، فتجد الأستاذَ يتوعَّد الطالب بأنه لن ينجَح في مادَّته؛ لأنَّ بينه وبين هذا الطالب مشكلة شخصيَّة؛ فهذا من الظُّلم الكبير الذي يقَع على كثير من الطلَّاب.
 
٨. الاعتداء على الممتلَكات العامَّة وعلى المال العام:
لأنَّ هذا حقٌّ للجميع، وبعض الذين يعملون في العمل العام لا يتورَّعون عن أخذ هذه الممتلَكات؛ عينيَّة كانت أو مادِّية، فينتفعون بها لأنفسهم.
 
♦ ومن أشد أنواع الظُّلم على النفس الظُّلمُ الذي يقَع من القرابة والأهل؛ كما قال الشاعر:
وظُلمُ ذوي القُرْبى أشَدُّ مَضَاضَةً ♦♦♦ على النَّفسِ من وَقْعِ الحُسامِ المُهنَّدِ
 
والمَحاكم تشهَد اليوم بقضايا الظلم بين الأقرباء في الميراث وفي غيره.
فكل أنواع الظُّلم التي ذكرناها موجودة في مجتمعنا.
 
فأُوصي نَفسي وإياكم بتقوى الله عزَّ وجل، وبأن نتَّقي الظلم؛ فإنَّه ظُلمات في الدنيا والآخرة.
لا تظلمنَّ إذا ما كنتَ مقتدرًا 
فالظُّلْمُ مَرْتَعُه يُفْضِي إلى النَّدَمِ 
تنامُ عَيْنُكَ والمَظْلومُ مُنْتَبِهٌ 
يَدعو عليكَ وعينُ الله لم تَنَمِ 
 
اتَّقوا الظلمَ، واتقوا دعوةَ المظلوم؛ فإن الله تعالى يقول لها: ((وعزَّتي وجلالي، لأنصرنَّكِ ولو بعد حين)).
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ عندما بعَثه إلى اليمن: ((واتَّقِ دعوةَ المظلوم؛ فإنَّه ليس بينها وبين الله حِجابٌ)).