موقف الإسلام من التطرف والإرهاب

د. محمد حسين علي محاسنة
الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها ، والتطرف أحد اشكال الفتنة الواجب تركه تركا للعقل والتحلي بالايمان.
 
 
التعريف اللغوي للتطرف: لم ترد كلمة التطرف في الكتاب والسنة ، وليس له أصول شرعية ، بل استعمل للتعبير عن مفهوم ( الغلو في الدين ): والتطرف الوقوف في الطرف بعيدا عن الوسط ( تجاوز حد الاعتدال ) كما عرفه شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ، وموضوع التطرف قد يكون فكريا أوسلوكيا ، وهو يختلف عن التدين: وهو الالتزام بأحكام الدين والسير على منهاجه ، وهو مطلوب ومرغوب فيه ، يعود بالخير والفلاح على أصحابه ، وعلى المجتمع ( فهم صحيح لنصوص الديــن والتمســك بالتعاليــم الدينية والقيم الاخلاقية.
 
 
والغلو: الارتفاع في الشيء ومجاوزة الحد فيه ، ومنه قوله تعالى: ( لا تغلوا في دينكم ) (1)
 
 
وقال ابن الاثير: « أياكم والغلو في الدين. واصل الغلاء: الارتفاع ومجاوزة القدر في كل شيء ، يقال غاليت الشيء بالشيء اي جاوزت فيه الحد.
 
 
ولقد ورد لفظ الغلو في القرآن الكريم في وصف التطرف وقد نهى الله عنه في قوله تعالى: ( يا اهل الكتاب لا تغلّوا في دينكم ولا تقولوا على الله الا الحق ) صدق الله العظيم (2)
 
وقال تعالى ( قل يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلّوا من قبل وأضلّوا كثيرا وضلّوا عن سوآء السبيل ). (3)
 
ودعا الله تعالى في كتابه العزيز الى الاستقامة والتمسك بها ، وعدم الغلو في الدين ، قال تعالى: « فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا انه بما تعملون بصير. « (4)
 
 
وقال تعالى: ومن يتعدّ حدود الله فأولئك هم الظالمون « (5) وتعدي الحدود يعني التجاوز ، والحدود هي النهايات لكل ما يجوز من الامور المباحة المأمور بها وغيرالمامور.
 
 
1ـ تاج العروس من جواهر القاموس ، محمد بن عبد الرزاق الزبيدي ، دار الهداية ، ابن تيمية اقتضاء الصراط المستقيم.
2ــ سورة النساء ، آية 171.
3ـ سورة المائدة ، آية 77.
4ـ سورة هود ، آية 112.
5ـ سورة البقرة آية 229.
 
 
الحكمــــة من نهي الاسلام وتحذيره من التطرف :
 
 
1- نهى الله سبحانه وتعالى في كتابة العزيز عن التطرف الديني وهو( الغلو ) وأن الله سبحانه وتعالى بين أن القرآن الكريم هو أساس الدين واصله حيث قال تعالى « تبيانا لكل شيء « (1)
وقال تعالى « انا أنزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما آراك الله. (2)
والرسول عليه الصلاة والسلام يبلغ ويبين للناس عن أمر دينهم ، وان الغلو فيه زيادة تعني خروجا عن قاعدة الوسط في الاسلام الى حد الانحراف والتفريط ، وهو امر مرفوض في الاسلام.
2- الاسلام دين توحيد ، وقد نهى الله عز وجل عن التفرق والاختلاف الذي يعد التطرف في الدين أحد أسبابه ، قال تعالى: « ان الذيـن فرقوا دينـــهم وكانـوا شيعا لسـت منـهم في شـىء. (3)
3- والتطرف في الدين فيه مشقه وهو يتعارض مع تعاليم الاسلام الداعية الى اليسر ورفع الحرج ، فيسر الاسلام خاصة من خصائصه ، التي امتاز بها عن من سواه من الاديان ، قال تعالى « الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراه والانجيل يامرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم أصرهم والاغلال التي كانت عليهم فالذين امنوا به وعزروه ونصروه وأتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون.(4) الاعراف 157.
 
 
الاسلام حرم التطرف والغلو في الدين ، لان التطرف صد عن سبيل الله بما يسببه من تشويه وتنفير ، يقول الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه الصحوة الاسلامية « وما كان هذا التحذير من التطرف والغلو الا لان فيه عيبا وآفات اساسية تصاحبه وتلازمه منها « قرضاوي والعيوب انه لاتحتمله طبيعة البشر ( منفر ) ، كذلك قصير العمر ، وانه لا يخلو من الجور على حقوق الانسان. (5)
 
 
1- سورة النحل، آية 89.
2- سورة النساء ، آية 105.
3- سورة الروم ، آية 32.
4- الاعراف ، آية 157.
5- يوسف القرضاوي ، الصحوة الاسلامية ، بين الجحود والتطرف ، القاهرة ، دار الصحوة. ص32ـ34.
 
 
وهناك أحاديث كثيرة تنهى عن التطرف ( الغلو ) :
 
 
عن ابي هريره رضي الله عنه ، عن النبي عليه السلام قال: « ان هذا الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد الا غلبه ، فسددوا وقاربوا وأبشروا ، وأستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة « اي لااحد يتعمق في الاعمال الدينية ويترك الرفق.(1)
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اياكم والغلو في الدين ، فأنما اهلك من كان قبلكم الغلو في الدين.
 
 
والمراد هنا بمن قبلنا: أهل الاديان السابقة وقد خاطبهم القرآن بقوله: « قل يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم غير الحق ولا تتبعوا اهواء قوم قد ضلّوا مـن قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سـواء السبيـل «. (2)
 
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « هلك المتنطعون « قالها ثلاثا ، قال النووي هلك المتنطعون اي المتعمقون المغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وافعالهم.(3)
 
وروي عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال: « يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين «.(4)
 
1-  حديث شريف ، صحيح بخاري.
2- سورة المائده ، آية 77.
3- حديث شريف ، صحيح مسلم.
4-  حديث شريف ، رواه مسلم وبخاري ، ج1 ، ص93.
وقد شرع الاسلام من العبادات ما يزكي نفس الفرد ، ويرقى بها ، وما ينهض بالجماعة كلها ، ويقيمها على اساس من الأخوة والتكافل ، فأركان الاسلام عبادات ، لا تعزل الانسان عن الحياة ولا عن المجتمع ، بل تزيده ارتباطا به شعوريا وعمليا ، ومن هنا تعتبر الارض كلها محرابا للمؤمن ، والعمل فيها عبادة وجهادا اذا التزم بحدود الله.(1)
 
 
ولم يشرع الاسلام الرهبانية التي تفرض على الانسان العزلة عن الحياة وطيباتها والعمل لتنميتها وترقيتها ، ولا يقر ما دعت اليه الديانات والفلسفات الاخرى من أهمال الحياة المادية لأجل الحياة الروحية ، ومن أهدار شأن الدنيا.
قال تعالى « ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي اآخرة حسنة « (2)
 
 
و في صحيح مسلم عن ابي هريره قال رسول الله صلى الله علية وسلم ، اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة امري ، واصلح لي دنياي التي فيها معاشي ، واصلح لي آخرتي التي اليها معادي ، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير.. صحيح مسلم في كتاب الذكر والتوبة والاستغفار.
 
حركات ( جماعات ) متطرفة تعمل باسم الاسلام يجب نبذها:
 
في العالم الاسلامي اليوم بعض الحركات المتطرفة ، وقد انتهزت بعض وسائل الاعلام الغربية فرصة وجود هذه الحركات المتطرفة في بعض البلاد الاسلامية لتربط بين الاسلام والتطلرف ، بالرغم من ان مشكلة التطرف مشكلة عالمية ، تشكو منها جميع الدول ، وقد تجاهلت وتناست وسائل الاعلام أنه لا يوجد نظام في الدنيا يحارب التطرف مثلما يحاربه الاسلام.(3)
 
 
وقد أغلق الاسلام أبواب الفتنة ، وحذرهم منها ، وأمرهم بالتعوذ من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
 
وأغلاق باب فتنة التطرف ، حرم الله تبارك وتعالى التفرقة في الاسلام ، وأمر الله تعالى بالاجتماع ، ونهى عن الافتراق والاختلاف ، قال تعالى: « وأعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا «.(4)
1- القرضاوي ، الصحوة الاسلامية ، ص 93-94
2- سورة البقرة ، آية 201.
3-  سليمان عبد الرحمن التطرف والارهاب ، مكتبة الملك فهد ، ص33ـ34.
4- سورة آل عمران ، آية 103.
وحذر الله سبحانه وتعالى من سلوك الاختلاف والفرقة ، وأخذ العبرة من الامم السابقة بقوله تعالى: ولا تكونوا كالذين تفرقوا وأختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات واولئك لهم عذاب عظيم «.(1)
 
وبرأ الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله علية وسلم ممن فرقوا دينهم ، وكانوا شيعا ، وبين انه ليس منهم قال تعالى « ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء انما امرهم الى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون « (2).
 
هذه البراءة عامة من كل فرق الأمة أو سعى الى تفريقها ، وان الساعي في ذلك مخالف لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، ان الحركات التي تمارس التطرف الديني ، هي في حقيقة الأمر تعمل خارج تعاليم الاسلام ، وتضر بسمعة الاسلام والمسلمين.
 
لقد استغلت هذه القوى بخبث ودهاء أعمال المتطرفين لتشويه صورة الاسلام ، وعملت هذه القوى على تغذية حركات التطرف لتكبر ، وعملت على كسب فوائد لتشجيعها للمتطرفين منها :
 
-  تنفير المسلمين من الاسلام ، ويتبنون التشديد والتضييق ، ويقفون موقف الجفاء والخصام وبذلك ينعزل الجمهور الذي ينشد اليسر ويكره العسر عن الصحوة في بعض البلاد الاسلامية.
- نقل صورة يائسة للاعلام الغربي من الاسلام ودعاته ، وان المد الاسلامي مصيره الزوال. (3)
- أشغال الشباب الذي يمثل العمود الفقري للصحوة الاسلامية وتغيير جهوده الفكرية وطاقاته العلمية في الدعوة والتطرف لهذه الفرعيات.
- اشغال القوى الاسلامية المتطرفة والمعتدلة ببعضها البعض ، فبدل أن تتوجه عملها الى خدمة الاسلام وبيان حقيقة الاسلام في التسامح واليسر ، توجههم الى التراشق بالتهم والصراع فيما بينهم ، حتى يصل الامر الى التكفير والتاثيم ، أما عدوهم الذي يقف متفرجا عليهم بما يرى (4).
 
 
1- سورة آل عمران ، آية 105.
2- سورة الانعام ، آية 159.
3- القرضاوي ، الصحوة الاسلامية ، ص 10.
4- سليمان الحقيل ، التطرف والارهاب ، ص 33ــ34.
 
 
ومع كل ذلك من خبث القوى المتربصة ودهائها ، وقدراتها الفائقة ، فان العاملين في الحقل الاسلامي لا يعفون من المسئولية ، وواجبهم اليوم اكثر من أي وقت مضى ان يستخلصوا العبرة من أحداث الأمس ، وان يعدوا العدة لمتطلبات الغد ، وهي متطلبات كثيرة ، وان يسلموا بمحاسبة النفس ونقد الذات حتى يستكملوا النقص ، ويصححوا المسيرة ، ويسيروا على وعي وبصيرة ، بعيدين عن التطرف والغلو والتنطع والتشدد والتفريط في امور الدين ، ومعهم الدليل الذي لا يخطئء ( القرآن الكريم ) « قال تعالى: قل هذه سبيلي أدعوا الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني وسبحان الله وما انا من المشركين « (1).
منهج الاسلام لمنع التطرف والغلو:
 
 
سلك الاسلام طرقا متعددة واستعمل أساليب متنوعة لمكافحة التطرف والغلو ومطاردته ، وتطهير حياة المسلمين من لآثاره وويلاته وأخطاره ، من هنها:
1-    الاخذ بمنهج الوسطية في الاسلام ، وهي وسام شرف الأمة الاسلامية قال تعالى: وكذلك جعلناكــم امة وســطا لتكونوا شـهداء علــى الناس ويكون الرســول عليــكم شهيدا (2).
ان الامة الاسلامية هي أمة الوسط بكل معاني الكلمة ، وهي الامة التي تقيم بينهم العدل والقسط ، والرسول الكريم هو الذي يشهد عليها ، ويقرر لها بأذن ربه موازينها وقيمها ، زيد عبد الكريم ، الوسطية.
والواقع أن الوسطية في الاسلام تشمل الحياة في كل جوانبها ومعانيها ، فيشعر دائما بالعزة بالله من جانب ، والمسؤولية أمامه من جانب آخر ، ومن ثم تترك آثارها في الامة جمعاء ، وهذا يشكل لحضارتها الانتشار والازدهار ، تستقطب المواهب والكفاءات والخبرات ، ووظفتها للنفع العام الذي وجهه الاسلام.(3)
1- سورة يوسف ، آية 108.
2- سورة البقرة ، آية 143.
 
3- زيد بن عبد الكريم ، الوسطية في الاسلام ، دار العاصمة ، الرياض ، ص9-10
2- بناء الدين الاسلامي على اليسر ورفع الحرج:
ان يسر الاسلام وتيسيره سمة من سمات الاسلام ، واليسر من مقاصده تقرره نصوص من القرآن الكريم والسنة كثيرة ، قال تعالى: « يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر «.(1)
وقال تعالى: « وما جعل عليكم في الدين من حرج «. (2)
وكما دلت الآيات القرآنية على رفع الحرج في الشريعة الاسلامية وعلى يسر الدين الاسلامي وسعته ، جاءت الاحاديث الشريفة عنه تبين يسر هذا الدين وسماحته ورفع الحرج عنه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ان الله تعالى رضي لهذه الامة اليسر وكره لها العسر «.
وقال رسول الله عليه الصلاة والسلام « أنكم أمة اريد بكم اليسر. «
وقال رسول الله « ان خير دينكم ايسره ، ان خير دينكم ايسره « (3).
وقال عليه الصلاة والســلام « ان الله لم يبعثنــي متعنتا ، ولكن بعثني مصلــحا ميســرا « (4).
هذه بعض الاحاديث التي تبين سماحة الشريعة الاسلامية ويسرها ورفع الحرج فيها ، وقد بين الرسول عليه الصلاة والسلام أن دين الله هو اليسر ، فكل ما جاء من شريعة الله من يسر فهو رفع للحرج ، وكل ما فيه حرج فهو العسر المنفي عن هذا الدين وأحكامه.
1- سورة البقرة ، آية 185.
2- سورة الحج ، آية 78.
3- رواه البخاري.
4- رواه البخاري.
 
 
والارهاب: هو مجموع أعمال العنف التي تقوم بها منظمة ، أو افراد قصد الاخلال بامن الدولة وتحقيق اهداف سياسية ، او خاصة او محاولة قلب نظام الحكم.
 
 
فكلمة ارهاب تدل على التخويف والفزع ، ويكون الأمر سيئا جدا اذا كان ارهابا للضعفاء والاطفال والنساء وكبار السن والمرضى ، ونطلق عليه الارهاب غير المشروع: بل هو محرم وممنوع وهو أدخال الرعب والفزع محرم بأجماع الملل والشرائع السماوية وروى الامام أحمد عن ابي ذر عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ، وقال تعالى « أن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون « (1) ولكن يجب أن نؤكد على أن الجهاد ( الارهاب المشروع ) هو الدفاع عن النفس ، وردّ المعتدي والغاصب ، ليس ارهابا ولا تطرفا ، بل هو حق للمسلمين ( جهاد في سبيل الله ) اذا كان خاضعا للضوابط الشرعية التي قررها علماء الامة لقوله تعالى: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّالله وعدوكم... (2).
 
 
تتصدر انباء الارهاب الناتج عن التطرف مكان الصداره في وسائل الاعلام المختلفة ، وجذب انتباه واهتمام الناس على اختلاف انتماءاتهم السياسية ، ومستوياتهم الثقافية ، ومواقع وجودهم على ظهر الارض ، فلم تعد مشكلة الارهاب قاصرة على دولة معينة ، وانما هي مشكلة دولية ، تتمثل في التطرف الفكري ، وسياسي ، وأخلاقي ، وديني وهذا التطرف الديني لا يقتصر على أتباع دين معين أو أنصار مذهب دون الآخر ، والارهاب ظاهرة العصر بل وليد العصر له جذور قديمة تمتد الى التاريخ القديم ، فالاختطاف واحتجاز الرهائن كشكل من اشكال الارهاب المعاصر ، كان معروفا في التاريخ القديم ، والاغتيال كشكل من اشكال الارهاب المعاصر كان معروفا في العصور القديمة والوسطى ، فالارهاب لا يعبر عن ظاهرة جديدة ، ولكنه اليوم أكثر كما وكيفا عما كان في التاريخ القديم.
 
 
الارهاب كان محصورا في اوروبا ، أمتد ليشمل مناطق كثيره في العالم ، وأنتشرت منظمات الارهاب ، وأصبح الارهاب المعاصر يقوم على فكرة التنظيم الارهابي ، واصبح يمتلك الوسائل والتكنولوجيا التي تمكنه من أن يكون أكثر فاعلية وتأثيرا واكثر دواما واستمرارا بخلاف ما كان عليه في التاريخ القديم ، عندما كان النشاط الارهابي يمارس عادة من خلال أفراد أو جماعات غير منظمة بامكانيات محددة. ويتميز الارهاب المعاصر عن الارهاب في التاريخ القديم بالامكانيات المالية العالية والثراء الفاحش ، وقد يكون مصدر الاموال بعض الدول التي تساند الارهاب وكذلك تميزه باستخدام التطور التكنولوجي الهائل في الاتصالات ووسائل الاعلام للترويج له (3).
1-  سورة يونس ، آية 44. المعجم الوسيط ، ، القاهرة ، 1972م.
 
 
2-  سورة الانفال ، آية 60-61 ، علي القراله ، المقاومة والارهاب، ص112.
 
 
3- أحمد ابو الروس ، الارهاب والتطرف ، الاسكندرية ، المكتب الجامعي ، 2001.
 
 
ومما يؤسف له بحق أن تربط بعض وسائل الاعلام بين الاسلام والتطرف والارهاب لتشويه سمعة الاسلام حتى خيّل الى الكثيرين في الغرب بأن التطرف والارهاب صارا سمتين من سمات المسلم.
 
 
أينما وجد ، والحقيقة أن الاسلام دين السلام بريء من هذه التهمة الباطلة الهادفة الى تنفير المسلمين من دينهم ، وصد غيرهم من الدخول في الاسلام ، والاسلام لا يأمر الا بما أمر الله تعالى به في كتابه ، وبما امر رسوله به في سنته ، ولا يوجد في كتاب الله جل وعلا ، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم شيء من معاني التطرف والعنف ، بل فيها معنى ازالة البغض والعدوان.
 
 
فالارهاب ظاهرة خطيرة تهدد وجود المجتمع ذاته ، يولد الرعب والترويع لدى الناس ويؤثر على خطة التنمية في البلاد ، ويضر بمصالح الدولة....
 
 
ويستخدم الارهابيون عادة شعار الغاية تبرر الوسيلة لتبرير عملياتهم الارهابية ، وبرعوا في توظيف هذا الشعار في تبرير الوسائل المستخدمة في عملياتهم الارهابية ووسائلهم الوحشية في تنفيذها.
 
 
وبالرغم من هذه الحقيقة الناصعة يتعرض الاسلام لحملات من المطاعن والتشويه تشنها بعض وسائل الاعلام الغربية ، وقد ازدادت هذه الحملات ضراوة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي ـ وتفكك جمهورياته ، لأظهار الاسلام على انه عدو للحضارة الغربية ، ومما يؤسف له مشاركة عدد من بعض الصحفيين العرب والمسلمين في هذه الحملات عن وعي منهم بما قد ينجم عن ذلك من آثار خطيرة على بلادهم وعلى مجتمعاتهم ، أو عن غير وعي.
 
 
وطبقا لاراء اصحاب هذه الحملات الظالمة ، فالتطرف اسلامي ، والعنف والارهاب اسلاميان ، اما العنف والارهاب الذي يصدر من غير المسلمين ، فليس له ذكر ذو بال اذ تمر به مرورا عابرا أو يغفل اغفالا. (1)
 
 
فالذي يذكر هو تطرف الاسلامي ، أما غيره فهو تطرف زائل أو طارئ ، وصارت هذه السمة الاسلامية المزعومة ذريعة للطعن على الاسلام نفسه وتشويها لسمعته.
 
والحقيقة أن الاسلام دين السلام بريء من هذه التهمة الباطلة الهادفة الى تنفير المسلمين من دينهم ، وصد غيرهم من الدخول في الاسلام.
 
اذ لا يوجد في الاسلام حكم شرعي يكلف المسلم باعمال التطرف والعنف ، لانها أعمال خطيرة وآثارها فاحشة ، وفيها اعتداء على الانسان وظلم له ، والاسلام لا يامر الا بما فيه خير الانسانية ، مصدرهما كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.
 
1- احمد التل ، الارهاب في العالمين العربي والغربي ، ص4-5.
اسباب التطرف:
1- الجهل: هؤلاء الذين اصيبوا بذلك من صغار السن ، الذين لم يحصلوا العلم الشرعي الذي يحصنهم من هذا البلاء العظيم ، فتراهم ينقادون خلف حماسهم ، أو ما تمليه عليه عقولهم ، أو ما يفتيهم به بعض من يظنون انه من أهل العلم ، وهو ليس منهم ، فيترخصون في أشياء منع منها الشرع ، ويتكلمون في أمور أحجم عنها كبار العلماء ، والذي يقيم الحجة لا بد أن يكون عنده من الأدلة التي تقابل كل شبهة عند المخالف بما يقضي على هذه الشبهة ، فهناك فرق بين اقامة الحجة وابلاغها ، ولو درى هذا خطورة ما يفعله لكف لسانه عن الخوض في ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: اذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما (1).
 
 
2-    سوء الفهم: سوء الفهم آفة ( مشكلة ) ابتلى بها كثير من الناس ، ويزداد الطين بله ، خاصة اذا كان الامر يتعلق بامور الدين ، فالتعامل مع النصوص الشرعية يحتاج الى أعمال العقل بطريقة صحيحة ، كما كان يفعل علماء الامة ، وائمة الاسلام وهو ما نطلــق عليه ( الاجتهاد ) والاجتهاد لا يكون مع النص بل في فهم النص وجمع الادله.
 
 
3-    اتباع المتشابهة: أتباع المتشابه من أهم اسباب التطرف الفكري ، أن هناك بعض النصوص تحتاج الى الراسخين من العلماء ليفهموها فهما صحيحا حتى لا يقع في المحظور ويخرج عن حد التوسط الذي هو من أهم صفات هذه الامـــة.
وهي من سمات الذين في قلوبهم زيغ من اهل البدع: قال تعالى « هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أم الكتاب وآخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم (2).
 
 
وقال رسول الله علية الصلاة والسلام « اذا رأيتهم الذين يتبعون ما تشابه منه ، فأولئك الذين سمى الله فأحذروهم « (3).
 
1ــ المستتدرك على الصحيحين ، ابن البيع النيسابوري ، (م. 405هـ) تحقيق مصطفى عطا ، دار الكتاب ، بيروت.
2- سورة آل عمران ، آية 7.
3-مسند ابي يعلى ، لابي يعلى التميمي الموصلي ، ( م. 241هـ ) تحقيق الارناوؤط ، مؤسسة الرسالة.
4-    تقاعس أهل العلم عن القيام بواجباتهم: هؤلاء هم صمام الامان للامة ، ان العلماء هم مصابيح الدجى الذين يهتدى بهم في ظلمات الجهل والفتن ، فأذا ما تقاعس العلماء عن القيام بدورهم في بيان الحق ، أو داهنوا الظالمين ، واذا ما تحدثوا عن أحكام الشريعة ، كان ذلك دافعا لأن يظهر هؤلاء الظالمين ليفتوا الناس في الحلال والحرام.. فيقع التطرف ، قال تعالى « واذ أخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون. (1)  
 
 
اشكال التطرف: يمكن ان يوجد في اي مجال من مجالات الحياة ، ومنها :
1- التطرف في القول: وهو التطرف في كل لفظ لا يحل اطلاقه مثل السب والغيبة والنميمة والشائعات... كله تطرف في القول.
2- التطرف في السلوك ( الفعل ): وهو كل فعل يخالف الشرع ، لكنه يختلف باختلاف درجة تحريمه ، فهناك كبائر وصغائر ، فكلما كان الفعل كبيرا ورد فيه حدا ، وكان أمره اعظم.
3- التطرف المعتقد ( الديني ): يدخل فيه كل ما يخالف الصحيح الذي جاء به النبي عليه السلام وكان عليه الصحابة والخروج عن مسلك السلف ، سواء بالتفريط أو التشديد.
وهناك التطرف السياسي ، والاجتماعي في الرفض والاجتماع ، عن غياب العدالة الاجتماعية في صورها المختلفة في نظام المجتمع (2).
 
 
1- سورة آل عمران ، آية 187.
2- علي القرالة ، المقاومة والارهاب ، ص128.
مجمع الفقه الاسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الاسلامي في دورته الموافق24/ 28 حزيران 2006م ، واستماعه الى المناقشات التي دارت حول حقوق الانسان والعنف الدولي في مجال مكافحة الارهاب ، بمعالجة اسبابة وقطع السبل على الارهابيين ، مع استمرار التمسك بسياسة حق الشعوب المحتلة ، وكذلك التمييز بين جرائم الارهاب وبين المقاومة المشروعة للاحتلال بالوسائل المقبولة شرعا ، لاسترداد الظلم الحقوق المسلوبة وإزالـة الظلـم ، وهو حق معترف به شرعا وعقلا وأقرتـه المواثيق الدوليــة (1)
 
 
كذلك عقد مؤتمر « نحو استراتيجية شاملة لمحاربة التطرف « الذي نظمه مركز القدس للدراسات السياسية ، ومن خلال المناقشات بين المحاضرين بينوا ان التطرف من سماته التعصب بالرأي ، وان الارهاب يرتبط بالفعل عندما يتحول الى اعتداءات على الممتلكات أو التهديد بالعنف والاعتداء على الحريات والارواح ، وان التطرف هو من مقدمات الارهاب ، مبينا ان الارهاب لا دين له من اية جهة تصدره. (2)
وتطرق المحاظرون في المؤتمر بالحفاظ على حاضر ومستقبل الاجيال من التطرف بالاتجاهين من خلال بناء مناهج ثقافية وتربوية وتعليمية مبصرة على أيد اسلامية فكرية وعلمية وسياسية ومجامع فقهية موثوقة.
واضاف ان الوسطية والاعتدال ومحاربة التطرف والغلو بمختلف أشكاله ، لا يعني التفريط بحقوق الامة ، مستغربا استبعاد منظمات المجتمع المدني والفعاليات السياسية بالمشاركة في وضع استراتيجية موحده لمكافحة الارهاب والتطرف.
هناك البعثة الازهرية عقدت ندوة (3) ، تحث علماء الدين في توجيه المسلمين الى دينهم الحنيف الذي يدعو الى نبذ التطرف والغلو والعنف والالتزام بالوسطية والاعتدال التي حثت عليها تعاليم ديننا السمح ، ويدعو الى المحبة والسلام والرحمة مستندا الى قول الرسول عليه الصلاة والسلام « اياكم والغلو في الدين فانه أهلك من كان قبلكم « (4).
 
 
1- مجلس مجمع الفقه الاسلامي ، عمان ، 2006م.
2-  مركز القدس للدراسات الاسلامية ، عمان
3- البعثة الازهرية « ندوة « ، اليمن ، 2012م.
4- الحديث شريف.
وأوضح أن الوسطية هي منهج وعقيدة وأخلاق وفكر المسلمين الذين أجتباهم الله وجعلهم خير امة أخرجت للناس لا تعرف الغلو أو التطرف ، واوضح أن الحق هو الاسلام والباطل هو التطرف والغلو ، موضحا أن الله سبحانه وتعالى أرسل رسوله الكريم الى البشرية رحمة للعامين لقوله تعالى « وما أرسلناك الا رحمة للعالمين (1).
أكدت الفعاليات الشعبية والنقابية الاردنية ، معبرين عن موقف جلالة الملك وحديثه أن من مصلحة الاردنيين الوقوف بحزم بالحرب على التطرف والارهاب ، وذلك من حديثه في شرح منهج الاسلام المعتدل الوسطي والمتسامح القائم على احترام حقوق الانسان ونبذ العنف والتطرف ، وان ممارسات هؤلاء المتطرفين والظلاميين أول ما يكتوي بنارها المسلمين أنفسهم.
ويؤكد جلالة الملك على ضرورة وضع استراتيجية عملية لمحاربة التطرف والارهاب عبر ثلاثة مستويات هي العسكري على المدى القصير ، والحل الامني على المدى المتوسط ، والايديولوجي على المدى الطويل لاستئصال وباء التطرف بشكل كامل ونهائي.
1- سورة الانبياء ، آية 107.
قائمة المصادر والمراجع :
1- القرآن الكريم.
2- الحديث النبوي الشريف.
3- الزبيدي ، محمد بن عبد الرزاق ، تاج العروس من جواهر القاموس ، دار الهداية.
4- ابن منظور ، لسان العرب ، جمال الدين ابو الفضل ، دار المعارف ، القاهرة.
5- المعجم الوسيط ، عبدالله البستاني ’ مكتبة لبنان ، بيروت.
6- ابن القيـــّم ، مدارج السالــكين ، شمس الدين ابو عبد الله ، الهيئــة العربيــــة للكتــــاب ، القاهرة ، 1980.
7- الطبري ، تفسير الطبري ، تحقيق عبد الله التركي ، مركز البحوث والدراسات الاسلامية ، دار الهجرة للطباعة والنشر.
8- الجامع المسند الصحيح المختصر من امور رسول الله علية الصلاة والسلام وسننه ( صحيح بخاري ) ، تحقيق محمد زهير الناصر ، دار النجاة.
9- سنن ابي داود ، ابي داود الاشعث ، بن بشر السجستاني ، تحقيق محمد عبد القادر ، دار الكتب العلمية ، بيروت.
10- ابن الجوزية ، الجواب الشافي لمن سأل عن الدواء الشافي ، أو الداء والدواء ، دار المعرفة ، المغرب.
11- ابن ماجه ، سنن ابن ماجه ، تحقيق محمد فؤاد عبد البـاقي ى، دار احيــاء الكتب العربية.
12- علي عبد القادر القرالة ، المقاومة والارهاب من منظور اسلامي ، دار الاسرة ، للنشر والتوزيع ، عمان ، 2006م.
13- احمد ابو الروس ، الارهاب والتطرف والعنف الدولي ، المكتب الجامعي الحديث ، الاسكندرية.
14-  سليمان الحقيل ، حقيقة موقف الاسلام من التطرف والارهاب ، مطابع الحميضي ، 2001م.
15- يوسف القرضاوي ، الصحوة الاسلامية بين الجمود والتطرف ، القاهرة ، دار الصحوة.
16- يوسف القرضاوي ، الخصائص العامة للاسلام ، مكتبة وهبه القاهرة.
17- زيد عبد الكريم ، الوسطية في الاسلام ، دار العاصمة ، الرياض.
18- خالد عبد الرحمن ، عوامل التطرف والغلة والارهاب وعلاجها في ضوء القرآن والسنة ، دمشق ، دار المكتبي.
19- مركز القدس للدراسات السياسية ، عمان.
20- مجمع الفقه الاسلامي ، المنبثق عن منظمة المؤتمر الاسلامي ، عمان.
21- احمد التل ، الارهاب العربي والغربي ، عمان ، 1988م.
* استاذ في جامعة العلوم والتكنولوجيا