أما والله إن الظلم لؤم

الدكتور محمد خلف بني سلامة 

جامعة العلوم الإسلامية العالمية

كلية الشريعة والقانون .
...................
 
قال بعضهم : رأيت رجلاً مقطوع اليد من الكتف وهو ينادي من رأني فلا يظلم أحدا فتقدمت إليه فقلت له يا أخي ما قصتك فقال قصة عجيبة ، أنني كنت من أعوان الظلم فرأيت يوماً صياداً وقد اصطاد سمكة كبيرة  فاعجبتني فطلبت منه أن يعطيني هذه السمكة فقال لا أعطيكها أنا آخذ بثمنها قوتاً لعيالي ، فضربته واخذتها منه قهراً ومضيت بها ، قال فبينما أنا أمشي بها عضت على إبهامي عضة قوية فلما جئت بها إلى بيتي و ألقيتها من يدي ضربت على أبهامي وعندها شعرت بألم شديد حتى لم أنم من شدة الوجع وورمت يدي فلما أصبحت أتيت الطبيب وشكوت إليه الوجع فااخبرني الطبيب هذا بداية الأكلة ولا بد من قطعها فقطع الإبهام واستمر القطع حتى وصل القطع لليد من الكتف فقال لي بعض الناس ما سبب وجعك فذكرت قصة السمكة فقال لي أذهب الآن إليه واطلب رضاه قبل أن يصل الوجع إلى بدنك كله ، فقال لم أزل أطلبه في البلاد حتى وجدته فوقعت تحت قدميه وأقبلها وأبكي وقلت يا سيدي سألتك بالله ألا عفوت عني فقال ومن أنت قلت أنا الذي أخذت منك السمكة غصباً وذكرت ما جرى وأريته يدي فبكى حين رأها ثم قال يا أخي قد أحللتك منها لما رأيته بك من هذا البلاء ، فقلت يا سيدي بالله هل كنت دعوت عليّ لما أخذتها قال نعم ، قلت اللهم إن هذا تقوى عليّ ظلماً بقوته على ضعفي على ما رزقتني فأرني قدرتك فيه . فقلت يا سيدي قد آراك الله قدرته فيّ وأنا تائب إلى الله عز وجل .
 
إن من أهم أمراض ومشكلات عصرنا الظلم على مختلف اشكاله وصوره وبمراقبة الأحداث في مجتمعاتنا والعالم أجمع  يشاهد هذه الظاهرة بشكل واضح فالقوي يقهر الضعيف والغني يستعلي على الفقير ، يقول ابن تيمية رحمه الله ( إن عاقبة الظلم وخيمة وعاقبة العدل كريمة ، الله ينصر الدولة العادلة و إن كانت كافرة ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة ) فالظالم من أحرى الناس بلعنة الله وعذابه وغضبه ونكاله ،فجزاء الظالم محضراً معجلاً ودعوة المظلوم جلجلت في الآفاق و اخترقت السبع الطباق وجاءت إلى الجبار فأقسم جل جلاله لأنصرن صاحبها ولو بعد حين قال صلى الله عليه وسلم : ( ثلاثة لا ترد دعوتهم ................ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء ويقول الرب : وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين )
 
 لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً                                             فالظلم آخراه يأتيك بالندم
 
نامت عيونك والمظلوم منتبه يدعو عليك                           وعين الله لم تنم
 
فدعوة المظلوم تصيب في النفس والمال والولد ، دعوة المظلوم تقلب الصحة إلى السقم والسعادة إلى شقاء وتحول حال الإنسان من عز إلى ذل ومن غنى إلى فقر ، علينا أن نعود للتاريخ لنرى العبرات والعظات فقد ورد أن خالد بن يحيى جاء إليه أبنه وهما في السجن مصفدين مغلولين مقهورين مأسورين فقال له ( ياأبت بعد الأمر والنهي والنعمة صرنا إلى هذا الحال صودرت أملاكنا قتل إخواننا شردت نسائنا فما الذي صيرنا إلى هذا الحال و المآل ؟  قال يا بني دعوة مظلوم سرت بليل ونحن عنها غافلون ولم يغفل الله عنها ثم أنشد قائلاً :
 
( رب قوم قد غدو في نعمة زمنا والدهر ريان غدق        سكت الدهر زماناً عنهم ثم أبكاهم دماً حين نطق )
 
وإذا سلم الظالم من هذا الموقف فلا محالة هناك موقف آخر بين يدي الرحمن ( يوم تبلغ الروح الحلقوم وقد شخصت العينان وثقل اللسان وارتخت اليدان وامتدت الساقان وقد انقطعت الاسباب بالإنسان ، وفارقت الأحباب وواجهت الحساب يوم تعالج سكرات الموت وآلامه فما هو موقف الظالم في ذلك اليوم العظيم ، فالظلم من الذنوب العظيمة التي حرمها الله على عباده ورتب عليها العقوبة في الدنيا والآخرة قال تعالى : ( ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) فالظلم وهو عبارة عن وضع الشي في غير  موضعه أو هو التعدي عن الحق إلى الباطل وفيه نوع من الجور ؛ إذ هو إنحراف عن العدل . والنصوص الواردة بذم الظلم كثيرة منها قوله تعالى :  ( وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا ) الكهف / 59 وقوله تعالى : ( والله لا يحب الظالمين ) آل عمران /57 وقوله تعالى : ( ألا إن الظالمين في عذاب مقيم ) الشورى / 45 وعن أبي موسى الأشعري قال قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ) وعنه صلى الله عليه وسلم من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه  من سبع أراضيين ) وكان يزيد بن حاتم يقول ( ماهِبتُ شيئاً قط هيبتي من رجل ظلمته و أنا أعلم أن لا ناصر له إلا الله فيقول : حسبي الله بيني وبينك ) وبكى عليّ بن الفضيل فقيل له ما يبكك فقال:( أبكي على من ظلمني إذا وقف غداً بين يدي الله تعالى ولم تكن له حجة ) وقال أبو الدرداء ( إياك ودعوة المظلوم فإنها تسري بالليل والناس نيام ) ، وقيل( من سلب نعمة غيره سلب نعمته غيره) ويقال : ( من طال عدوانه زال سلطانه ) والظلم يجلب غضب الرب تعالى ويخرب الديار وبسببه تنهار حياة الظالم ، والظالم يحرم شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو يدل على ظلمة القلب وقسوته ويؤدي إلى صغار الظالم عند الله وذلته وما ضاعت نعمة صاحب الجنتين إلا بظلمه ( ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا ) الكهف / 35 وما دمرت حياة الكثير من الأمم إلا بسبب الظلم قال تعالى : ( فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ) الأنعام /45 وقال تعالى :( فأخذناه وجنوده فنبذناهم في أليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ) القصص / 40 وقال تعالى عن قوم لوط ( فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد ) هود /82 ــ83 وأهلك الله سبحانه وتعالى قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الأيكة قال تعالى : ( فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون )العنكبوت /40
قال أبو العتاهية : أما والله إن الظلم لؤم وما زال المسيئ هو الظلوم إلى ديان يوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصوم  من الملوم ستعلم في الحساب إذا التقينا  غداً عند الإله
 
فما شاع الظلم إلا شاع معه القهر والذل والهوان والهلاك  قال تعالى : ( وتلك القرى أهلكناهم لمّا ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا ) الكهف /59 وقد ذكر العلماء أن هناك ما يقارب التسعون فائدة من حديث ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني اهدكم .........) ومنها منادة الله لعباده مما يبعث السكينة في قلوب العباد ودل الحديث بلفظه الصريح على تحريم الظلم مطلقاً .