السوسنة - إن هذه الحادثة أو القصة التي هي معروفة لنا ارتبطت بشخصيتين من شخصيات المسلمين الأوائل ويتجلى فيها معنى العناية الإلهية ، وما يسمى في عالمنا المعاصر باسم التخاطر عن بعد وكانت شخصيات هذه الحادثة هي :
ـ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب القرشي - رضي الله عنه - ، والملقب أبو حفص ، هو ثاني الخلفاء الراشدين ، وسراج أهل الجنة .
ـ سارية بن زُنَيم بن عبدالله الدؤلي ، فارس من فرسان الإسلام ، وقائد لجيوش المسلمين أثناء فتوحات فارس سنة 23 هجري .
أما الحادثة هذه فسنوردها كما رواها أسلم ويعقوب ونافع مولى ابن عمر .
أن عمر بن الخطاب أرسل سارية بن زنيم على رأس جيش المسلمين ليقاتل المشركين على أبواب نهاوند في بلاد الفارس ، وقد كان سارية أخذ من جبل عظيم مستقرا له ؛ ليسيطر على أوضاع المعركة ، فعمد المشركين إلى حيلة ليبعدوا سارية وجيشه عن الجبل ، فتظاهروا بالانسحاب ليلحق الجيش بهم مبتعدا عن الجبل ، وبهذا يكون قد انكشف ظهر جيش الإسلام ، ولما همّ سارية بالنزول عن الجبل لحاقا بهم ، كثر عليه الأعداء حينها .
و في نفس الوقت كان عمر بن الخطاب يخطب خطبة الجمعة على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المدينة ، فإذا بعمر رضي الله عنه أثناء الخطبة يقطع حديثه وينادي بصوت عالٍ : " يا سارية الجبل، ياسارية الجبل، من استرعى الذئب الغنم فقد ظلم ".
فالتفت الناس واستغربوا فعل عمر ، وقالوا له : ماهذا الكلام ؟!
فقال عمر : والله ما ألقيت له بالا ً، شيء أُتي به على لساني ، ونطقته .
ثم سأل المسلمون علياً بن أبي طالب - رضي الله عنه - ، عن ذلك ، حيث أنه كان حاضراً في خطبة الجمعة ، ماذا يقول عمر ؟ وأين سارية منّا الآن ؟!
فقال علي : " ويحكم ! دعوا عمر فإنه ما دخل في أمر إلا خرج منه ".
وفيما بعد ، وبعدما رجع سارية من معركته ، أتى لعمر رضي الله عنه في المدينة وقال له أحداث المعركة ، وقال : يا أمير المؤمنين كنا نحاصر العدو ، وبعدما نزلنا في منخفض من الأرض وهم اعتلوا الجبل ، سمعت صوتا ينادي : يا سارية الجبل .
فصعدتُ بأصحابي حينها الجبل، فما كانت إلا ساعة واحدة حتى فتح الله علينا بالنصر .
وإن هذه الحادثة هي دلالة واضحة على عناية الله تعالى بالمؤمنين المجاهدين ، وأيضا على إكرام الله للخليفة العادل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.