السوسنة - الصحابي الجليل عمرو بن العاص - رضي الله عنه - كان رجلا حاد الذكاء ، وعميق الرؤية ، قوي البديهة .
وكان الخليفة الراشد وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إذا رأى مرة إنسانا قليل الحيلة ومحدود التفكير ، صكّ كفيه عَجبا . ثم يقول " سبحان الله إن خالق هذا وخالق عمرو بن العاص إله واحد " .
فسبحان من وزع الأرزاق حتى في العقول والحكمة والدهاء ، أما عمرو بن العاص فسمي داهية العرب ، ومن بعض المواقف التي أبدى فيها عمرو هذا العقل الفذ .
موقفه الذي حصل مع قائد حصن بابليون ، في مصر أثناء حربه للرومان . فقد دعاه القائد ليحادثه وكان هذا القائد داهية في الذكاء أيضا ، وأعطى أمرا لبعض فرسانه المتواجدين في الحصن بإلقاء صخرة على ابن العاص في الوقت الذي يخرج به من الحصن ، وأعدّ وجهز كافة التدابير ليكون قتل عمرو أمرا واقعا لا محالة .
لبى عمرو بن العاص دعوة القائد ودخل عنده الحصن ، ولم يريب عمرو أي شيء ، وانفض لقاؤهما ، وبينما هو خارج من الحصن ، وإذ هو يلمح حركة مريبة فوق السور ، وقد أثارت هذه الحركة في نفسه وجوب الحذر .
فتصرّف حينها بشكل باهر.
وعاد لقائد الحصن بخطوات مطمئنة وئيدة ثابتة ، وبمشاعر متهللة ، وكأنه لم يثر شكوكه اي أمر ، فدخل على القائد وقال له : " لقد بادرني خاطر أردت أن أطلعك عليه ، إن معي في معكسري جماعة من أصحاب الرسول السباقين للإسلام ، وأمير المؤمنين لا يبث في أمرا دون مشورتهم ، ولا يرسل جيشا للفتح إلا جعلهم على رأسه وبين جنوده ، وإني رأيت أن آتيك بهم ، ليسمعوا منك الذي سمعت ، ويكونوا من الأمر على بيّنة ، مثلما اتضح لي من حديثي معك " .
وقائد الروم أيقن أن عمراً بن العاص قد منحه فرصة العمر بسذاجة منه .
ووافقه القائد على رأيه ، حتى يعود عمرو للحصن ومعه عدد من زعماء المسلمين وخيرة رجالهم ، ليقتلهم جميعا بدلا من أن يجهز على عمرو وحده .
وبصورة غير ملحوظة أعطى أمره بإلغاء الخطة التي كانت قد أصبحت جاهزة وودّع عمرو بحفاوة ، وصافحه بحرارة ، فابتسم عمرو داهية العرب وهو مغادرا للحصن .
وفي صباح اليوم الذي يليه عاد عمرو للحصن وهو على رأس جيشه ، وممتطيا صهوة جواده ثم كان فتح مصر .
الصحابي الجليل عمرو بن العاص - رضي الله عنه - هو أحد فرسان قريش وأبطالها ، وأذكى رجال العرب ، وأشدهم دهاءً وحنكة وحيلة ، وكان إسلامه قبيل فتح مكة ، وعرف عنه أنه مجاهدًا شجاعًا يحب الله ورسوله ، ويعمل على الدوام لرفع لواء الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها ، وكان رسول الله يحبه ويوليه قيادة بعض السرايا الجيوش ، ويقول عنه : "عمرو بن العاص من صالحي قريش ، نعم أهل البيت أبو عبد الله ، وأم عبد الله ، وعبد الله ) .
وبعدما فتح مصر ، ولّي أميرا عليها ، وبقي فيها حتى توفي ودفن أيضا تحت ثراها .
فما أحوجنا لقادة يمتازوا بذكاء وحنكة ، كتلك التي اتسم بها عمرو بن العاص .