هجرة ﺃﺑﻮ ﺟﻨﺪﻝ وإسلامه وإرجاعه للمشركين

السوسنة - كان لهجرة الصحابي الجليل أبو جندل بعد إسلامه قصة أثرت على الرسول – صلى الله عليه وسلم – والمسلمين ، حتى كاد الصحابة أن يخرجوا عن أمر رسول الله ويهلكوا بذلك الموقف.

وابتدأت القصة عندما ﺟﺎﺀ ﺃﺑﻮ ﺟﻨﺪﻝ ﺑﻦ ﺳﻬﻴﻞ ﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ لرسول الله معلنا إسلامه في نفس وقت ﺗﻮﻗﻴﻊ ﺻﻠﺢ ﺍﻟﺤﺪﻳﺒﻴﺔ .وﻛﺎﻥ أباه ﺳﻬﻴﻞ ﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ هو ﻣﻔﺎﻭﺿﺎ ﺷﺮﺳﺎ ، ﻭﺧﻄﻴﺒﺎ ﻣﻔﻮﻫﺎ يجلس على رأس جموع المشركين في الصلح ، وﻛﺎﻥ إحدى ﺷﺮﻭﻁ ﺍﻟﺼﻠﺢ ﺃﻥ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ﻳرجع ﻛﻞ ﻣﻦ ﺟﺎﺀﻩ ﻣﻬﺎﺟﺮﺍ وﻣﺆﻣﻨﺎ من مكة ، ولكن ﻗﺮﻳﺶ لا ترد ﻣﻦ ﺟﺎﺀ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ . 


ﻭﻫﺬﺍ ﺃﻣﺮ قد ﺭﺁﻩ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺻﻌﺒﺎ وفيه ظلم للإسلام والملسمين ، ﻭما ﺯﺍﺩ الأمر ﺻﻌﻮﺑة بنظرهم ؛ ﺭﺅﻳﺘﻬﻢ ﺃﺑﺎ ﺟﻨﺪﻝ يستجير ﺑﺎﻟﻨﺒﻲ ﻭﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﻣﻦ ﺑﻄﺶ وظلم ﻗﺮﻳﺶ بعدما أعلن إسلامه .

 ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ ﻓﺮﺻﺔ أمام سهيل ﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ ليرى ﺃﻭﻝ ﺍﺧﺘﺒﺎﺭ ﺻﻌﺐ يواجهه النبي وصحبه من الصلح ، ﻭﻃﻠﺐ ﻣن الرسول ﺃﻥ ﻳﺴﻠﻤﻪ ﺃﺑﻮ ﺟﻨﺪﻝ (إبنه) ، ففاوضه ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺜﻨﻲ ﺃﺑﺎ ﺟﻨﺪﻝ ﻣﻦ ﺍﻻﺗﻔﺎﻕ ، ﻭﺭﻓﺾ ﺳﻬﻴﻞ ذلك وأصر على استرجاع إبنه أبا جندل  ، فأرسل النبي أبا جندل مع أنه كان أمرا شاقا وعسيرا عليه . 

فصاح ﺃﺑﻮ ﺟﻨﺪﻝ حينها بمعشر المسلمين متألما من إرجاعه ﺃيرد هو إلى ﺍﻟﻤﺸﺮﻛﻴﻦ ﻭﻗﺪ ﺟاءهم ﻣﺴﻠﻤﺎ ، أم أنهم لا يرون ﻣﺎ ﻗﺪ لقي وما سيلقى عند رجوعه ؟  ﻭﻛﺎﻥ هذا بعدما ﻋﺬﺏ ﻋﺬﺍﺑﺎ ﺷﺪﻳﺪﺍ بسبب إسلامه . 

فأخبره ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ - ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ -  أن يصبر ﻭيحتسب ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻠﻪ سيجعل له ﻭﻟﻤﻦ ﻣﻌه ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺘﻀﻌﻔﻴﻦ والمظلومين ﻓﺮﺟﺎ ﻭﻣﺨﺮﺟﺎ.  وأضاف النبي أيضا أنه ﻗﺪ ﻋﻘد بينه ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﻮﻡ ﺻﻠﺤﺎ ﻭﺃﻋﻄﺎﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻋﻬﺪ ﺍﻟﻠﻪ ، ﻭهو ﻻ يغدر أو ينقض عهده . 
و ورد في ﻛﺘﺐ ﺍﻟﺴﻴﺮ  ﺃﻥ ﺃﺑﺎ ﺟﻨﺪﻝ قد ﻓﺮﺝ ﺍﻟﻠﻪ ﻛﺮﺑﻪ وهمه ، ﻭكان قد فلت ﻣﻦ قبضة ﺍﻟﻤﺸﺮﻛﻴﻦ ﻭلحق ﺑﺄﺑﻲ ﺑﺼﻴﺮ هو وﺳﺒﻌﻴﻦ ﺃﻭ أﻛﺜﺮ ، واستقروا في الجبال ليصبحوا ﻣﺼﺪﺭ ﺗﻬﺪﻳﺪ ﻟﻌﻴﺮ وقوافل ﻗﺮﻳﺶ ، فيأخذوا قوافلهم ويقتلوا رجالهم . 

وبسبب الضرر الذي لحق بقريش من الرجال المستقرين في الجبال ، طلبوا من ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺃﻥ ﻳﻠﻐﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺮﻁ ﻭﺃﻥ ﻳﻘﺒﻞ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ القادم إليه ﻣﻦ ﻣﻜﺔ . ﻓﻜﺎﻥ بذلك ﺻﺒﺮ ﺃﺑﻲ ﺟﻨﺪﻝ ﻭﺃﺑﻲ ﺑﺼﻴﺮ ﻭﻣﻦ معهم ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ  هو فرجا من بعد ضيق .


فبﻌﺚ ﺍﻟﺮﺳﻮﻞ إلى ﺃبي ﺟﻨﺪﻝ ﻭﺃبي ﺑﺼﻴﺮ ﻭﻣﻦ ﻣﻌﻬﺎ ﻟﻴﻘﺪﻣﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ،  ولكن ﻤﺎﺕ ﺃﺑﻮ ﺑﺼﻴﺮ ﻭﻛﺘﺎﺏ رسول الله الذي أُرسل إليهم ﻋﻠﻰ ﺻﺪﺭﻩ ،  ﻭﺭﺟﻊ ﺃﺑﻮ ﺟﻨﺪﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ . وبقي ﻳﺠﺎﻫﺪ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﺣﺘﻰ لقي الله ؛ إثر إصابته  بطاعون ﻋﻤﻮﺍﺱ .

وﻗﺼﺘﻪ هي ﻣﻦ ﺃﺷﻬﺮ ﻗﺼﺺ ﺍﻟﻤﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ، فلم يرجع عن دينه رغم إرجاع الرسول له ، بل بقي متمسكا ولجأ للحيلة لكي لا يعطي الدنية في دينه ، فرضي الله عنه وأرضاه .