قصة سيدنا بلال رضي الله عنه حتى إسلامه

السوسنة - بلال بن رباح سيرةٌ خالدةٌ في أذهان الأجيال، واسمه مرتبطٌ بأعظم شعائر الإسلام، وإيمانه وشجاعته نقشت على ذلك الصخر الذي وضع على صدره في حر الصحراء القاحلة بُغيةَ أن يَكفرَ بما آمنَ ،فما كان يقول إلا :أحدٌ أحد. 


صورته ترتسم في الأذهان من وصف الكتب له ،وصوته كأنه يسمع كل يوم من مآذنِ المساجد.

كان بلال -رضي الله عنه- شديد السُّمرةِ ، نحيفُ الجسد، مفرطُ الطّولِ، وكث الشعر، حبشي من أمةٍ سوداء لأناس من بني جمح بمكة. عاش حياةَ الرّقيق ؛  كانت أيّامُهُ الأولى قاحلة متشابهة لا حقّ له في يومه ولا أمل له في غَدِهِ.


حتى بدأت أنباء محمد -صلى الله عليه وسلم- تصلُ إلى سَمعِهِ من مجالسِ سيِّدِهِ وضيوفِه ومما كان يتناقَلهُ النّاس في مكة، إلى أن جاء ذلك اليوم عندما خرج بلال يرعى غنم سيّده، فإذا به يمر بالغار الذي اعتزله الرسول- صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر الصديق، فأطلع الرسول -صلى الله عليه وسلم- رأسه الشريفة من الغار وقال: ياراعِ هل من لبن؟ فقال بلال: مالي إلا شاة واحدة منها قوتي، فإن شئتما آثرتُ لكما بلبنِها اليوم ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إتِ بها، فجاء بلال بها فدعا الرسول بقعبه ثم اعتقلها فحلب في القعب حتى مُلأَ وشربَ حتى رُويَ ،ثم حلب حتى مَلأَهُ فسقا أبا بكرٍ، ثم احتلب حتى مَلأَهُ فسقا بلال حتى رُوي.

ثم أرسلها وهي أحفل مما كانت عليه ثم قال رسول الله: يا غلام هل لك في الإسلام ؟ فإنّي رسولُ الله فأسلم،  ثم قال له: اكتمإ اسلامَك . ثم انصرف بلالٌ بغنمِه وقد تضاعف لبنُها، فقال له أهله : لقد رعيت مرعى طيبًا فعليك به.

فعاد إليه ثلاثة أيام يسقيهما ويتعلم الإسلام، حتى اليوم الرابع فمر أبو جهل بأهل عبد الله بن جدعان، فقال إني أرى غنمك قد نامت وكثر لبنها، فقالوا: قد كثر لبنها منذ ثلاثة أيام وما نعرف منها ذلك، فقال :عبدكم ورب الكعبة يعرف مكان محمد فامنعوه أن يرعى المرعى.

دخل بلال الكعبة يومًا ولم يرى أحدًا ثم بصق على الأصنام وقال: خاب وخسر من عبدكن، فطلبته قريش فهرب حتى دخل بيت سيّده ثم سلّمَه سيّدَهُ لأبي جهل وأمية بن خلف، وقد اشتّد غيظُ أميَّةَ ورأى في إسلام عبد من عبيدهم لطمةً جلّلتهم بالخزيِ والعار، وها قد بدأَ العذاب.

كانوا يُخرجون بلالًا في الظَّهيرة تحت حر شمس الصحراء الحارقة، ويطرحونه على حصاها الملتهب، ثم يأتون بحجر متسعر كالحميم، ويلقون به فوقه ويصيح به جلادوه، أذكر اللّات والعُزّة، فيجيبهم : أحدٌ أحد، وإذا حان الأصيل، أقاموه وجعلوا في عنقه حبلًا ثم أمروا صبيّانَهم أن يطوفوا به جبال مكةَ وطرقها.

مر به ورقة بن نوفل وهو يعذَّب ويقول: أحدٌ أحد، فقال: يا بلال أحدٌ أحد، والله لأن مِت على هذا لأتخذنَّ قبرك حنانًا، أي بركة.

ويمر أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- أمام بلال وهو يُعَذَّب فقال لسيّدهِ :اشتريه منك يا أُميّة، فقال أمية: خُذهُ ولو بعشرةِ دنانير والله لو جعلت ثمنه ٢٠٠ ألف دينار لاشتريته منك، فاشتراه الصديق -رضي الله عنه- واعتقه لوجه الله.

ثم بدأت قوافل المسلمين تهاجر إلى المدينة فكان بلال- رضي الله عنه- ممن ترك مكة وهاجر إلى مدينة رسول الله --صلى الله عليه وسلم- .

 وآخى الرسول بين بلال وبين أبي عبيدة بن الجراح، وشرع الرسول للصلاة آذانِها واختار بلالًا- رضي الله عنه - ليكون أول مُؤَذن في الإسلام.


انتشر ذكره في الآفاق منذ ذلك الوقت إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وكان كلما حان وقت الصّلاة، قام بلال يهتف : اللهُ أكبر اللهُ أكبر، فتنتفظ أجساد المؤمنين من صوته.

وكان كل ما أصاب الرسولُ كَربٌ نادى بلالًا ويقول له: أرحنا بها يا بلال، وكان - رضي الله عنه- يأتي للرسول -صلى الله عليه وسلم - بماءِ الوضوء وكان يأخذ حذاءه ويرى في ذلك الشرف العظيم.

وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يحبه ويدنيه منه، وسرى هذا الحب في قلب بلال، فعوضه عن كل شيء، عن أهله في الحبشة وعن أقربائه وجيرانه، وتاريخه كله هناك.