ما حكم تحديد جنس الجنين بالطرق الطبية الحديثة ؟

السوسنة - الأبناء من النعم الكبيرة التي أعطاها الله للإنسان، بل هم زينة الحياة كما قال تعالى :"المال والبنون زينة الحياة الدنيا" الكهف 46 وقد يبتلي الله بعض الناس بأن لا يرزقوا بالأبناء أبداً، بينما يبتلي البعض بأن لا يرزقوا إلا بالذكور، والبعض الآخر بأن لا يرزقوا إلا بالإناث، وله سبحانه حكمة في كل ما يقدر من الأرزاق للناس.

ومع تطور العلم أصبح بالإمكان عزل الحيوانات المنوية ذات الكروموسوم X والتي تحدد جنس المولود كأنثى، عن الحيوانات المنوية التي تحمل الكروموسوم Y والتي تحدد جنس الجنين كذكر، وعليه يمكن أن يتم اختيار الحيوانات المنوية المناسبة لتخصيب البويضة، ليتم تحديد جنس الجنين بحسب رغبة الأبوين، ولكن هل يجوز هذا التدخل؟ وما رأي الشرع فيه؟ هذا ما سوف نفصله في المقال التالي.  


- ما حكم محاولة تحديد جنس المولود والسعي لذلك بشتى الطرق المتاحة؟
الأصل في الأشياء الإباحة، كما أن الرغبة في مولود ذكر لمن رزق بالإناث فقط أو مولودة أنثى لمن رزق بالذكور فقط من أصل فطرة الإنسان، ولا ننسى آيات القرآن الكريم التي تحدثنا عن دعاء نبي الله ابراهيم وزكريا عليهما السلام بأن يرزقهما الله أبناءً ذكوراً يحملون دعوتهما من بعدهما، واستجابة الله لدعواتهما بأن رزقهما بيحيى وإسماعيل عليهما السلام، لذلك فإن سعي الإنسان لتحديد جنس مولوده ومحاولته ذلك بشتى الوسائل من تناول أطعمة معينة، أو تحديد وقت الجماع أو غيرها من الطرق المنتشرة بين الناس لا بأس فيه، ولكن هل تعتبر الطريقة المخبرية لفصل الحيوانات المنوية وتحديد الجنس من الطرق المقبولة شرعاً؟

- ما حكم تحديد جنس الجنين بفصل الحيوانات المنوية مخبرياً؟
اختلف العلماء في حكم هذا النوع من العمليات، فقد قال فريق بتحريمها على الإطلاق، بينما رأى الفريق الآخر جوازها ولكن بشرط أن تخضع لعدة ضوابط وشروط، ولكل من الفريقين ما يستدل به على رأيه.

فأما من حرموها:
 فقد قالوا إن الأولى بالمسلم الرضا بقضاء الله، إذ إنه لا يعلم إن كان ما يسعى إليه فيه الخير له أم لا، فربما لا يجلب له المولود الذي يرغب فيه السعادة أبداً، بل ربما يكون فيه شر له صرفه الله عنه، ولكن مع ذلك فإن محاولة تحديد جنس الجنين بالطرق العادية التي أسلفنا ذكرها لا بأس فيها، كاختيار أنواع معينة من الأطعمة أو استخدام الغسول الكيميائي أو تحديد مواعيد دقيقة للجماع بناء على موعد التبويض وغيرها من الطرق المباحة أصلاً لأنها لا تحتوي على أي أفعال غير مباحة.

كما قالوا إن الخسائر والمفاسد والضرر المرتبط بالعملية من كشف للعورات واحتمال لخلط الأنساب إذا لم يكن من يقوم بالتلقيح شخصاً يمكن الوثوق به، والتكاليف المادية الباهظة، كلها لا تكافئ المنفعة التي سيحصل عليها الزوجان في النهاية، فبرأيهم إن تحديد جنس الجنين لا يبرر كل ما سبق ذكره من ضرر.

ولكنهم أجازوا هذه العملية في حالة واحدة وهي وجود الأمراض المرتبط بالجنس في العائلة،  وهذه الأمراض ترتبط بجينات الأفراد، فبعضها يصيب الذكور فقط، وبعضها يصيب الإناث فقط، وفي هذه الحالة يمكن أن يلجأ الأبوان إلى تحديد جنس الجنين، لتجنب ولادة طفل مريض. 


وأما من أجازوها:
فقد وضعوا بعض الضوابط والشروط التي تحكم العملية وهي:
1- أن تقتصر هذه العمليات على الأفراد، ولا تكون  سياسة عامة للدولة أو لمؤسسات معينة، لأن ذلك سيؤدي إلى اختلال في توازن أعداد الذكور والإناث في المجتمع، وسينشأ عنه الكثير من المشاكل الإجتماعية لاحقاً.

2- أن تكون هناك حاجة لهذا الإجراء كوجود مرض وراثي مرتبط بالجنس، أو أن يكون الشخص قد رزق بالذكور أو الإناث فقط، ولا يجوز أن يقوم بهذا الإجراء إذا كان قد رزق بالأولاد والبنات معاً، أو إذا كان في بداية زواجه ولم يرزق بالأولاد بعد.
3- وجود إجراءات وتدابير صارمة لمنع أي اختلاط أو خطأ في عينات الحيوانات المنوية، لحفظ الأنساب.

4- حفظ العورات والكشف بقدر اللازم مكاناً وزماناً، والحرص على أن يقوم بالعملية التي تستوجب كشف العورة شخص من نفس الجنس.
5- أن يكون تحديد الجنس بتراضي الوالدين، لا برغبة أحدهما فقط.

6- أن يستحضر الشخص في نفسه دائماً أن هذا الإجراء إنما هو تدبير يقوم به للأخذ بالأسباب، ولكن الأمر كله عائد لمشيئة الله وإرادته.

كما دعا العلماء الدول التي تجيز هذا النوع من الإجراءات إلى أن تخصص جهات معينة لمراقبة نسب المواليد ووضع القوانين والضوابط لمنع الإخلال بتوازن النسب بين الذكور والإناث.

المصادر : دار الإفتاء المصرية

رقم الفتوى: 1231 لسنة 2007 تاريخ النشر في الموقع : 15/12/2017


المفتي: علي جمعة محمد