السوسنة - كتب نابليون عنه تقريرا و هو في المدرسة الحربية بوصفه نموذجا يحتذى في صفاته . و معاركه تدّرس في جامعات العالم كنموذج عسكري حديث .
هو خالد بن الوليد بن المغيرة ، و أبوه كان زعيما بين زعماء ، من أغنى أبناء زمانه ، إذ يروي سفيان الثوري أنه كان يملك ألف ألف دينار ، فلقب بالوحيد و بريحانة قريش لأجل ذلك ، و قد جاء ذكره في القرآن الكريم في سورة المدثر : " ذرني و من خلقت وحيدا و جعلت له مالا ممدوا و بنين شهودا و مهدّت له تمهيدا " .
وقيل أيضا أن الوليد بن المغيرة كان ينهى أن توقد نار غير ناره في منى لإطعام الحجيج ، و قيل إنه انتهى عن الخمر أيام الجاهلية بغير ناهٍ ، و ذلك لأنه كان يأنف لنفسه أن يُرى سكران .
وقد كان من أفقه الناس بكلام العرب ، و قوله عند سماعه للقرآن الكريم قول مشهور : " و الله إن له لحلاوة ، و إن عليه لطلاوة ، و إن أعلاه لمثمر ، و إن أسفله لمغدق ، و إنه يعلو و ما يعلى عليه " .
وبناء على ذلك لم يكن لخالد حاجة إلى التجارة و اكتساب العيش ، فثروة والده تغنيه ، لكنّ مع ذلك فقد أرسله والده – الوليد بن المغيرة – كما هي عادة الأشراف في حواضر الحجاز إلى البادية قصدا ، و ذلك لرياضة النفس و الجسد على خشونة الأعراب ، فنشأ قويا مستعدا أشد استعداد ليخوض أي حرب ، و قد اشتهر بترويض نفسه و مما يروى في ذلك أن الرسول عليه الصلاة و السلام عاف أن يأكل من لحم الضب لأنه ليس من طعام قومه ، فاجتر خالد الضب و أكله .
و لما جاء الإسلام كان خالد بن الوليد فتى صغيرا فنفر منه كما نفر قومه ، و ما إن شب و بلغ مبلغ الزعامة في القتال حتى قاد الميمنة في وقعة أحد المشهورة ، و كانت عبقريته العسكرية سببا في فوز المشركين على المسلمين .
و قد كان ضمير خالد قبل إسلامه يدعوه للإسلام ، و بعد صلح الحديبية و بينما كان المسلمون يؤدون عمرة القضاء ، سأل الرسول - عليه الصلاة و السلام - الوليد بن الوليد – أخا خالد – و سأله عن خالد ، فمضى الوليد إلى خالد يخبره بما حدث قائلا : " سألني رسول الله – صلى الله عليه و سلم – فقال : أين خالد ؟ فقلت : يأتي الله به . فقال : ما مثل خالد يجهل الإسلام ، و لو كان جعل نكايته وحده مع المسلمين على المشركين لكان خيرا له ، و لقدمناه على غيره " . فاستدرك يا أخي ما فاتك منه ، فقد فاتتك مواطن صالحة . فوافق هذا الأمر هوى خالد ، فأعلن إسلامه و معه عمرو بن العاص و عثمان بن طلحة العبدري ، عام 8 هـ ، فقال الرسول - صلى الله عليه و سلم - : " إن مكة قد ألقت إلينا أفلاذ كبدها " .
و قد قدّر الرسول – عليه الصلاة و السلام – خالدا أحسن تقدير لأنّه عرف قدراته ، فسماه " سيف الله " ، قبل أن يهزم المرتدين ، و قبل أن يهزم الفرس و الروم ، و قبل أن يضم للعرب العراق و الشام . و كان قبل ذلك كله قد أشركه في غزوة مؤتة و غزوة حنين و سرية بني جذيمة .
نتصر في معاركه ، و تعددت أسباب االنصر التي تكلم عنها النقاد العسكريون ، و يجمل العقّاد قولهم في عبقرياته بأن خالد لم تنقصه قط صفة من صفات القائد الكبير ، و هي : الشجاعة ، و الجلد ، و النشاط ، و قوة التأثير ، و سرعة الملاحظة ، و حضور البديهة ، و اليقظة .
وكان يستطلع أخبار العدو ، و يتكتم على أخباره ، و يمزق الجيوش لأنه أجدى من الحصار والاحتلال ، و يباغت و يسارع ، و يثير المنافسة بين جنده و أعوانه ، و يمتلك القوة الأدبية التي تجعل صدور جنده تجيش ثقة و إيمانا بالنصر و سعيا للفوز ، و يتخذ من الغيرة على العرض مددا لهذه العزائم .