هل يجوز رجوع الوالد عن هبته لولده .. الافتاء توضح

السوسنة

الهبة هي الهدية من الله والتبرع والتفضل على الغير، أي بما ينتفع به مطلقا سواء كان مالا ام غير مال.

والسؤال الذي يطرحه البعض ما حكم رجوع الوالد عن هبته لولده؟

أوضحت دائرة الافتاء العام حكم هذا الامر، وتاليا نص الإجابة:

"الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله

الهبة تلزم بالقبض، ولا يجوز الرجوع فيها بعده؛ لأن سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ) رواه البخاري.

واستثنى فقهاء السادة الشافعية من هذا الأصل رجوع الأب عن هبته، كما قال الإمام النووي رحمه الله: "أما إذا وهب لولده وإن سفل، فله الرجوع فيه، كما صرح به في حديث النعمان بن بشير، ولا رجوع في هبة الإخوة والأعمام وغيرهم من ذوي الأرحام" [شرح النووي على مسلم 11/ 64].

واشترط الفقهاء لرجوع الأب عن هبته لولده أن يبقى الموهوب تحت تصرف الموهوب له، كما قال الإمام النووي رحمه الله في [منهاج الطالبين/ ص171]: "وللأب الرجوع في هبة ولده، وكذا لسائر الأصول على المشهور، وشرط رجوعه بقاء الموهوب في سلطنة المتهب، فيمتنع ببيعه ووقفه، لا برهنه وهبته قبل القبض".

وذهب السادة الحنفية إلى منع الرجوع في الهبة في حالات، منها: وجود الرحم المحرم بين الواهب والموهوب، ورجوع الوالد في هبته لولده، قال الإمام السرخسي الحنفي رحمه الله: "الوالد إذا وهب لولده هبة ليس له أن يرجع فيها، كالولد إذا وهب لوالده" [المبسوط 12/ 49]، وهذا لأن في الرجوع قطيعة للرحم، وإذكاء لنار الخصومة بين الأهل.

وقد نصت المادة (866) من مجلة الأحكام العدلية: "إذا وهب شخص شيئا لأصوله وفروعه، أو لأخيه، أو لأخته، أو لأولادهما، أو لأخٍ، وأخت أبيه وأمه؛ فليس له الرجوع بعد الهبة".

وجاء في شرح هذه المادة: "قرابة النسب -يعني ذي الرحم أي المحرمية بالنَّسب الوارد ذكرها في كتاب النكاح- مانعة عن الرجوع في الهبة الصحيحة حتى لو اختلفا ديناً وداراً، يعني من وهب شيئا لأصوله كأبيه أو لأبي أبيه، وكذا لأبي هذا وأمه، أو لأمه، وأم أبيه، ولأبي أمه، وفروعه يعني لابنه أو ابنته، أو لأولادهما، أو لأولاد أولادهما، أو لأخيه، أو لأخته، أو لأولادهما يعني لابن أخيه، أو ابن أخته، أو لأخ وأخت أبيه، وأمه أي لأعمامه وعماته، ولأخواله وخالاته؛ هبة صحيحة فليس له الرجوع بعد ذلك" [درر الحكام في شرح مجلة الأحكام 2 /462].

وهذا ما أخذ به القانون المدني الأردني في المادة (579) حيث جاء فيها: "يعتبر مانعاً من الرجوع في الهبة إذا كانت الهبة من أحد الزوجين للآخر، أو لذي رحم محرم ما لم يترتب عليه مفاضلة بين هؤلاء بلا مبرر".

أما ما ورد في بعض كتب السادة الحنفية من أنّ للأب الرجوع حكماً في هبته لولده الصغير دون الرضا أو القضاء، فليس معناه أن للأب الرجوع عن الهبة الواقعة منه لولده الصغير، وإنما معناه أن للأب في حال احتياجه أن يأخذ مال ولده الصغير الذي من جنس النفقة لصرفه على نفقة نفسه، حتى لو كان ذلك المال قد وهب للصغير. انظر: [درر الحكام في شرح مجلة الأحكام 2/ 462].

وعليه؛ فلا يجوز للأب الرجوع في هبته إذا كانت لذي رحم محرم، ما لم يترتب عليها مفاضلة بين هؤلاء دون مبرر، وهو الرأي الذي اختاره القانون، في حين جوّز فقهاء السادة الشافعية الرجوع في الهبة بين الأصول والفروع بشروط. والله تعالى أعلم".





آخر إضافات الموقع

الأكثر مشاهدة