الدعاء والقدر

السوسنة

الدعاء هو سؤال العبد ربه بالسراء والضراء، وعبادة يحبها الله خالصة لوجهه الكريم.

والقدر في الإسلام حكم الله وما قدره من الأشياء بقدرته في سابق علمه.

 والدعاء من القدر، والمكتوب لا يتغير، فالقدر قدران: قدر محتوم لا حيلة فيه، وقدر معلق، فيكون بعض القدر معلقًا بالدعاء، فإذا دعا زال المعلق، قد يكون معلقًا أن الله جل وعلا يتوب عليه ويرفعه عنه بما فعل من الطاعات، والأعمال الصالحات، والتوبة. 

لكن السؤال هل يغير الدعاء القدر؟

أجابت الافتاء الأردنية عن هذا السؤال في وقت سابق عبر موقعها الرسمي وتاليا نص الإجابة:

"الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله

الدعاء عبادة مشروعة، وللمؤمن أن يدعو بما شاء من خير أمور الدنيا والآخرة؛ لقول الله تَعَالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]، وقول الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60].

وقد علمنا سيدنا النبيّ صلى الله عليه وسلم كيف ندعو الله تعالى ونتأدب في الدعاء معه سبحانه ونسأله بضراعة وخضوع، وعلمنا أن نثق بالله تعالى عند الدعاء، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (لا يَرُدُّ القَضَاءَ إِلا الدُّعَاءُ، وَلا يَزِيدُ فِي العُمْرِ إِلا البِرُّ) رواه الترمذي.

وينبغي التنبه إلى أن المراد من هذا الحديث هو الدلالة على باب من أعظم أبواب الخير والعبادة، وهو الدعاء، وليس المعنى أن قضاء الله الأزلي يتغير ويتبدل، بل المراد أن أدعية الخلق وحاجاتهم وما يكون من أحوالهم كلها مقدرة عند الله تعالى، مقضيّ فيها بقضاء أزلي لا يتغير، وهو إرشاد للعباد أن لا يسأموا من العبادة والدعاء؛ لأنها مفاتيح الخير الدنيوي والأخروي، فالعبد يدعو الله عز وجل بأن يرزقه الزوجة الصالحة، ويخلص في دعائه ويتذلل لله تعالى، ولا يدري أين القضاء المبرم، فهو يوكل جميع أمره لله عزّ وجل.

وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى هذا المعنى في قوله عز وجل: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 39]، ثم إن العبد لا يطلع على الغيب ولا يعلم ما كتب الله سبحانه وتعالى عليه، فعليه أن يدعو الله تعالى تعبداً بالدعاء، وامتثالاً لأمره عزّ وجل.

وقد بين الإمام المحدث ابن فورك رحمه الله تعالى هذا المعنى، حيث قال: "روي أنه قال صلى الله عليه وسلم: إن القضاء والدعاء يتعالجان، وما روي أنه قال: الصدقة تدفع القضاء المبرم، ومعنى هذه الأخبار كلها على نحو ما ذكرنا، وهو أن يكون السابق في العلم مما يحدث في المستأنف أنه إذا دعا صرف عنه البلاء، وكذلك إذا تصدق، لا أنه يكون المعلوم في الأزل وصول البلاء إليه، ثم إذا حصل الدعاء تغير المعلوم، لأن ذلك يؤدي إلى أن لا يكون ذلك في الأزل معلوماً ولا قضاء، وذلك محال" [مشكل الحديث وبيانه 1/ 312].

فالمؤمن يدعو امتثالاً لأمر الله ويتداوى امتثالاً لأمر الله، وله على ذلك الثواب، وأما النتائج فأمرها إلى الله تعالى، وكل عاقل مؤمن صاحب تجربة يلمس أثر الدعاء كما يلمس أثر الدواء، بل إن المؤمنين الصادقين يتوصّلون بالدعاء إلى ما تعجز عنه الوسائل المادِّية، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم. والله تعالى أعلم".





آخر إضافات الموقع

الأكثر مشاهدة