السوسنة
الشهادة التي يشهد بها الشاهد بناءا على معلومات عن الواقعة المراد إثباتها ،حصل عليها من الشخص التي وقعت الواقعة تحت بصره أو سمعه.
ولكن السؤال الذي يطرحه البعض هل شهادة المرأة نصف شهادة الرجل ولماذا؟
الجواب:
ظن البعض خطأ أن القرآن يقر مبدأ أن شهادة المرأة هي نصف شهادة الرجل، وهذا المفهوم هو مفهوم قاصر للقرآن ويستقطع منه بعض الآيات لخدمة هوى في النفس، فالقرآن الكريم ذكر عدة مواقف في شأن شهادة المرأة:
الموقف الأول: أن شهادة المرأة هي نصف شهادة الرجل وقد ذُكر ذلك فقط في شهادة المرأة على الدين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ}.
وهذا الموقف شديد الخصوصية لأن المرأة وقت نزول القرآن، وخاصا في المجتمع آنذاك، كانت في وضع مادي أضعف من الرجل وكان ذلك قد يكون له تأثير على شهادتها (أي أنه حكم مسبب كما جاء في قوله تعال: "أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ".
أما الآن فقد اختلفت الظروف فأصبحت المرأة لا تقل ماديا عن الرجل في أغلب الأحيان ـ ولذا فإن الحكم هنا يختلف باختلاف الظرف والزمان.
الموقف الثاني: أن شهادة المرأة أكبر من شهادة الرجل: ذكر القرآن ذلك في موقف اتهام زوج لزوجته بالخيانة الزوجية. وفى هذه الحالة فإن شهد الرجل خمس مرات بعملية الخيانة وشهدت المرأة نفس عدد المرات بأنها لم تخنه (فيما يسمى بالملاعنة) فإن شهادتها تفوق شهادته ويُأخذ بها.
أي أنه في هذه الحالة فإن القرآن يقر بأن شهادة المرأة هي أكبر من شهادة الرجل... {وَٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ أَزۡوَٲجَهُمۡ وَلَمۡ يَكُن لَّهُمۡ شُہَدَآءُ إِلَّآ أَنفُسُهُمۡ فَشَهَـٰدَةُ أَحَدِهِمۡ أَرۡبَعُ شَہَـٰدَٲتِۭ بِٱللَّهِۙ إِنَّهُ ۥ لَمِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ (٦) وَٱلۡخَـٰمِسَةُ أَنَّ لَعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡكَـٰذِبِينَ (٧) وَيَدۡرَؤُاْ عَنۡہَا ٱلۡعَذَابَ أَن تَشۡہَدَ أَرۡبَعَ شَہَـٰدَٲتِۭ بِٱللَّهِۙ إِنَّهُ ۥ لَمِنَ ٱلۡكَـٰذِبِينَ (٨) وَٱلۡخَـٰمِسَةَ أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ عَلَيۡہَآ إِن كَانَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (٩).
والعجيب أن القرآن في هذا الأمر قد اعتبر أن شهادة المرأة أعلى من شهادة الرجل في أمر يعتبر من ضمن الحدود (حد الزنا للمحصنة وهو الرجم حتى الموت كما أقر معظم ـ إن لم يكن كل ـ فقهاء الشريعة الإسلامية) وهو أمر أكثر خطورة بمراحل وأهم من موضوع أموال المواريث.
الموقف الثالث: شهادة المرأة مساوية تماما لشهادة الرجل: يقول تعالى عن صيام رمضان {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ ۖ} و"من" هنا تشمل الذكر أو الأنثى. فإن شهدت امرأة الشهر فعليها صيامه فلا فرق بين شهادتها وشهادة الرجل في هذه الحالة.
فكما نرى فإن القرآن ذكر في حالة واحدة خاصة (الوصية وقت الوفاة) أن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل وفي حالة أخرى (الاتهام بالزنا) تفوق شهادتها شهادته وفي حالة ثالثة (شهادة شهر رمضان) فإنهما متساويان تماما.
وذلك يدلل أن القرآن لم يقر أبدا على العموم بأن شهادة المرأة هي نصف شهادة الرجل كما يظن البعض، بل على العكس من ذلك تماما فقد جعل شهادتها أكبر من شهادته في أحيانا أخرى بل وفي أمور أكثر خطورة وأهمية كما ذكرنا.
والقرآن هنا، كما قد يرى البعض، يؤكد على مبدأ أن الاختلاف في القواعد القانونية لا بد أن يراعى الظروف النفسية والاجتماعية المحيطة.
وأخيرا فإن القاعدة العامة في القرآن ـ والتي على المسلمين وضعها كمبدأ لفهم الآيات ـ أن الرجل والمرأة خلقا من نفس واحدة {وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} وهذا إقرار واضح بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة والتي تشمل المساواة بينهم في الشهادة أمام القضاء وفي أمور أخرى كثيرة يطول شرحها في هذه المقالة.
الحرة