تاريخ القرآن جمعه و تدوينه

  السوسنة -  نزل القرآن منجما في ثلاث و عشرين سنة ، فتنزل آية أو بضع آيات ، و ذلك حسب الحاجة التي تكون سببا في النزول ، و جاء منجما ليثبت الله به فؤاد النبي – صلى الله عليه و سلم – و يكون أبلغ الحجة على العرب ، و أدعى لأن يجري في مناقلاتهم و يثبت على ألسنتهم ، و ليكون تحولهم تدريجيا طبيعيا ، في الالتزام بأوامره و اجتناب نواهيه . 

 و لولا مجيئه متفرقا لما أفحمهم الدليل في تحديهم بأقصر سورة منه ، فلو جاء جملة واحدة لكان لهم العذر في عدم مقدريتهم على الإتيان بمثله . 

 و أكثر ما نزل على الرسول  - عليه الصلاة والسلام- في ابتداء الوحي إلى أن هاجر إلى مكة هو من قصار السور ، و كان ابتداء الوحي في مكة سنة 611  م ،  ثم هاجر النبي منها إلى المدينة 622 م ، فصار القرآن مكيا مدنيا . 
  و قد اختلفت الآراء حول تاريخ نزول آخر آية ، فرده البعض إلى ما قبل وفاة الرسول بأحد و ثمانين يوما في سنة 11 هـ . 

  و كان الصحابة يكتبون ما ينزل من القرآن ابتداء من أنفسهم ،  أو بأمر من الرسول – صلى الله عليه و سلم – و كان ذلك على جريد النخل ، أو صفائح الحجارة أو السعف ، أو الأديم ، أو الأضلاع من الشاة و الإبل ، فكان كل منهم يكتب ما تيسر له .
 

لكن بعضهم جمع القرآن كله ، منهم : علي بن أبي طالب ، و معاذ بن جبل ، و أبيّ بن كعب ، و زيد من ثابت ، و عبد الله بن مسعود .

  و قبض الرسول – عليه الصلاة و السلام – و القرآن في الصدور ، و في مصاحف ثلاثة اختصت بالثقة ، هي مصحف ابن مسعود ، و مصحف أبي ، و مصحف زيد  .

  و قد أشار عمر بن الخطاب على أبي بكر الصديق أن يجمع القرآن و يكتبه ، حين رأى تهافت أصحاب رسول الله تهافت الفراش في النار ، إذ قتل في غزوة أهل اليمامة سبعمائة صحابي و يقال سبعون من القراء ، إلى جانب من قتلوا في بئر معونة ،  فأمر أبو بكر زيدا بن ثابت  - كاتب الوحي – أن يجمعه و يدونه .

  و بقيت تلك الصحائف  عند أبي بكر  و ورثها عمر حتى مات هو أيضا ، و أخذتها حفصة ابنته ، حتى إذا اتسعت الفتوحات و تفرق المسلمون . أخذ أهل كل مصر عن رجل من بقية القراء . فأهل دمشق عن المقدار بن الأسود ، و أهل الكوفة عن ابن مسعود ، و أهل البصرة عن أبي موسى الأشعري ، و حصل الخلاف بين ناشئة القراء حول القراءة ، و صل إلى أن يكفر بعضهم البعض ، ففزع حذيفة بن اليمان لما رأى ذلك -  و قد كان غازيا لأرمينية و أذريبجان - ، إلى عثمان بن عفان ، فأمر بأن تنسخ الصحف الأولى التي كانت عند أبي بكر . فأرسل إلى حفصة فبعثت الصحف إليه . 

   ثم أرسل إلى زيد بن ثابت و عبد الله بن الزبير و سعيد من العاص و عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، و أمرهم أن ينسخوها في المصاحف . ثم قال للرهط القرشيين الثلاثة : ما اختلفتم فيه أنتم و زيد فاكتبوه بلسان قريش فإنه بلسانهم .
   ثم بعث في كل أفق بمصحف من تلك المصاحف ، و كانت سبعة ، إلى مكة و الشام و اليمن و البحرين و البصرة و الكوفة ، و جعل في المدينة واحدا ، و هو مصحفه الذي يسمى بالإمام ، ثم أمر بعد ذلك بحرق ما عدا ذلك من صحيفة أو مصحف . 
و قد أراد بذلك أن يحسم الخلاف ، و أمنا مما قد يكون بعد عصره . 
 و لم تكن المصاحف مرتبة قبل مصحف عثمان بهذا الترتيب المعروف في السور إلى اليوم ، فإنما هو ترتيب عثمان .
 ثم أقبل المسلمون على ذلك النسق ، ثم أقبلوا يجدون في إخراج المصاحف و استنساخها .