السوسنة – تعد الرابطة الزوجية علاقة مقدسة تقوم على الاحترام والثقة والحب وهي اللبنة الأساسية لبناء المجتمعات وبصلاحها تصلح الامة، ولكن في بعض العائلات تقع بعض المشاكل والتي تحتاج على قرار او حكم من الإفتاء حتى لا يقع الحرام مثل في حال شك الزوج بزوجته فهل وقع الطلاق، وللجابة على هذا السؤال أصدرت دائرة الإفتاء الأردنية فتوى بخصوص هذه الحالة وتاليا نصها.
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
جعل الإسلام الطلاق بيد الرجل، والقول في وقوع الطلاق وعدمه هو قوله، فإذا شك الرجل هل طلق امرأته أم لا: لم تطلق؛ لأنّ النكاح يقين والأصل بقاؤه، واليقين لا يزول بالشكّ، كما هي القاعدة الفقهية المتفق عليها بين العلماء.
أما إنْ تيقّن من طلاق إحدى زوجاته ونسيها، فيتوقف عن العلاقة الزوجية حتى يتذكر الزوجة التي طلقها، وهو مذهب الشافعية ومذهب الحنفية، جاء في [تحفة المحتاج 8/ 70] من كتب الشافعية: "ولو طلق إحداهما بعينها؛ كأن خاطبها به أو نواها عند قوله إحداكما طالق ثم جهلها بنحو نسيان، وقف وجوباً حتى يَذَّكر المطلقة أي يتذكرها؛ لأن إحداهما حرمتْ عليه يقيناً، ولا مجال للاجتهاد هنا".
وجاء في [بدائع الصنائع 3/ 229] من كتب الحنفية: "وأمّا الجهالة الطارئة فهي أن يكون الطلاق مضافاً إلى معلومة، ثم تجهل كما إذا طلق الرجل امرأة بعينها من نسائه ثلاثاً ثم نسي المطلقة، والكلام في هذا الفصل في موضعين أيضاً أحدهما في بيان كيفية هذا التصرف، والثاني في بيان أحكامه: أما الأول فلا خلاف في أن الواحدة منهن طالق قبل البيان؛ لأنه أضاف الطلاق إلى معينة وإنما طرأت الجهالة بعد ذلك، والمعينة محل لوقوع الطلاق فيكون البيان ههنا إظهاراً أو تعييناً لمن وقع عليها الطلاق.
وأما الأحكام المتعلقة به فنوعان أيضاً على ما مرّ، أما الذي يتعلق به في حال حياة الزوج فهو أنه لا يحلّ له أن يطأ واحدة منهن حتى يعلم التي طلق فيجتنبها؛ لأن إحداهن محرمة بيقين، وكل واحدة منهما يحتمل أن تكون هي المحرمة، فلو وطئ واحدة منهما وهو لا يعلم بالمحرمة فربما وطئ المحرمة.
والأصل فيه ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لوابصة بن معبد: (الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، ولا يجوز أن تطلق واحدة منهن بالتحري، والأصل فيه أن كل ما لا يباح عند الضرورة لا يجوز فيه التحري، والفرج لا يباح عند الضرورة، فلا يجوز فيه التحري، بخلاف الذكية إذا اختلطت بالميتة أنه يجوز التحري في الجملة... وإذا طلق واحدة من نسائه بعينها فنسيها ولم يتذكر فينبغي فيما بينه وبين الله تعالى أن يطلق كل واحدة منهن تطليقة رجعية ويتركها حتى تنقضي عدتها فتبين؛ لأنه لا يجوز له أن يمسكهن فيقربهن جميعاً؛ لأنّ إحداهن محرمة بيقين، ولا يجوز له أن يطأ واحدة منهن بالتحري؛ لأنه لا مدخل للتحري في الفرج، ولا يجوز له أن يتركهن بغير بيان لما فيه من الإضرار بهن بإبطال حقوقهن من هذا الزوج ومن غيره".
وذهب المالكية إلى أن الزوج إن نسي الزوجة التي طلقها فتطلق جميع زوجاته، جاء في [منح الجليل 4/ 144] من كتب المالكية: "وكشكّه في أي امرأة من امرأتين طلقها فيجبر على فراقهما جميعاً، ولا يجوز له أن يقيم على واحدة منهما".
وذهب الحنابلة إلى أنّ الزوج إذا تيقّن من طلاق إحدى زوجاته ومن ثمّ نسيها، فيلجأ للقرعة بينهن في هذه الحالة إن لم يتبين له المطلقة منهن، جاء في [كشاف القناع 1/ 50] من كتب الحنابلة: "ولا مدخل للتحري في العتق والطلاق، فإذا طلق واحدة من نسائه أو أعتق واحدة من إمائه ثم نسيها، أو كانت ابتداء مبهمة أقرع بينهن".
وذهب ابن قدامة إلى أنه يقرع بين الزوجات في حال وفاة الزوج من أجل الميراث، ولا يقرع بينهن في حال حياته لإثبات أي الزوجات طلقت، جاء في [ المغني 7/ 497-498]: "وإذا طلق واحدة من نسائه وأنسيها أخرجت بالقرعة أكثر أصحابنا على أنه إذا طلق امرأة من نسائه وأنسيها أنها تخرج بالقرعة، فيثبت حكم الطلاق فيها ويحل له الباقيات، وقد روى إسماعيل بن سعيد عن أحمد ما يدل على أن القرعة لا تستعمل هاهنا لمعرفة الحل وإنما تستعمل لمعرفة الميراث، فإنه قال: سألت أحمد عن الرجل يطلق امرأة من نسائه ولا يعلم أيتهن طلق؟ قال: أكره أن أقول في الطلاق بالقرعة، قلت: أرأيت إن مات هذا؟ قال: أقول بالقرعة، وذلك لأنه تصير القرعة على المال، وجماعة من روي عنه القرعة في المطلقة المنسية إنما هو في التوريث، فأما في الحل، فلا ينبغي أن يثبت بالقرعة وهذا قول أكثر أهل العلم، فالكلام إذن في المسألة في شيئين؛ أحدهما في استعمال القرعة في المنسية للتوريث، والثاني في استعمالها فيها للحل، أما الأول فوجهه ما روى عبد الله بن حميد قال: سألت أبا جعفر عن رجل قدم من خراسان وله أربع نسوة قدم البصرة فطلق إحداهن، ونكح ثم مات لا يدري الشهود أيتهن طلق؟ فقال: قال علي رضي الله عنه: أقرع بين الأربع وأنذر منهن واحدة وأقسم بينهن الميراث، ولأن الحقوق إذا تساوت على وجه لا يمكن التمييز إلا بالقرعة، صحّ استعمالها، كالشركاء في القسمة والعبيد في الحرية.
وأما القرعة في الحل في المنسية فلا يصح استعمالها؛ لأنه اشتبهت عليه زوجته فلم تحل له إحداهما بالقرعة كما لو اشتبهت بأجنبية لم يكن له عليها عقد؛ ولأن القرعة لا تزيل التحريم من المطلقة ولا ترفع الطلاق عمن وقع عليه ولا احتمال كون المطلقة غير من خرجت عليها القرعة، ولهذا لو ذكر أن المطلقة غيرها حرمت عليه ولو ارتفع التحريم أو زال الطلاق لما عاد بالذكر، فيجب بقاء التحريم بعد القرعة كما كان قبلها".
وعليه؛ فإذا طلق الزوج إحدى زوجاته بعينها ثم نسيها انعزل عنهن حتى يتذكر المطلقة منهن، والمرجع في النظر في مثل هذه القضايا إلى القضاء الشرعي. والله تعالى أعلم.