قصة عيسى تادلي .. فنان إفريقي ينصر الإسلام بريشته

السوسنة - يعتبر الشاب الأثيوبي عيسى تادلي مؤسس الفن التشكيلي الإسلامي في بلاده متحديا الاعتقادات السائد لدى المسلمين في إثيوبيا بأن الرسم حرام ، وذلك من خلال رسم لوحات تحمل أسماء الجلالة، بخط عربي، في بلد تعد فيه العربية لغة ثانوية، أمام الأمهرية والانجليزية.

 
في منزل متواضع، بإحدى الأحياء القديمة للعاصمة الإثيوبية أديس ابابا، بحي العمال، وسط منطقة بياسا، ولد عيسى تادلي، عام 1984، وبدأت موهبته تتفتح في مجال الرسم والخط، قبل أن تقوده رغبته إلى جامعة أديس ابابا، ليظفر منها بشهادة في فن الخط التشكيلي في 2004.
 
ووسط لوحات فنية بالخط العربي، طغى عليها اسم من أسماء الله الحسنى "السلام"، وفي منزل ليست به سوى غرفة وقاعة جلوس، إلى جانب ورشته الصغيرة التي لا تتجاوز مساحتها 9 أمتار مربعة، أطلق الفنان "عيسى تادلي"، العنان لريشته لتقول كلمتها وتهمس في أذن كل من تستهويه اللغة العربية في بلد لغته الرسمية الأمهرية.
 
وأبدعت أنامل الفنان الذهبية، لوحات تشكيلية تعبر عن إيمانه العميق بخالقه "الله"، أول عمل له، لتتوالى بعدها إبداعاته لأسماء الجلالة من السلام والرحمن والرحيم، وغيرها من أسماء الله الحسنى.
 
وتحدث تادلي عن تجربته في مجال الفن التشكيلي بنفس يملؤها الفخر والاعتزاز وموهبة تتوق إلى العالمية برغم تواضع الأدوات التي يستخدمها في عمل يمثل اليوم إحدى الفنون التي تعتمد على التقنية الحديثة.
 
وبدأ "تادلي"، حديثه قائلا إن شهر رمضان المعظم يعتبر من أكبر المواسم لبيع لوحاتي، حيث يقبل الكثير من المسلمين على هذه اللوحات لتزيين منازلهم.
 
وأضاف أبيع في هذه الموسم من اللوحات ما لم أبعه في عام كامل.
 
وتحدث تادلي، (أب لطفلتين؛ إكرام ونبأ)، عن بداياته في هذا المجال: "كنت منذ الصغر مولعا بالفن والرسم، وبدأت أهتم بهذا الفن منذ أن كنت في المدرسة الابتدائية، وشجعني أساتذتي كثيراً على تطوير موهبتي، ودفعني هذا الشغف للالتحاق بكلية الفنون في أديس ابابا".
 
وتابع "أصبحت أشارك في فعاليات الرسم والفنون عبر الأندية الثقافية باديس ابابا".
 
وأشار إلى أنه "شارك بأعماله في أكثر من 20 معرضا في تلك الفترة، ونال خلالها الكثير من الجوائز".
 
وأوضح تادلي، أنه درس الفنون العامة في كلية "تفري مكنن"، باللغتين الأمهرية والإنجليزية، لكن حبه للعربية دفعه إلى أن يكتب لوحاته باللغة العربية بالرغم من أنه لا يجيدها.
 
وأضاف أنه الآن أصبح يكتب باللغة الهررية، وهي لغة استخدمت قبل أكثر من ألف عام في إثيوبيا.
 
وكلية أديس ابابا للمهن والفنون، إحدى كليات جامعة أديس ابابا، تمت ترقيتها بعد أن كانت مدرسة "تفري مكنن" للفنون الجميلة.
 
وحول الإقبال نحو لوحاته الفنية في إثيوبيا، قال تادلي، إن "أعمالي في أديس ابابا أصبحت ترى النور ويزداد عليها الطلب، والكل في المدينة يتحدث عن الأعمال الفنية التي أقدمها، وخاصة المؤسسات التعليمية".
 
وأضاف أن الإثيوبيين بالمهجر في أوروبا وأمريكا أصبحوا يهتمون ويطلبون لوحاتي الفنية.
 
وتابع أن أولى أعماله الفنية كانت لوحة تشكيلية بلفظ الجلالة "الله"، وأن اختياره للبدء باسم الجلالة، نابع من رغبته في الشكر لله، الذي أنعم عليه بنعمة الإسلام.
 
وقال تادلي، إن اسم الجلالة "الله"، هو تعبير للثناء على الله، من خلال نشر الكثير من اللوحات بأسماء الله الحسنى.
 
وأوضح أن لوحة السلام، التي أخذت منه أسبوعا كاملا، تعتبر ثاني عمل له، وأعجب بها الكثير من المسلمين والمسيحين لما تحمله من معاني ودلالات.
 
وما يثير الإعجاب في تجربة الفنان التشكيلي عيسى تادلي، أنه يمثل أول مؤسس للفن التشكيلي الإسلامي في بلد تعتبر اللغة العربية فيه لغة ثانوية، حيث الأمهرية لغته الرسمية ثم تأتي الإنجليزية ثانية من حيث الانتشار.
 
ليكون مكمن التحدي للفنان الإثيوبي، أنه أصبح أحد مشاهير الخط العربي بإثيوبيا، في لغة لا يعرف عنها الكثير، ليكون التحدي الآخر أمام عيسى، في أن الكثيرين من المشايخ يعتقدون بأن الرسم والصور محرمان.
 
وقال حبي للغة العربية جعلني أكتب بها بالرغم من أنني لا أتحدث بها، إلا أن التحدي الأكبر كان عندما سمعت بعض المشايخ، خلال جلوسي لحلقات العلم، يقولون إن فن الرسم حرام، وكذلك عامة المسلمين ينظرون إلى الفن أنه حرام.
 
ويتوقف عن الحديث برهة، في إشارة منه الى التحدي الجديد، ما بين حبه للغة العربية الذي ملأ قلبه، وموهبته التي ظلت تحاصره بالفن والرسم.
 
لكنه استدرك قائلا: هناك بعض المشايخ شاهدوا أعمالي وأعجبوا بها، ورأوا أنها رسالة تخدم الإسلام، فلا مانع من ذلك، وشجعوني عليها، لذلك أوظف موهبتي الفنية في خدمة الإسلام والمسلمين.
 
ولفت إلى أن أول مشاركة له كانت في معرض دولي للفنون بالمسرح القومي الإثيوبي، مطلع 2016.
 
وأوضح أنه عرض عددا من اللوحات الإسلامية، نالت إعجاب الكثيرين ووجدت أعماله رواجا، وهي أول مرة يعرض فيها فنان تشكيلي إثيوبي من المسلمين لوحاته.
 
وأشار إلى أن هذه المشاركة فتحت له أبواب الإعلام.
 
واعتبر تادلي، أن الاعتقاد السائد بأن الفن حرام، عائق لتطور الفنون الإسلامية ببلاده.
 
وأشار إلى أن العديد من الشباب المسلم، يرغب في الفنون التشكيلية، ولكن التصور الذي لدى الكبار أن الفن حرام هو المشكلة.
 
ودعا إلى إزالة المفاهيم الخاطئة لدى البعض عن الفن، وهو ما يقف حائلا أمام رغباتهم.
 
وأضاف "لدي إيمان راسخ أن الفن التشكيلي الإسلامي يمكن أن يساهم في الدعوة ونشر الإسلام".
 
وتابع أنه يعمل الآن بتعليم الصغار الفن التشكيلي الإسلامي، من أجل توريث الأجيال القادمة في البلاد.
 
وعبر تادلي، عن أمنياته في أن يصبح عمله هذا معلما من معالم الفن التشكيلي في البلاد، قائلا: أبذل جهدا كبيرا في تطوير عملي، وأتطلع إلى المشاركة الخارجية، وأحتاج إلى من يساعدني ويفتح لي الآفاق للمشاركة الخارجية.
 
وتطرق إلى الأدوات التي يستعملها في كتابة لوحاته الفنية، وقال إن معداتي التي أعمل بها لا توجد في إثيوبيا، أنا أحتفظ بها منذ الصغر.
 
وأشار تادلي، إلى أن الكثير من الفنانين يعانون من قلة توفر أدوات الفن.
 
ولفت إلى أنه يصر على أن لا يعرض أعماله في السوق لأن أغلبها يحتوى على أسماء الله الحسنى، وقال هذا يتطلب العناية بها وعرضها على من يهتمون بها ويعرفوا أهميتها وقدسيتها.
 
وأضاف أنه يعمل داخل منزله وأغلب زبائنه يأتون إلى المنزل، وكثيراً ما يوصيهم بالمحافظة علي هذه اللوحات.




آخر إضافات الموقع

الأكثر مشاهدة