فصل المقال فيما بين العلمانية والماسونية من الاتصال

       د. سامي عطا حسن 

     sami_ata@ymail.com

إن علاقة الدين بالدولة من القضايا التي شغلت الإنسانية منذ نشأتها ، فكانت دائماً موضع اهتمام   السياسيين ، وعلماء الاجتماع ، والفلاسفة .. وقد رافقها فيضٌ من الخلافات والمجادلات ..
وقد نشأت الدعوة للعلمانية في أوربا من خلال الصراع الدائر منذ القرن السادس عشر ، بين الكاثوليك والبروتستنت من جهة ، وبين ملوك أوروبا والكرسي البابوي من جهة أخرى .. وبين اليهود والمسيحيين من جهة ثالثة .. والذي استمر إلى قيام الثورة الفرنسية سنة 1789م فكانت الثورة الفرنسية الماسونية خاتمة التوتر الذي ساد في الأوساط الشعبية ضد طبقة الإكليروس(   ) ، إذ أن أول التدابير التي اتخذها الثوار  الفرنسيون ، هو : وضعهم الدستور المدني للإكليروس  ومن بنوده : 
وجوب اختيار الأساقفة من قبل الشعب .. بدل تعيينهم من قبل البابا ، ومصادرة أموال الكنيسة 
ثم جاء إعلان حقوق الإنسان الذي نصت مادته الأولى والثانية على ما يلي : 
المادة الأولى : يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق .. فقد وُهبوا عقلاً وضميراً ، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء .. 
المادة الثانية : لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان ، دون أي تمييز بسبب العنصر ، أو اللون ، أو الجنس ، أو اللغة ، أو الدين ، أو الرأي السياسي أو أي شي أخر... فكرس هذا الإعلان القطيعة بين الدولة الفرنسية والاكليروس ...   إذ لم يأت على ذكر الدين ... بل أعلن الحرية ، والإخاء ، والمساواة ، - شعار الماسونية - بين كل الناس ، بما في ذلك حرية المعتقد الديني... فكان  من  جَرّاء ذلك أن أعلنت الكنيسة في أواخر القرن التاسع عشر في عهد البابا “ لاون الثالث عشر”  مبدأ التفريق بين السلطتين الدينية والمدنية... واستقلال كل منهما في حقل نشاطه وصلاحياته ... فميزت بين المجتمع الديني والمجتمع المدني                                                                                                           باعتبار أن الأول : مكلف بالنظام الروحي..                                                                     والثاني : بالنظام الزمني... وكل منهما سيدٌ في مجال اختصاصه ...       كما أعلنت أنه لا يجوز إلزام أحد من الناس اعتناق الدين الكاثوليكي بالقوة...
 وتواصل تطور القضية في فرنسا ... حتى استقرت على صفة قانونية أقَرَّها المجلس النيابي الفرنسي في قانون سنة 1905 الذي نص على حرية المعتقد ، وعلمانية   الدولة.....
فما العَلمانية ...؟
مصطلح  ( العَلمانية ) : مصطلح غربي الأصل ، والنشأة ، والمولد ، ظهر  في منتصف القرن الماضي  ويعني دنيوياً غير ديني ، ويقابله بالانكليزية : secular ، وبالفرنسية : secularise  أوLaique  ، وهو كما ورد في معجم العلوم الاجتماعية : نسبة إلى ( العَلم .. بمعنى : العالم ) ، وهو خلاف الديني أو الكهنوتي ، وهذه تفرقة مسيحية لا وجود لها في الإسلام ..
 وأساسها : وجود سلطة روحية هي سلطة الكنيسة ..
 وسلطة مدنية هي : سلطة الولاة والأمراء ....
 والعَلمانيون يُحَكِّمون بوجه عام العقل ، ويراعون المصلحة العامة – حسب زعمهم - ، دون تقيد بنصوص أو طقوس دينية ، وكانوا في الغالب مبعث التطور والتجديد في المجتمعات الغربية ، ولذا كانوا في خلاف مع الكنيسة ورجال الدين ..)(   )  
وتقول دائرة المعارف البريطانية : ( العَلمانية – سيكوليرزم- secularism ) :  ( هي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم عن الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها ، وذلك أنه كان لدى الناس في العصور الوسطى رغبة شديدة في العزوف عن الدنيا والتأمل في الله واليوم الآخر ، وفي مقاومة هذه الرغبة ، طفقت ( السيكوليرزم- secularisim   )تعرض نفسها من خلال تنمية النزعة الانسانية ، حيث بدأ الناس في عصر النهضة يظهرون تعلقهم بالإنجازات الثقافية ، والبشرية ، وبإمكان تحقيق مطامعهم في هذه الدنيا القريبة . وظل هذذا الاتجاه يتطور باستمرار خلال التاريخ الحديث كله ، باعتبارها حركة مضادة للدين ، ومضادة للمسيحية )(  ) 
ويقول معجم أكسفورد : ( العلمانية تعني : 
أ‌- دنيوي أو مادي ، ليس دينياً ، ولا روحياً ، مثل التربية اللادينية ، الفن ، الموسيقى اللادينية السلطة اللادينية ، أو الحكومة المناقضة للكنيسة . 
ب‌- الرأي الذي يقول : إنه لا ينبغي أن يكون الدين أساسا للأخلاق ، والتربية . )(   )
العَلمانية من العِلم أم من العَالم ؟
العَلمانية - بفتح العين - هي الترجمة الصحيحة على غير قياس لكلمةsecularism الإنجليزية أو secularit الفرنسية ، وهاتان الكلمتان لا صلة لهما بلفظ العلم ومشتقاته ، فالعلم في الإنجليزية والفرنسية يعبر عنه بكلمة science والمذهب العلمي نطلق عليه كلمة scientism والنسبة إلى العلم هي scientific أو scientifique في الفرنسية والترجمة الدقيقة للكلمة هي  العالمانية  أو  الدنيوية  أو  اللادينية  ، ولكن تحولت كلمة عالمانية إلى عَلمانية لأن العربية تكره تتابع الحركات وتلجأ إلى التخفف منه ( ) وكذلك فـإن زيادة الألـف والنون هنا ليست قياسية في اللغة العربية أي في الاسم المنسوب  عالماني ، وإنما جاءت سماعاً مثل: رباني ، نفساني ، روحاني ، عقلاني ، ومثلها علماني ، والترجمة الحرفية في قاموس اللغة للعلمانية هي  الدنيوية  لأنها مشتقة من العالَم أي  الدنيا  ( ) . 
وعندما استقل التعليم عن الكنيسة في فرنسا بعد الثورة وُصِف هذا التعليم بأنه ceculaire ودلالتها هي نفس الدلالات القديمة التي يوصف بها من هو خارج الكنيسة من عامة الشعب ، فكل واحدة من الكلمات السابقة  دنيوي ، زمني ، دهري تصلح مقابلاً للكلمة الفرنسية( seculaire) إلا العِلم فلا يدخل في مدلولاتها مطلقاً(  (
ومع أن هذا التأصيل المعجمي لمصطلح العلمانية يكاد يكون حاسماً في أن العلمانية من العالَم وليس من العِلم ، ولذلك فهي بفتح العين وليس بكسرها ، فإن كثيراً من العلماء والباحثين العرب والمسلمين مختلفون حول النسبة الصحيحة للعلمانية ، فالبعض ينسبها إلى العلم وينطقها بكسر العين ، ومن هؤلاء   : د. محمد سعيد رمضان البوطي ( ) ، ود. يوسف القرضاوي ( ) ، ود. عبد العظيم المطعني(  ) ، ومحمد مهدي شمس الدين (  ) ود. عماد الدين خليل (  ) ود. زكي نجيب محمود ( )،   ود. سفر الحوالي ( )..   
  وممن أجاز الوجهين- الكسر والفتح– د.عزيز العظمة وإن كان يفضل الكسر( ) ، ود.رفعت السعيد  ( ( .. إلا أن الأغلبية الساحقة من الباحثين والمفكرين ينطقون الكلمة بالفتح وينسبونها إلى العالَم وليس إلى العِلم ، وهو ما يتفق مع المصادر الغربية التي توضح مصدر الكلمة ومعناها ، والغاية منها ، ومن هؤلاء : د. محمد البهي( ) 
ود. محمد عمارة ( ) ، ود. عبد الوهاب المسيري ( )  ود. أحمد فرج،  ود.عبد الصبور شاهين ود. عدنان الخطيب ( )ود.  زكريا فايد ( )ود. يحيى هاشم حسن فرغل ( )  ود.  حسن حنفي    ( ) ود. محمد عابد الجابري ( ) ود. مراد وهبة ( ) ود. عادل ضاهر ( ) ود.حسين أحمد أمين (  ) ود.عبد المجيد الشرفي (  ) وغير هؤلاء من الباحثين إسلاميين وعلمانيين كثير ، وليس مرادي هنا الاستقصاء ..   إن للعَلمانية – بالفتح - أصلاً لاتينياً سابقاً للعلم الأوربي الحديث إذ لا علاقة للأصل اللاتيني SECULUM  بالعلم من قرب ولا من بعد ، وإنما صحتها بفتح العين نسبة إلى العَلْم بمعنى العالم الدنيوي (  ) .                                                                                                                                  أما العِلمانية – بالكسر - فهي احتكام لمنطق العلم - دون سواه - في تأويل الأشياء المتصلة بمختلف أوجه  النشاط البشري ( ) . وهي ظاهرة حديثة وظفتها العَلمانية  – بالفتح - توظيفاً خاطئاً وخطيراً على البشرية والإنسانية جمعاء .لأن العلم عند الغربيين الطبيعيين لا يتناول إلا المحسوسات والمشاهدات ، فهو العلم الطبيعي والرياضي فقط (  ) ، أما عندنا فالعلم يشمل كل ما يتصل بالكون والإنسان والحياة . 
فنحن إذن على المستوى العملي على طرف نقيض مع العِلمانية – بالكسر- ، لأن هذه الأخيرة تحصر العلم في المحسوس في الدنيوي،  وتقوم على عقلانية مادية وضعية اجتماعية ،  وتطرح مفهوماً جديداً للعلم يحيد التفكير الميتافيزيقي عن ساحته ( ) . فالعِلماني – بالكسر- هو من يتخذ من المعرفة العملية كما هي ممثلة في العلوم الطبيعية بخاصة أنموذجاً لكل أنواع المعرفة، إنه يتبنى وجهة النظر الوضعية، مما يعني عدم اعترافه بإمكان المعرفة الخلقية،أو الدينية، أو الميتافيزيقية ، لأن القضايا المزعومة لأي منها لا يمكن إخضاعها - حتى من حيث المبدأ – لمعايير العلم ،فالفهم العلمي العِلماني – إذن - يتنافى مع الإيمان بالوحي الإلهي ( ) ..  فالعَلمانية - بفتح العين - بالإنجليزية ،  أو بالفرنسية ، لا صلة لهما بلفظ العلم ومشتقاته ، فالعلم في الإنجليزية والفرنسية يعبر عنه بكلمة    science  ،  والمذهب العلمي نطلق عليه كلمة  scientism ،   والنسبة إلى العلم هي  scientific   في الانجليزية ،  أوscientifique     في الفرنسية ، والترجمة الدقيقة للكلمة هي  العالمانية  أو  الدنيوية  أو  اللادينية  ، ولكن تحولت كلمة عالمانية إلى عَلمانية ، لأن العربية تكره تتابع الحركات وتلجأ إلى التخفف منه (  )  ...                                                                         
ولعل المعنى الصحيح لترجمة  كلمة العلمانيةهى اللادينية أو الدنيوية ( )  
لأنها مشتقة من العالَم  أي الدنيا (  ) 
 ومن هنا فإن العلماني هو الدنيوي لأنه يهتم بالدنيا ، بخلاف الديني أو الكهنوتي ،  فهذا الأخير يهتم بالآخرة  ويتضح ذلك مما تورده دوائر المعارف الأجنبية للكلمة:
تقول دائرة المعارف الأمريكية: الدنيوية هى: نظام أخلاقي أسس على مبادئ الأخلاق الطبيعية ومستقل عن الديانات السماوية ، أو القوى الخارقة للطبيعة..( ).
والتعبير الشائع في الكتب الإسلامية المعاصرة هو :  فصل الدين عن الدولة.
وهو في الحقيقة لا يعطي المدلول الكامل للعلمانية الذي ينطبق على الأفراد وعلى السلوك الذي قد لا يكون له صلة بالدولة(  ).
ولم ترد لفظة العلمانية في معاجم اللغة العربية القديمة، بل وردت في بعض المعاجم الحديثة ، ومن ذلك:
أ– ما ورد في معجم المعلم للبستاني: العلماني: العامي الذي ليس بإكليريكي( ).
ب- وفي المعجم العربي الحديث: علماني: ما ليس كنسياً ولا دينياً( ).
ج- وفي المعجم الوسيط( ) العلماني نسبة إلى العَلم بمعنى العالم، وهو خلاف الديني أو الكهنوتي( ).
وأول معجم ثنائي اللغة قدم ترجمة صحيحة للكلمة هو قاموس  عربي فرنسي  أنجزه  لويس بُقطُر المصري التابعية ، عام 1828 م ، وهو من الجيل الذي ينتمي للحملة الفرنسية ، وقد كان متعاوناً مع الفرنسيين ،  ورحل معهم إلى باريس ، وعـاش هناك ، وكانت ترجمته لكلمة :  cecularite : عالماني ،  ولكلمة  :   ceculier، علـماني ، عالمـاني ، وميـزة هذه الترجمة أنهـا أول وأقـدم ترجمة صحيحـة للكلمة ، تـدحض آراء الذين يعتبرون العَلمانية من العِلم ، لأنه نسبها إلى العالَم (  ) .
 وكما أن الرباني منسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون ، للدلالة على المبالغة الشديدة في التخلق بصفات الرب - عز وجل - والعبودية له ، وللدلالة على كمال الصفة أو بلوغها حداً قريباً من الكمال ، قالوا في كثير الشَّعَر : شَعراني . وطويل اللحية أو كثيفها : لحياني( (  ..  كذلك فإن العَلماني منسوبٌ إلى العالَم        - بهذا الشكل - للدلالة على المبالغة في الانتماء إلى العالم ، والإيمان به (  ) .            
وعندما استقل التعليم عن الكنيسة في فرنسا بعد الثورة الفرنسية ، وُصِف هذا التعليم بأنه ceculaire  ،  ودلالتها هي نفس الدلالات القديمة التي يوصف بها من هو خارج الكنيسة  من عامة الشعب ، فكل واحدة من الكلمات السابقة  دنيوي ، زمني ، دهري…  تصلح مقابلاً للكلمة الفرنسية seculaire ، إلا العِلم فلا يدخل في مدلولاتها مطلقاً ( ) . 
وهذا التأصيل المعجمي لمصطلح العلمانية في اللغة ،  يكاد يكون حاسماً في أن العلمانية من العالَم ، وليس من العِلم ، ولذلك فهي بفتح العين وليس بكسرها ..  
أما العلمانية في الاصطلاح   :
فهي دعوة إلى إقامة الحياة على غير الدين، وتعنى في جانبها السياسي بالذات.. اللادينية في الحكم، وهى اصطلاح لا صلة له بكلمة العلم ، والمذهب العلمي ( )
ولاشك أن كلمة العلمانية اصطلاح غربي ، يشير إلى انتصار العلم على الكنيسة النصرانية ،  التي حاربت التطور باسم الدين( ).ومن هذا يتضح لنا أنه لا علاقة لكلمة العلمانية بالعلم، وإنما علاقتها قائمة بالدين على أساس سلبي ، وهو نفي الدين عن مجالات الحياة: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والفكرية....
وخلاصة القول : إن العَلمانية اسم لمذهب فكري ، عقدي ، اجتماعي ، يهدف إلى حمل الناس على إبعاد الدين عن حياتهم ، ويعمل في مجالات ومحاور عديدة منها : 
المحور السياسي والاقتصادي: بجعل القوانين الوضعية هي أساس السياسة، والاقتصاد ، ولا اعتبار للدين . 
المحور الاجتماعي : ويعمل على خلق نظام اجتماعي يستمد قيمه من الفلسفات البشرية دون النظر للدين  وعدم اعتبار الدنيا قنطرة للآخرة – كما يقول الدين الصحيح - ، وقصر اهتمامهم على ملذات الدنيا . 
المحور التربوي والأخلاقي : بإبعاد التوجيهات الدينية عن مجالات التربية ، والأخلاق ، واستمدادها من نظم الحياة المعاصرة 
 المحور العقدي : ويقوم على الإيمان بالمادة  المحسوسة ، ورفض الإيمان بالميتافيزيقا ، أو ما وراء الطبيعة ، أي : بالغيبيات ، وما لا يُدرك بواسطة الحواس الخمس .. ( )
ولعل أوضح تعريف للعلمانية هو ذاك الذي ورد في مناقشات المجلس النيابي الفرنسي لدستور 27/10/1946 وقد جاء فيه:  إن العلمانية هي حياد الدولة تجاه الدين...(   )
أي أن الدولة لاتلتزم بأي معتقد ،  أو دين .. كما أنها لا تخص أي دين باعتراف خاص به... أو بعطف خاص ... أو بمساعدة امتيازيه ... ولا تقوم في نفس الوقت بالدعوة للإيمان بأي دين 
فالعلمانية بإيجاز : هي عزل الدين عن الحياة الاجتماعية للأفراد ، وعن شؤون الإدارة ، والتعليم ، والحكم.
دور الدين في بناء الأمم 
لا شك في أن القرآن الكريم كان من أهم العوامل التي صنعت الأمة الواحدة ، يضاف إلى ذلك إخلاص القيادة الأمينة على تطبيق تعاليمه وأحكامه ، ومن خلال إيمان هذه الجماعات ووعيها تحققت لها الحياة الاجتماعية الأفضل، وقد كان للقرآن الكريم الدور المؤثر  والفعال في يقظة تلك الجماعات عندما خاطبها بلسانها ، وعبر  عن أحاسيسها ومشاعرها ، فأدركت واقعها ، وعرفت دورها في الحياة ، وتحملت مسؤوليتها ، واستجابت للنداء الذي كان مصدراً لحياتها ، كما قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (الأنفال: 24 ).
فاعتبروا القرآن بتوجيهاته وتعليماته ، وأحكامه وتشريعاته ، منطلق التغيير الى الحياة الأحسن في مختلف الميادين ،وقد أدركوا أنه كتاب منزل من السماء لتغيير الواقع ،وقد تعاملوا مع القرآن على هذا الأساس ،  فلم يستعملوه وسيلة لتبرير واقعهم ، بل لتغييره وصنعه من جديد ، كما أراد الله تعالى،  وكان التركيز على دور القرآن الكريم في حياة الأمة،  وأنه لا ينتهي بانتهاء حياة النبي – صلى الله عليه وسلم - ،  كما يشير الى هذا المعنى قوله تعالى:   (   وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) ( آل عمران : 144) . فالقرآن بقي مصدراً للحياة ،  وظل قادراً على العطاء والتغيير ، وبقي دوره مستمراً بعد انتهاء دور الرسول  - صلى الله عليه وسلم - . .
وقد وصلت الأمة إلى أوج عظمتها في تلك المرحلة من الزمن ، وفي فترة بسيطة أصبحت أمة الأمم ، وربة السيف والقلم ، تحمل رسالة السماء الى كل أصقاع الأرض ، والفضل يعود في ذلك إلى القرآن ،  الذي غدا شريعة الحياة ، ومنطق الفكر والسلوك .
والتراجع الذي تعيشه الأمة اليوم ، ليس ناجماً عن عدم تلاوة القرآن ، فهو يُتلى في المناسبات وهي كثيرة ، ويتلى في الإذاعات ، بل له  إذاعات مخصصة لتلاوته وتعليمه ،  وكما أنه ليس ناشئاً من قلةٍ في كتب التفسير ، فهي كثيرة – والحمد لله - ، وليس ناشئاً من تعقيد في أساليبها ، فالقرآن – في اعتقادي -  أوضح بياناً ، وأكثر هدياً ، وأرقى أسلوباً  ، من كل الكتب التي تحاول إيضاحه وتفسيره..
إن المشكلة التي نعاني منها ،  ناشئة من ابتعادنا عن مصدر الضوء ، ونبع الهدى ، وما التخبط الذي نعيشه في مجالات الفكر،والسياسة ، والاجتماع ، إلا مظهر من مظاهر بُعدنا عن تعاليم  ديننا ، وعن القرآن ، كما قال الله تعالى:   (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) ( طه: 124).(  )
لقد عرف اليهود ما للدين من أثر على الأفراد والجماعات.. فقد تشتتوا تحت كل سماء ،  وفوق كل أرض..  (  وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)  (الأعراف: 168  )  ،  واندثرت لغتهم أو كادت .. ولكن رابطة الدين اليهودي ، هي التي مكنتهم من تحقيق حلمهم في استيطان فلسطين... 
وكذلك عرفه أسلافنا الأوائل .. عندما خرج الحفاة العراة ، رعاة البُهم والشاة من الجزيرة العربية ، يَدُكُّون مُلك كسرى ، ويُجبرون قيصر على إلقاء نظرة كسيرة على سوريا ، وهو يقول : وداعا يا سوريا ، لا لِقاءَ بعده.. هل كان العرب المسلمون متفوقين  تكنولوجياً على فارس ..وروما ..؟ 
هل كان المجتمع الإسلامي – بالمقاييس المادية – أكثر عصرية وتمديناً من المجتمع الروماني بكل حضارته وعلمه .. ومدنيته ..؟ أم كان أكثر تقدماً وتفوقاً على  علم الفرس ، ومدنية   الفُرس ..؟ 
لا... فالعربي الذي أسر ابنة كسرى ، افتدوها منه .. فطلب ألف درهم ..!
 قالوا له : لو طلبت مئة ألف لدفعنا .. 
رد العربي المنتصر : كنت أحسبُ أن الألف نهاية العدد .. 
وحكى عبيد بن جحش السلمي ، قال : ( لقد رأيتنا وإنا لنطأُ على ظهور الرجال من جيش  الفرس ، ما مسَّهم سلاح ، قتل بعضهم بعضاً ، ولقد رأيتنا أصبنا ( جراباً من كافور ) فحسبناه مِلحاً  لا نشك أنه ملح ، فطبخنا لحما ، فجعلنا نلقيه في القدر فلا نجد له طعماً ، فمر بنا رجل معه قميص ، فقال : يا معشر   العرب ، لا تُفسِدوا طعامكم ، فإن ملح هذه الأرض لا خير فيه ، هل لكم أن تاخذوا هذا القميص ..؟ فأخذناه منه ، وأعطيناه رجلاً منّا يلبسه ، فجعلنا نطيف به ونعجب منه ، فلما عرفنا الثياب ..؟؟! إذا ثمن ذلك القميص درهمان ..)(   )  
بهؤلاء الذين لا يعرفون في العدد أكثر من ألف .. والذين لا يعرفون الملح من الكافور .. والذين ما كانوا قد عرفوا الثياب بعد .. انتصر الاسلام .. ودكوا ملك كسرى وقيصر .. وانتشروا يحكمون الأرض من البحر المتوسط إلى أواسط آسيا ومشارف أوروبا ..
 فلماذا انتصر هؤلاء وعجزنا نحن ..؟ لأن العرب الأوائل كان معهم الإيمان .. فقهروا به الدنيا .. 
لقد فاجأهم الفرس بسلاح ما عرفوه من قبل ولا جربوه .. إنه الفيل .. حتى إنه لما جيء به إلى المدينة بعد    ذلك ، طافت به النسوة متعجبات ، وهن يقلن : ( هذا من صُنع الفرس ..!!؟  ) ولم يصدقن أنه من مخلوقات الله .. ظنوه آلة..    أو حيلة فارسية ..!   ومع ذلك لم يَجبُنُوا .. ولا  فَرُّوا أمام الفيل .. 
كانت بيزنطة سيدة البحار بلا منازع ، وكان البحر الأبيض المتوسط بحيرة رومية ، وعمر بن الخطاب  – رضي الله عنه – قاهر الفرس والروم لم ير البحر ، ولا ركب سفينة في حياته ، طلب من عمرو بن العاص – رضي الله عنه – أن يصف له البحر ، فوصفه بعبارات بليغة أفزعت عمر – رضي الله عنه - ، فأقسم أن لا يحمل المسلمين عليه أبداً  ... 
ومع ذلك طُردت بيزنطة من شواطىء البحر المتوسط ، ولم تمض سنوات حتى يكون للمسلمين الأسطول الأقوى ، وحتى يُنزلوا بالروم هزيمة ساحقة في موقعة ذات الصَّواري (  ) ..
ماذا كان يملك العرب المسلمون .. لا شيء سوى العقيدة ( التفوق الروحي ) الإحساس بأنهم يقاتلون من أجل قيم أسمى وأفضل .. ونظرة للوجود .. وللإنسان .. وللكون ..وللحياة .. أفضل من نظرة خصمهم .. فحق لها أن تنتصر .. 
والعلمانيون في بلادنا .. والحَداثيون .. الذين تسمموا بالغزو الفكري عموماً ، يظنون أنه مما يتنافى مع التقدم الآلي .. والمجتمع العصري ..... أن يتمسك المرء بدينه ، لذلك فقد سارعوا بما يملكون من وسائل دعاية وتضليل إلى تزييف التفسيرات التي تعلل سبب هزيمة العرب   ( المفتعلة .. والمقصودة !) في حزيران 1967م ..فسمعنا بحكاية المجتمع العصري .. وضرورة أن نصبح مجتمعاً عصرياً إن أردنا هزيمة  اليهود ...وأن الهزيمة ترجع إلى اختلاف مستوى التعليم بين العرب واليهود ..! هذا التفسير ( المجتمع العصري ..!!) يجعل من الهزيمة قَدَراً محتوماً.. ويُحَمِّل التخلف وحده مسئولية الهزيمة .. وانتظروا يا عرب حتى يسوق الدبابة مهندس ..!
ولا نظن أن عربياً بحاجة إلى من يعلمه فضل التكنولوجيا .. وأهمية المخترعات الحديثة .. وليس في العرب اليوم من يفضل الحمار على السيارة .. أو ( لمبة الجاز أو الغاز ) على المصباح الكهربائي .. وهل كنا بحاجة إلى هزيمة ( 5 يونية – حزيران ) لنكتشف أهمية العلم ..؟ 
بل تركنا العلمانيين  يتطاولون على قرآننا أمثال ( أركون ..وأبو زيد ....والجابري ،  وغيرهم من العَلمانيين... والحداثيين ) الذين يحاولون في كتاباتهم المُـكـررة والمُملة ، نزع الثقة من القرآن الكريم   وقداسته ، واعتباره نصاً أسطورياً ،  قـابـلاً للـدراسـة ، والأخذ ، والـرَّدّ... 
بينما دولة العدو الغاصب أحيت من الحفريات لغة انقرضت .. وأسمَت كل منشآتها بها ، 
( كنيست.. هستدروت ... شيقل ) كل هذه المصطلحات لم تسمع بها العبرية قبل أن تختفي من الحياة نحتت لها الألفاظ العبرية ..واشترطت على كل مهاجر إليها أن يتخلى عن اسمه القديم .. ويتخذ اسماً عبرياً ..هل حالت  العبرية  التي تدرس بها ( دولة الغاصبين ) في معاهدها وجامعاتها ، دون دراسة الطب والعلوم العلمية     المختلفة ..؟ 
هل العبرية لها في العلوم تاريخ أعرق من العربية ..؟ لماذا يتوقف العلمانيون عندنا وحدنا ، ويصرون على أن العلوم لا يمكن أن تدرس بالعربية .. ويحذروننا من التخلف إن فعلنا ذلك .. زادهم الله تخلفاً .. ليس الخلاف على الآلات ... فلا بد من امتلاكها ..بل على الروح التي تمكننا من امتلاك هذه الآلات .. 
اليهود عندما أرادوا أن يبنوا دولة .. ويقاتلوا .. عرفوا قيمة القيم الروحية .. وهم يُصرون الآن على يهودية الدولة ..غير عابئين باعتراض أحد ، لأنهم متأكدون أنه لن يعترض عليهم أحد ..
وإن تجرأَ أحد على ذلك  فلسان حالهم سيقول  له :   اشرب من البحر الميت ..
ولكن  أين اعتراضات الحداثيين والعلمانيين .. وجماعات حقوق الإنسان ..وغيرها من الجماعات التي نسمع بها عندما يتعرض أي يهودي لخطرٍ ما ..؟؟   لو أن دولة إسلامية فعلتها .. لما سكتت وسائل الإعلام عن التنديد بأسلوب قوي اللهجة .. ولكن يحق لليهود مالا يحق لغيرهم ..!!
 اليهود الذين لا تاريخ حقيقيٍّ  ًلهم .. جعلوا من توراتهم التاريخ الذي يتعصبون له ، ويستصرخونه وقت الشدائد ..  اليهود الذين اندثرت لغتهم ..أعادوا بعثها .. وفرضوها على العالم .. ونالوا بها جائزة نوبل .. لأنهم يعلمون أنه لا يمكن إقناع اليهودي الأمريكي بمغادرة واشنطن ، ونيويورك ،  والهجرة إلى صحراء النقب  من أجل العيش في مجتمع عصري ..!
وإنما يهاجر اليهودي من أمريكا وغيرها ..حيث كل شيء عصري .. إلى فلسطين .. بدافع العقيدة .. وبحمى العقيدة يقاتل .. ويبني مجتمعاً عصرياً .. ويصبر على التخلف فيه .. 
فعندما تتخلى الأمم عن عقائدها .. فالنصر حينئذ يصبح للآلة الأقوى ..فإن جمع خصمها بين التفوق في الآلات ، والإيمان بعقيدة .. أية عقيدة .. عندئذ يهزم أصحاب العقيدة الفاسدة من لا عقيدة لهم ( ) ..  
جهود المستغربين في ترسيخ العلمانية
         شهد النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي ، سيطرة الاستعمار الغربي على جميع العالم الإسلامي تقريباً... وقد أرادت قوى الاستعمار حين استتب لها الأمر ... أن تعزز انتصاراتها العسكرية والسياسية بانتصار ثقافي وآيديولوجي ، يضمن لها البقاء في العالم  العربي والإسلامي حتى بعد رحيلها العسكري...وذلك بالترويج للعلمانية في المجتمع العربي الإسلامي ،  ليقوم بتنظيم علاقاته الاجتماعية والإنسانية وفقا لمفاهيمها ،  وليس حسب مفاهيم الإسلام.
واستعملوا في سبيل ذلك وسائل ترغيب وخداع كثيرة...لتكوين قناعات تامة لدى جماهير المسلمين بصلاحية الدعوة العلمانية وأحقيتها ،  ومن ضمن هذه الوسائل :
1- ترجمة المصطلح الذي يدل على( لادينـية ) في اللغات الأوروبية إلى (علمانيـة)  ليكون انطباعاً لدى الإنسان  العربـي المسلم البسيط ، بأن هذه الدعوة تتصل بالعلم وتنبع منه ... ولو كان المقصود به إقامة الدولة على أساس علمي ،  أو إدخال منجزات العلم الطبيعي ،  وجعلها في متناول الإنسان في المجتمع... وتيسير حياته  ، وجعلها أكثر بهجة وراحة... فمن السُّخف بمكان في هذه الحالة تسمية دولة ما بأنها علمانية دون غيرها...وتسمية مجتمع ما بأنه علماني دون غيره...فإن أشد الدول والمجتمعات الدينية تزمتاً ومحافظة لا تمانع في تسيير حياتها المادية بما يوفره العلم من منجزات في شتى الحقول والمجالات ، وإذن فلا معنى لتسمية دولة ما بأنها علمانية ، لمجرد أنها تستخدم منجزات العلم في حياة مجتمعها...وإذا لم يكن الأمر كذلك .. فهل يعني كون الدولة علمانية أن نظامها الإداري،  ونظامها الإقتصادي يقومان على أسس علمية .. ؟؟!!
    فالدولة الفلانية لا تدير شئونها وشئون اقتصادها على نحو عشوائي غير مخطط وغير مدروس ، وإنما تتبع في ذلك أصول وأساليب العلوم الإدارية ، وأساليب العلوم الاقتصادية فتبنى إدارتها واقتصادها على أساس من ذلك.
      فمن الوضوح بمكان أن أشد الدول والمؤسسات الدينية لا تمانع لأسباب دينية في تنظيم إدارتها وشئونها المالية والاقتصادية على أسس علمية ، تضمن لها أكبر قدر من الإنتاجية...بل تسعى إلى ذلك وتكلف الخبراء لتنظيم شئونها ، على أفضل الأسس والأساليب التي توفر لها زيادة في الإنتاج  مع إتقان في العمل...ومن السخف كذلك وصف دولة ما أو مؤسسة ما بالعلمانية  ، لمجرد أنها تتبع أساليب علمية في الإدارة وغيرها من شئون التنظيم.
       إن العلم الطبيعي ،  وتنظيم العمل ، وأساليب الإدارة أمور مُشاعة في كل المجتمعات وكل الدول .. ولا يوجد دين كما لا توجد مؤسسة دينية-في هذا العصر على الأقل- يقفان في وجه العلم الطبيعي ،  أو يرفضان بناء إدارة ومؤسسات ذات إنتاجية عالية لأسباب دينية محضة.. فالعلوم الإدارية والطبيعية محايدة من هذه الجهة.. ليست مع الدين وليست ضده، وهذا من الأمور الواضحة للعيان .. فيما أمامنا من دول ومؤسسات ليست علمانية بالتأكيد ...
إذن فالعلمانية لا تعني هذا ولا ذاك... وإنما تعني شيئا آخر غيرهما...وهو عبارة عن أمرين متكاملين...ولا تكون الدولة علمانية بدونهما.. وهما :
الأول:مصدر الشرعية في السلطة السياسية.
الثاني:التشريع الدستوري والقانوني في الدولة.
وبالنسبة للأمر الأول:    تعني العلمانية أن الشرعية التي تخول السلطة السياسية أن تحكم المجتمع وتسيره وفقاً لمفاهيمها وخططها ليست مستمدة من الدين...فالدين ليس مصدرا للشرعية التي تتمتع بالسلطة السياسية في الدولة العلمانية..ولا تتوقف شرعية السلطة السياسية على أن تنال اعترافاً بها من السلطة الدينية.
      وقد يكون هذا منسجماً مع العقيدة المسيحية...لأن تدخل الكنيسة في شئون الدنيا والحكم والسلطة ، لم يكن فكراً مسيحياً...وإنما هو من تصرفات الكنسيين اللذين أقحموا كنيستهم في هذا الميدان...لأن العقيدة المسيحية في صفائها الأول .. تبتعد عن السياسة ،  وتترك ما لقيصر لقيصر..وما لله لله...بينما الإسلام يتصل بشؤون الدنيا .. وينظم بمبادئه علاقاتها...ففي الدعوة للعلمانية نوع من العودة لجوهر المسيحية في إيمان المسيحي ،  ولكن في العلمانية نوع من الإفقاد لبعض جوهر الإسلام في يقين المسلم...حسب قول الأستاذ طـارق البشري .
      والدعوة للعلمانية كذلك منحازة لرؤية الأقلية الدينية على حساب رؤية الأغلبية  ، ثم أن التاريخ الأوروبي عرف نوعاً من السلطان الدنيوي للكنيسة ورجال الدين..لدرجة أن البابا(غريغوريوس السابع)أعلن أن الكنيسة هي صاحبة السيادة في العالم كله.. !!       وأنها تستمد نفوذها من الله مباشرة ومن غير حجاب ! وأنها معصومة..  ولا تخطئ ولا تضل أبدا... وأن الإمبراطور ليس كما يدعي أنه ظل الله في الأرض ، لأنه إنما يعتمد على القوة الغاشمة  ،  بل قد أراد  هنري الرابع    أن يستقل عن الكرسي الرسولي ، وأن يعين الأساقفة بنفسه...فعلم بأمره البابا غريغوريوس  فغضب عليه ..وأصدر قراراً في سنة 1075م يحظر على الملك هنري الرابع تعيين الأساقفة ، فرد عليه الملك المذكور بقرار مقابل يقضي بإسقاط البابا عن كرسيه في روما ... ولكن البابا أجابه بقرار مقابل يقضي بإلقاء    الحرمان   على الملك ومنعه من الحكم...وأحل جميع المسيحيين من الولاء المعقود له ، ويدعوهم أن لا يعترفوا به كملك..فسرعان ما تقيد الناس بأمر البابا...ورأى الملكُ نفسهُ وحيداً منبوذاً...فاضطر في    27/1/1077 م   أن يذهب إلى  قصر كانوسا حيث كان يقيم البابا غريغوريوس السابع..بعد أن ارتدى ثوبا من الشعر ،  وانتظر على باب القصر راكعاً على الثلج حافي القدمين-تماماً كما طلب منه البابا-ليطلب منه غفران إساءاته...وأخيرا أمر البابا بإدخاله..وبعد أن طلب منه العفو رفع (الحرمان)عنه...واعترف به كملك..  فعاد وتولى عرشه !!
       بل أصبح لرجال الدين المسيحي محاكم خاصة ، ولهم أملاك عقارية خاصة ، وسجون رهيبة ،  ويفرضون الضرائب على الشعب ، وأصبحت الكنيسة دولة دينية داخل دولة  مدنية ، وأخذت تمنح صكوك الغفران لمن ترضى عنه ، وتُقطِعُ مساحات شاسعه في الجنة لمن تشاء ، وتشن حروباً دينية على المسيحيين المخالفين لعقيدتها ، حتى أنها في عام 1571 تم بفضل الكنيسة وتسامحها ذبح آلاف المسيحيين البروتستانت في ليلة واحدة ، وراحت تنشئ محاكم التفتيش الطاغية... التي كان من أخف أحكامها : الحرقُ ،  والسجن المؤبد ، والنفي ،  والتعذيب..حتى بلغت ضحايا هذه المحاكم الدينية منذ القرن الثالث عشر وحتى القرن الثامن عشر..  ما يزيد على تسعة ملايين نسمة !! 
       ولهذا جاءت العلمانية لتقاوم هذا السلطان ،  وهو سلطان كان يُمَثِّلُ نُتوءاً شاذاً في العقيدة المسيحية..بينما المجتمع الإسلامي لم يعرف في تاريخه سلطة لأي مؤسسة دينية تماثل سلطة الباباوية الكاثوليكية في القرون الوسطى..
فالازهر مثلاً..له مكانة في نفوس المسلمين..وهو أكبر وأقدم موئسسة دينية إسلامية في العالم        الإسلامي ..ومع ذلك لم تكن له سلطة ما على الحكومات المتعاقبة في مصر...منذ عهود طويلة غابرة وحتى العصر الحاضر..ولو رجعنا الي الثَّبت الذي نشره   مركز وثائق تاريخ مصر الحديث   عن النظارات والوزارات المصرية ، من  أول هيئة عام 1878م إلى قيام الجمهورية المصرية عام 1952م  ، يلاحظ أن أزهريا واحداً ..أو ذا تعليم ديني ..لم يتول أية وزارة لاية مدة طوال  ثلاثة أرباع القرن...اللهم إلا  أربعة أزهريين..وهم:الشيخان : مصطفى عبدالرزاق ، وعلي عبدالرزاق ، والشيخ محمد فرج       السنهوري ،  والشيخ أحمد حسن الباقوري.
 وذلك من جملة عدد الوزراء الذين يبلغ عددهم في هذاه الفترة (298  ) وزيراً..
       وهؤلاء الأربعة..لم يتولوا إلا وزارة الاوقاف..التي تشرف على الأوقاف الإسلامية وشئوون المساجد..فكان تعيينهم فيها أشبه بالتعيين  الطائفي..ولم يحدث قط أن تولى شيخ أو ذو تعليم إسلامي ، ولا هؤلاء الأربعة السالف ذكرهم وزارة أخرى..حتى ولا الوزارات التي تؤهل المثقفين ثقافةإسلامية لتوليها  كوزارة العدل التي تضم المحاكم الشرعية  ، أو وزارة المعارف.
وحتى وزارة الاوقاف التي أنشئت عام 1878 م وألغيت عام 1884م ثم أُعيدت عام 1913 م ...فإنها على مدار( 45  )سنة  من وجودها الى عام 1953م  ، لم يتولاها وزير شيخ إلا هؤلاء الأربعة..وباقي وزرائها – وعددهم( 48  ) وزيراً - كانوا مدنيين..وحتى هؤلاء الأربعة لم يزد مجموع شغلهم لها إلا نحواً من سبع سنوات ونصف....كما أن الشيخان مصطفى عبدالرزاق ، وعلي عبد الرزاق،  لم ترشحهما للوزارة مشيخة الأزهر..بل تولياها رغماً عن مشيخة الأزهر..فقد كان أقرب إلى جيل الموئسسات الحديثة فكرياً واجتماعياً..إذ تلقى الأول قسماً من تعليمه في فرنسا..والثاني في انجلترا..وسلك كلاهما من الأعمال ما يبعدهما عن مؤسسة الأزهر..وكانا من ركائز الدعوة للتحديث الفكري بالمعنى الشائع في وقتها..وكان مركزها ومركز أسرتها في (حزب الأحرار الدستوري) ، وهو المُرَشِّح الأساسي لهما.. 
وارجع لكتاب الحياة النيابية والأحزاب في مصر (   )  لتعرف حقيقة هذا الحزب.
     وجملة المدة التي تولياها في الوزارة تبلغ نحواً من ستة سنوات ونصف..أما الشيخ فرج السنهوري فتولى الوزارة شهراً واحداً .... والشيخ الباقوري عشرة أشهر..وبعد ثورة 1952 م إطَّرَدَ على نحو ما .. تولي ذو تعليم ديني وزارة الأوقاف ،  ووزارة شئون الأزهر حسبما أضيف إلى اسمها..ولكن لما يجاوزها واحد من هؤلاء  إلى غيرها قط..
فالإسلام   -كماأسلفنا-  لم يعرف سلطة لهذه الموئسسة في تاريخه الطويل..كالتي كانت للكنيسة الكاثوليكية في القرون الوسطى...  فلماذا نأخذ حلاً لمشكلة ليست عندنا ؟!
     أما بالنبسة للامر الثاني :-
        فتعني العلمانية لدى دعاتها: ان يقوم التشريع القانوني والدستوري في المجتمع والدولة على أساس غير ديني.. ويشمل ذلك كل مشارع التشريع بما في الاحوال الشخصية للفرد والعائلة  ، من زواج وطلاق وما يتفرع من ذلك ويعود اليه.
         وثمة سمة أخرى للدولة العلمانية متفرعة عن هذا الجانب التشريعي ، وهي : أن القيم والأخلاق الدينية لا تعود موضع اعتبار واحترام من وجهة النظر الحقيقية للدولة..وإذا كانت أجهزة الحكم في بعض الحالات تتضاهر بالغيرة.. فذلك فقط لإسكات الرأي العام... إذا كانت لا تزال لدية بقية من الإحساس  بالقيم ... والاخلاق الدينية.
    ونقول:-
        اذا ثار المصلحون وعامة الناس على الدين المُحَرَّف .. وعلى رجال الدين المسيحي.. الذين أكلوا أموال الناس بالباطل ، وباسم الدين ، وطالبوا الكنيسة أن تلازم حدودها المعروفة على عهد المسيح-عليه السلام- ، بتهذيب أخلاق الناس فحسب...وتطبيق مفهوم تعاليم الانجيل : (بترك ما لقيصر لقيصر وما لله لله) إلا أن هذا الأمر لا ينطبق-كما أسلفنا- بحمله على الإسلام..لأن الإسلام جاء منظماً لجميع شئون الحياة ..وليس علماء الإسلام في الدولة الإسلامية إلا فئة اختصت ببعض الدراسات الدينية ،  لهم ما للأمة..وعليهم ما عليها  ، ولا يَفضُلون أي فرد إلا بالعلم والتقوى.
   وقد علق الامام محمد الخضر حسين-شيخ جامعة الأزهر- على مطالب بعض الببغاوات المرددين للفكر الغربي بقوله:    إن الذين يدعون إلى فصل الدين عن السياسة فريقان:
فريق يعترفون بأن للدين أحكاماً تتصل بالقضاء والسياسة.. ولكنهم ينكرون أن تكون هذه الأحكام كافلة بالمصالح..آخذة بالسياسة إلى أحسن العواقب..ولم يبال هؤلاء أن يجهروا بالطعن  في أحكام الدين وأصوله..وقبلوا أن يسميهم المسلمين بالملاحده.
     ورأى فريقٌ آخر أن الاعتراف بأن في الدين أصولاً قضائية .. وأخرى سياسية ،  ثم الطعن في صلاحيتها إيذاناً بالانفصال عن الدين ، وإذا دعا المنفصل عن الدين إلى فصل الدين عن السياسة .. كان قصده مفضوحاً ، وسعيه خائباً..فاخترع هؤلاء طريقاً حسبوه أقرب إلى اتجاههم  ، وهو أن يدَّعوا  أنَّ الاسلام توحيد وعبادات..ويجحدوا أن يكون في حقائقة ماله مدخل في القضاء والسياسة..هذان مسلكان لمن ينادي  بفصل الدين عن السياسة..  
     وفي معرض رده على أولئك المضللين من دعاة فصل الدين عن الدولة يقول:-    وفي القرآن أحكام كثيرة ليست من التوحيد ولا من العبادات ، كأحكام البيع ، والربا ، والرهن ،  والدين ، والإشهاد ، وأحكام الزواج ..والطلاق ...واللِّعان ... والظِّهار ... والحجر على الأموال .. والوصايا ..والمواريث.... وأحكام القصاص... والدِّية ...وقطع يد السارق ...وجلد الزاني..  وقاذف المحصنات.. وعقاب السَّاعي في الأرض فساداً..بل في القرآن آياتٌ تحث على الجهاد ... وهذا يدلك على أن من يدعو إلى فصل الدين عن السياسة ،  إنما تصور ديناً آخر فسماه الإسلام... 
وفي نهاية مقاله يبين فضيلته حقيقة الداعين للعلمانية في بلاد المسلمين بقوله: 
  فصل الدين عن السياسة هدم لمعظم حقائق الدين .. ولا يُقدِمُ عليه المسلمون إلا بعد أن يكونوا غير مسلمين   . (  )  . 
 إذن فحقيقة الدولة العلمانية وجوهرها تقومان على أن تكون شريعة السلطة السياسية فيها مستمدة من الشعب..ومن ثم فإن هذه السلطة لا تستمد شرعيتها من الدين..وأن يكون تشريعها قائماً على أساس غير ديني.
      وهذا يعني: أنه بدلا أن يعود الناس أو السلطة الحاكمة في شأن وضع القوانين والشرائع المنظمة للمجتمع والدولة   .. إلى الدين..يستوحون من مبادئه أحكامهم ..وشرائعهم..  ونظمهم..فإنهم يرجعون في هذا الشأن إلى عقولهم..أو عقول طائفة منهم..وما ترى هذه العقول ملائماً لمصالحهم بحسب إدراكهم لهذه المصلحة..الآنية والمستقبلية..فيشرعون لأنفسهم على ضوء إدراكهم هذا..وقد بينا في الصفحة الأولى من هذا البحث عدم مقدرة العقل على ذلك..لأن العقل قد يضلُّ أو يزيغ..وقد يرى حسناً ما ليس بالحَسَنِ..فلا بد له من هادٍ وحاكم وهو الشرع..
2-ومن شر وسائل الخداع والتمويه والتلبيس التي استعملها العلمانييون  لإيجاد المناخ الذهني والنفسي الملائم لغرس العلمانية في المجتمع الإسلامي...ترويج المفهوم الغربي المادي للدين..وهو المفهوم الذي يعتبر الدين شأناً شخصياً كشئون  الإنسان الأخرى الروحية والنفسية والعقلية..ولا شأن له ولا علاقة بالحياة وتنظيمها..والمجتمع وعلاقاته..  فأدخلوا في أسس الثقافة الجديدة للمسلمين مفهوم: دين ودنيا ...   وإذا كان الدين حسب مفهومه الغربي المادي شأناً شخصياً بحتاً ،  لا شأن له بالحياة ولا المجتمع.. فإن الدنيا تكون خارج إطار الدين ونظمه وتعليمه ، وتُنظم بالعلمانية.
   وهذا المفهوم مضاد للمفهوم الثقافي الإسلامي في هذه المسألة ،  فالدنيا حسب المفهوم الاسلامي لا تقابل بالدين ، وإنما تقابل بالآخرة..
فيقال :دنيا وآخرة ،  والدين يُنظِّم حركة الإنسان في الدنيا ،  ليتحقق له المصير الحسن في الآخرة..  والدنيا في الإسلام مزرعة الآخرة.
        ومن حججهم الرئيسة أيضاً قولهم : إن هناك طوائف دينية تعيش معنا في الوطن...  فتعصب الدولة لدين معين كالإسلام مثلاً..يَضُرُّ بمصلحة الطوائف الأخرى...
فالعلمانية تبدو في ظاهرها صيغة محايدة..لأنها تستعبد كلاً من الإسلام ، أو المسيحية ، أو اليهودية عن شئون الدنيا .. وتقيم النظم والقوانين على أساس لا يمت لها بصلة ، ولكن استبعاد الدين عن تنظيم المجتمع الإسلامي ،  لا ينتقص من اليهودية أو المسيحية كعقيدة  ، بينما هو ينتقص من الإسلام بعض جوهره..
وكما ألمحنا فيما سلف ، فتحكيم العلمانية هنا... من شأنه أن يُسفر عما أسفر عنه التحكيم الشهير – لو صح - بين أبي موسى الأشعري، وعمرو  ابن العاص...-رضي الله عنهما - .. 
  ثم إن الطوائف غير الإسلامية...واليهودية بالذات..عاشت  أزهى عصورها في الدولة الإسلامية العربية...بل وجد المسلمون أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه ، فمعظم وظائف الإدارة العليا في الدولة كالوزراء  ، ورئاسة الدواوين ، وولاية الأقاليم ، وأطباء الخاصة من ولاة الأمر في يد أهل الذمة ،  الذين تعصبوا لبني ملتهم من اليهود والنصارى ، وعينوهم في كثير من فروع الإدارة ، ومنعوا المسلمين – وهم الأغلبية العظمى في البلاد – من تولي تلك المناصب .. وقد ترتب على ازدياد نفوذ الموظفين الذِّميين ، وإغراق الدواوين بهم _ وبخاصة في خلافة العزيز بالله الفاطمي ،أن تولد شعور بالكراهية بينهم وبين الموظفين المسلمين ، وترك ذلك صداه في نفوس الرعية ، مما حدا بالشاعر : الحسن بن بشر الدمشقي – أحد شعراء مصر إبان خلافة العزيز بالله الفاطمي- أن يصور هذه الظاهرة بأسلوب ساخر ، فقال : 
تنصَّر فالتَّنَصُّرُ دين حقٍ ....................عليه زماننا هذا يدلُّ . 
وقل بثلاثة عزُّوا وجلُّوا  ............وعطِّل ما سواهم فهو عُطلُ . 
فيعقوبُ الوزيرُ أبُ….. وهذا العزيزُ ابنٌ … وروحُ القُدسِ فَضلُ . (   ) 
ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، بل نال المسلمون كثيراً من الظلم والأذى على أيدي المسئولين من أهل الذمة .. حتى كان المسلمون في مصر يحلفون  بهذه العبارة:  ( بحق النِّعمة على بني اسرائيل )..  وهذا ما حدا  بالشاعر  الرضى ابن البواب  أن يقول : -
 يهود هذا الزمان قد بلغوا  .......          نهاية آمالهم وقد ملكوا
 العزُّ فيهم والمال عندهــم    ...        ومنهم المستشار والملك
يا أهل مصر قد نصحتُ لكم    ........     تهودوا فقد تهود الفلك . (   ) 
  وقال الشاعر ابن الخَلّالّ- في النصارى الذين ضايقوا المسلمين في أرزاقهم ، وتولوا أمر الكتابة في الدواوين- هذه الأبيات التي تبين المكانة الي وصل إليها النصارى في ديار
 المسلمين :
إذا حكم النصارى في الفُروج   ...       وغالوأ   بالبغال     وبالسروج 
وذلَّت دولةُ الإسلام طُــراً   ...        وصار الأمر في أيدي العُلوج
فقل للأعور الدَّجال هـذا      ....     زمانك إن عزمت على الخُروج  (   ) 
وقال الشاعر ابن الحاج - في النصارى واليهود ، الذين احتكروا الوظائف المالية والطبية في الدولة الاسلامية -  الأبيات التالية : 
لُعِنَ النصارى واليهود فإنهم      ....      بلغوا بمكرهمُ بنا الآمالا
خرجوا أطباء وحُسّاباً لــكي  ...      يتقسموا الأرواحَ والأموالا (   )
    فالطوائف غير الإسلامية عاشت أزهى عصورها في دولة المسلمين ، إذ كانت معظم المناصب الرئيسة في أيديهم....
    فالإسلام لم يضر بمصلحة الطوائف غير الإسلامية في الدولة  الإسلامية ،  والإسلام الذي حكم ألف سنة متتالية  لو كان يضطهد الأقليات الدينية .. أو كان يقيم محاكم تفتيش كالكاثوليك في إسبانيا  ..لما بقي في بلادنا مسيحياً ، أو يهودياً واحداً..
إذن ...فالهدف الحقيقي من المناداة بهذه الفكرة .. فكره العَلمانية ، هو فصل الدين عن الدولة ، بل عن الحياة  في بلاد المسلمين ...بعد أن تم فصله في بلاد المسيحية..وتضافرت جهود النصارى واليهود والماسونيون على اختلاف اتجاهاتهم وانتمائاتهم الحزبية من قومية وأممية..وأخذوا يطالبون بعلمانية الدولة تمهيداً لعلمانية المجتمع..وغير مستغرب منهم ذلك..إذ ليست عندهم عقائد ثابتة يحرصون عليها...وأهم شيء عندهم هو إبعاد المسلمين عن دينهم وعقيدتهم..ليصبحوا حيارى لا دليل لهم..عليهم من ثياب الذل ألوان...
     وبعد: 
             لقد  بقيت لنا كلمة أخيرة نهمس بها في أذن المنادين بالعلمانية في عالمنا العربي..هل نجحت العلمانية في تركيا؟ وهل أصبح المواطن التركي بعد حوالي نصف قرن من فرض أتاتورك العلمانية.. ؟وهل تغيرت نظرته لليوناني ،  والأرمني؟ هل زال التخلف الروحي والحضاري والثقافي من تركيا بمجرد ترجمة القانون المدني السويسري،  والقانون التجاري الفرنسي.. وتطبيقهما ضمن التراب التركي..بل الذي نراه الآن أن تركيا وشعبها بدأت بنبذ  العلمانية  والرجوع إلى الإسلام ؟ 
     وهل أزالت العلمانية الخلاف بين الكاثوليك والبروتستانت في إيرلندا وكويبك وغيرهما من المناطق الساخنة في الاتحاد الأوروبي..؟ وهل أفلحت العلمانية في تقريب الفجوة بين السيخ والهندوس في الهند..؟ وهل انتشلتها من وَهدة الجوع والفاقة ..؟
     إن البلاد التي طبقت العلمانية منذ وقت طويل في أوروبا وأمريكا .. نجدُ الإنسان المعاصر فيها يعيش أزمة نفسية حادة  ، بلغت أقصى حد من التوتر والقلق...وأصبح يشعر بالضياع.. إزاء هذا التقدم التكنولوجي السريع..ولم يعد يدري تماماً أين المصير..؟ 
والأخطر من ذلك أن الاختلاف الكبير بين التقدم العلمي والتكنولوجي ، والتقدم البطيء في  ميدان الوعي والقيم والأخلاق ، قد تسرَّبَ أثره إلى الجامعة ومراكز البحث..فالإنسان الأوروبي المعاصر...في حالة فكرية مريضة بداء: الغُربة ، والغَثيان ، والعبث ، والتمرد ، واللاّمعقول ، والمادية..
    وليست حركات الشباب المتمرد على المجتمع وقيمه ومثله الدينية ،  كجماعات الهيبز والجِمْلَرْ ، والتافهين وغيرهم ،  إلا تعبيراً عن هذه الحالة..فأصبحت غالبية المجتمعات الأوروبية مستنقعات بشرية وأوحال إنسانية..لا تحيا فيها إلا الشهوات الرخيصة والهابطة..هل هذه حضارة؟ هل هي معرفة ؟..كلا..  بل إنها عذاب في الدنيا قبل عذاب الآخرة..
إن ما يمر به العالم الغربي من خواء روحي  هو تفسير لقوله تعالى : ( نسـوا الله فأنساهـم أنفسهم )  ( الحشر : 19 )  .... وقد تنبأ كثير من المفكرين أمثال(توينبي)و(كولن ويلسون) بسقوط هذه الحضارة..بل كتب أحدهم كتاباً أسماه : (  سقوط الحضارة ) .. 
 ثم إننا نجد الكثير من كبار المفكرين الباحثين عن السعادة..   يتوصلون بعد دراسة جادة إلى الإسلام..فيقبلوا على المنهج الإسلامي في الحياة ... ويرون فيه منجاةً من كل ما يعانونه من عذاب نفسي.. ويعيشون فيه من خوف وخطر .. 
لذلك رأى دهاقنة الاستعمار في الإسلام خطراً على مصير زعاماتهم  ، وحضارتهم..  فحركوا ذيولهم لتقويض أركانه..والقضاء على أتباعه ، ودعاته ، ومراكزه..خاصة بعد صحوة الشباب المسلم في العالم الإسلامي  على الالتزام بتعاليم الإسلام   ،...ذلك أنهم توجسوا خيفة من مستقبلهم في هذه الدول التي استيقظ فيها الشباب المسلم ، وبدءوا يحسبون للإسلام كل حساب ،ولقد كان ذلك أخطر في عيونهم من أي تيقظ ديني في الغرب .. حيث لا يصيبهم ضرر  إذا عمَّ هذا الوعي هناك ، لذلك   فهم لا يبالون بالمجهودات الدعوية التي تبذل في  عواصم الغرب ،  كما يقلقون  للصحوة الدينية في دول العالم الإسلامي..نظراً إلى ما يرتبط بها من مصالحهم السياسية ، والاقتصادية ، والحضارية كذلك..واعتقاداً منهم في أن أرضَ الغرب قد نَبَت بتلك المصالح..ولم تعد صالحة للنمو والازدهار ، بحكم الطبيعة الفكرية السائدة..ومن هنا كان للغرب وأعوانه..صولات وجولات في العالم الإسلامي بكامله..فظهر في جميع بلدانه وأجزائه بوجه كالح.......يزرع بذور الخلاف الطائفي .. والقَبَلي  والحقد في نفوس المسلمين..لأن الفرقة والانشقاق هما الطريق الوحيد للتوصل إلى الغرض المطلوب..ولئلا  يستطيع الدين القيام بدوره في المجتمعات الإسلامية..
وحشدوا جميع طاقاتهم وإمكاناتهم لتغيير مفاهيم الدين ، وإثارة الشكوك في أصالته..وزرع الشبهات في نفوس المسلمين حول صلاحية بقائه في هذا العصر المتطور.. المتفوق في علومه التجريبية ، وصناعته        المدهشة ، وتقنيته السريعة ، التي غطت جميع مناحي الحياة .. 
ثم شغلوا المسلمين في كل بلد بمشكلات سياسية واجتماعية كثيرة ،  وجعلوهم من العجز والتخلف بحيث لا يستطيعون أن يرفعوا  رؤوسهم إلى عملٍ بنّاء ،  فضلا عن تطلعهم  إلى دَفَّةِ القيادة العالمية ..ثم ركزوا على كَبْتِ الشخصية الإسلامية..وطمس معالم الدين البارزة ، وخصائصه ، وسماته البينة..  أكثر من أي شيء آخر .... لأنهم يعلمون عن تجارب عملية  أن أخصَرَ  طريق وأسهله للقضاء على أمة هو :  قطع صلتها وروابطها بتاريخها وتراثها..وفَصلها عن خصائصها وسِماتها ، وتهوين شأن العقائد والقيم الإيمانية ، التي يقوم عليها بناؤها الخلقي والاجتماعي ، ولكن العودة الملحوظه  نحو الدين..وصحوة شباب الإسلام في معظم البلاد الإسلامية  وخارجها  ، بعثت يأساً  كبيراً في نفوس  زعماء الهدم والفساد..وقد جُنَّ جنونهم آخر الأمر..فالتجأوا  إلى إشعال نار الفتن والحروب بين الدول الإسلامية الشقيقة ، كما شاهدنا في الحرب العراقية الإيرانية...وكالعدوان الصارخ على أفغانستان وشعبها المسلم..والعدوان على الكويت ، ثم على العراق .. وما ألمَّ بشعوبها المسلمة ...  وكالخلافات بين المسلمين في الشمال الإفريقي..وما مجازر  صبرا وشاتيلا .. وقانا .. وبحر البقر ..بخافٍ على أحد .. 
إلى غير ذلك من الحقائق الصارخة التي  يشاهدها كل من له عينان ،  ولا تخفى على كل عاقل...ولا يصعب عليه أن يدرك النوايا التي تختفي وراءها ، وما ذلك كله إلا لأن الإسلام بدأ يخرج من زاوية الخُمول..  وأخذ يتطلع إلى منصة القيادة العالمية..ويتحدى القيادات المادية والفلسفات العالمية ،  أن تأتي بمواصفات السعادة الحقيقية للإنسان في هذا العالم الحديث...كالتي يأتي بها الإسلام..والتي لن يجدوها  إلا في الإسلام..
ويوم يكتشف الوعي الإنساني حاجته إلى المواءمة  بين تقدمه العلمي المادي والروحي.. سيجد الإسلام في انتظاره..  يمنحه حضارة المادة.... وحضارة الروح..ويهديه إلى سواء السبيل..
وعلينا أن نتذكر أن دورنا مع حركة التاريخ وصُنع الحضارة لا يزال قائماً..  وأننا أغنياء جداً بما لدينا  من تراث   ومبادىء ، وقيم ،  ولا حاجة لنا  إلى جِيَف الشعارات التي يأتينا بها المهزومون فكرياً من أبناء أمتنا...سواء أكانوا علمانيين كذبة ومُزَوِّرين ، أم حَداثيين مدلِّسين ... غير أن ذلك لا يمنعنا أن نَفيد من كل فُرَص التقدم النظيف ، دون أن نسلم رقابنا للأغلال ، وديننا للضياع ، وروحياتنا للجفاف.. وعلينا أن نؤمن  بأن الإسلام الذي نحمل لواءه .. لم ولن ينتهي دوره في ترشيد الحياة..  وهداية البشر .. كما لن تنتهي حاجة البشرية له.. كما علينا : أن نُعَمِّقَ إيماننا بأن الاسلام: دين ودولة... ..حقٌّ وقوة.....ثقافة وحضارة..عبادة وسياسة..ولعل ما أوردناه في هذه العُجالة ..  يردعُ الجاهلين .. ويُخجل المتشككين....   (   يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (الصف:8) 
 
 
 
 
                   الهوامش
  - الأكليروس :  كلمة يونانية المقصود بها أصحاب الرتب الكهنوتية ، وهم ثلاث رتب وهي: 
أ-  رتبة الشمامسة .ب- رتبة القسيسية . ت - رتبة الأسقفية.. 
  - انظر معجم العلوم الاجتماعية  مادة ( علماني ) : تصدير ومراجعة الدكتور إبراهيم مدكور ، الهيئة المصرية العامة للكتاب .
  - Ency. Bribunnica vol . ixp  . 19                    
  - oxford  advanced learners dic. Of  current  English  : 785      . 
    -  انظر :د . عبد الصبور شاهين  العلمانية – تاريخ الكلمة  ص 124 مقال ملحق ضمن كتاب أحمد فرج جذور العلمانية 
  -  انظر : منير البعلبكي  قاموس المورد  ص 510 ، 517 ، 518 ، 527 – دار العلم للملايين – بيروت 1970 
  -  انظر : د . عدنان الخطيب ص 146 – 166 ملحق بكتاب  جذور العلمانية  . لا بد من الإشارة هنا إلى أن الخطاب العلماني يهمه دائماً أن يربط العلمانية بالشعب والعامة في مقابل رجال الدين أو الكهنوت انظر : علي حرب  نقد الحقيقة  ص 57 والقصد من ذلك هو أن تبرز العلمانية على أنها تمثل سواد الأمة والشعب في مقابل طبقة احتكارية هي طبقة رجال الدين والكهنوت ، فتكون العلمانية لذلك ذات مدلول إيجابي يقابل القهر والاستبداد . انظر :د. رفعت السعيد  العلمانية بين العقل والإسلام والتأسلم  ص 7 .
  - انظر : د . محمد سعيد رمضان البوطي  العقيدة الإسلامية والفكر المعاصر  ص 247 كتاب جامعي – مقرر لطلاب السنة الثالثة في كلية الشريعة بجامعة دمشق . 
  - انظر : د . القرضاوي :  التطرف العلماني في مواجهة الإسلام  ص 13 – أندلسية للنشر والتوزيع – المنصورة – الطبعة الأولى 1421هـ ، 2000 م وانظر له أيضاً كتاباً أسبق بكثير  الإسلام والعلمانية وجهاً لوجه  ص 48 – دار الصحوة – القاهرة – الطبعة الثانية 1994 م . 
  - انظر : د . المطعني  العلمانية وموقفها من العقيدة والشريعة  ص 7 .
  - الشيخ محمد مهدي شمس الدين  العلمانية  ص 125 . مع أن الشيخ شمس الدين يعيدها إلى العالم على غير قياس 
  - انظر : عماد الدين خليل  تهافت العلمانية  ص 46 مؤسسة الرسلة – ط6 / 1407 هـ 1986 م . وهو يستخدم الكلمة مضبوطة بالكسر في أكثر صفحات كتابه .
  - انظر : د . زكي نجيب محمود  تجديد الفكر العربي  ص 34 ، 35 .
  - انظر : د . سفر الحوالي  العلمانية  ص 21 – دار مكة للطباعة والنشر والتوزيع – الطبعة الأولى 1402 هـ 1982 م مكة المكرمة – وهي في أصلها – رسالة ماجستير مقدمة في كلية أصول الدين – جامعة الأزهر – إشراف د . محمد قطب . 
  - انظر : د . عزيز العظمة  العلمانية تحت المجهر  ص 157 . وله أيضاً  العلمانية من منظور مختلف  ص 17 ، 18 . مركز دراسات الوحدة العربية – ط1 / 1992 .
  - انظر : د . رفعت السعيد  العلمانية بين الإسلام والعقل والتأسلم  ص 7 – دار الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع – دمشق – الطبعة الأولى 2001 م .
  - انظر : د . محمد البهي  العلمانية والإسلام بين الفكر والتطبيق  ص 7 ، 8 – طبعة القاهرة 1976 وله :  الفكر الإسلامي والمجتمع المعاصر – مشكلات الأسرة والتكافل  ص 11 طبعة بيروت 1967 م .  
  -  انظر : د . محمد عمارة  العلمانية بين الغرب والإسلام  ص 5 – دار الوفاء للنشر – الطبعة الأولى 1417 هـ 1996 م سلسلة نحو عقلية إسلامية واعية رقم 23 وله أيضاً :  الحوار بين الإسلاميين والعلمانيين  ص 9 – نهضة مصر – القاهرة يونيه 2000 د . ط سلسلة في التنوير الإسلامي رقم 49 .
  - انظر : د . عبد الوهاب المسيري  العلمانية تحت المجهر  ص 58 – 60 .
  -   انظر :  جذور العلمانية  ص 129 ، 117 ، 146 للدكتور السيد أحمد فرج – دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع – المنصورة – سلسلة نحو عقلية إسلامية واعية رقم 2 – الطبعة الخامسة 1413 هـ 1993 م وقد أضاف الدكتور أحمد فرج إلى الكتاب ثلاثة ملاحق أحدها له ،والثاني للدكتور  عبد الصبور شاهين ، والثالث للدكتور  عدنان الخطيب  .
  - انـظر : د . زكريا فـايد  العلمـانية – النشـأة والأثـر في الشـرق والغرب  ص 11 – الزهـراء للإعـلام العربي – الطبعة الأولى 1408 ، 1988 م .
  - انظر له :  حقيقة العلمانية بين الخرافة والتخريب  ص 7 ، 8 صدر عن الأمانة للجنة العليا للدعوة الإسلامية بالأزهر الشريف – الناشر دار الصابوني – القاهرة د . ط . د . ت .
  - انظر : د . حسن حنفي و د . عابد الجابري  حوار المشرق والغرب  ص 42 – مكتبة مدبولي – الطبعة الأولى 1990م .
  - انظر : د . محمد عابد الجابري  وجهة نظر  ص 102 .
  - انظر له :  ملاك الحقيقة المطلقة  ص 23 – مكتبة الأسرة 1999 م
  - انظر له :  الأسس الفلسفية للعلمانية  ص 37 – دار الساقي – الطبعة الثانية 1998 – بيروت .
  -  انظر له :  حول الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية  ص 90 ، 95 .
  - انظر له :  لبنات  ص 53 – 68 – دار الجنوب للنشر – تونس 1994 والشرفي هنا لم يتعرض لاشتقاق المصطلح إلا أن أسباب حديثِهِ عن سير العلمنة يفهم منه أنه يعتبرها من الدنيوية والعالمانية والتوجه إلى هذا العالم ونبذ المغبيات والماورائيات .
  - انظر : عبد الله العلايلي  حول كلمة علمنة  مجلة آفاق البيروتية عدد خاص بالعلمنة حزيران 1978 ص 1 ، 2 ولكن أنبه هنا إلى أن العلمانية لا تنسب إلى العَلم - بفتح العين - وإنما إلى العالم ، إذ لا صلة للعَلم بالعَلمانية لأن العَلم هو مثل العُلاّمة ما يستدل به ، يعني أنه علامة ، أو دلالة ، وسبب الخطأ كما يبدو قراءة غير صحيحة للقاموس المحيط فقد جاء فيه ، ومَعْلم الشيء كمقعد مظنته ، وما يستدل به ، كالعُلاّمة كرمانة ، والعَلْم . والعالم : الخلق كله . فكلمة العَلْم في السياق مجرورة معطوفة على كلمة العُلاّمة ، أي أن العَلم هو ما يُستدل به ، ولكن بعضهم قـرأ كلمة العَلْم مبتدأ ، وعطف عليها كلمة العالم فكأنه قال : والعَلْم والعالَم : الخلق كله ، وهذا وهم وخطأ في الفهم . أنظر : د . القرضاوي  التطرف العلماني في مواجهة الإسلام  ص 13 .
  - انظر : د . فتحي القاسمي ص 55 ، 65 .
  - انظر : د. ولتر ستيس  الدين والعقل الحديث  ص 251 . ترجمة وتعليق د. إمام عبد الفتاح إمام – مدبولي – القاهرة – ط1 / 1998 . وانظر : د. زكي نجيب محمود  خرافة الميتافيزيقا  ص 3 . مكتبة النهضة المصرية 1953 .
  - انظر : د . برهان غليون  اغتيال العقل  ص 165 . ط3 / 1990 – مدبولي القاهرة .
  - انظر : علي حرب  نقد النص  ص 210 .
  -. انظر  بحث الدكتور أحمد إدريس الطعان عن ( العلمانية ...بكسر العين ، والعلمانية بفتحها ، في موقع 
( ملتقى التفسير ) على الشبكة العنكبوتية  . 
 - انظر قاموس المورد لمنير البعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت 1977م.
  - منير البعلبكي : قاموس المورد ، ص : 510، 517 ، 518 ، 527 . دار العلم للملايين ، بيروت . 
  -انظر الاتجاهات الفكرية المعاصرة د/ علي جريشة ص 85 نقلاً عن المجلد 24.
 - انظر: العلمانية لسفر الحوالي  ص 23.
  -معجم المعلم بطرس البستاني، والكيرُس أو الإكليرَس: جماعة مفرزون ومكرّسون لخدمة  الكنيسة المسيحية كالشمامسة والقساوسة والأساقفة ويقابلهم العلمانيون، يونانيتها: كليرس ومعناه قُرعة؛ لأنهم كانوا في القديم ينتخبون بالقرعة، الواحد إكليريكي جمعه كليريكيون، ويلاحظ أن المعلم بطرس البستاني لم يضع لفظة علمانيين في مادة (ك ل ي) ولكنه وضعها في مادة (ع ل م).  انظر:جذور العلمانية، دكتور السيد أحمد فرج ص154.
  -المعجم العربي الحديث د/ خليل الجسر.
  -المعجم الوسيط ( 2/624 ).
  -الكهنوت: خدمة أسرار الكنيسة - سريانية معربة - والتاء فيه للمبالغة لا للتأنيث كتاء ملكوت وجبروت، ودرجاته ثلاث: الشماس، والقسيس، والأسقف، ومراتبه كثيرة منها: القاري، والخوري، والمطران، والبطريرك، والبابا، وفعله:كهَنَ، وتكهّن تكهُّناً فهو كاهن، ج: كهنة. انظر:جذور العلمانية المرجع السابق، ص 151، نقلاً عن قاموس الأسقف جرمانوس فرحات ط سنة 1849 م في مدينة مرسيليا الفرنسية. 
  -   انظر د. أحمد فرج : ص 138. 
  - الكتاب : لسيبويه ، ج3: ص 280. الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1977م . 
  - د. أحمد فرج : جذور العلمانية : ص 143. 
  - انظر :جذور العلمانية ، د. أحمد فرج : ص 146. 
  - انظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة ص 367.
  -  انظر: الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة ص 103.
  - انظر : العلمانية والاسلام بين الفكر والتطبيق ، د. محمد البهي . وتهافت العلمانية ، د. عماد الدين إسماعيل . والعلمانية نشأتها وتطورها . د. سفر الحوالي . والتيار العلماني الحديث وموقفه من تفسير القرآن ، د. منى محمد بهي الدين الشافعي . ومقالات د. أحمد إدريس الطعان عن العلمانية في الشبكة العنكبوتية .  
  - انظر : جوزيف مغيزل ، العروبة والعلمانية ، ص 21. دار النهار للنشر ، بيروت ، 1980م.
  - بتصرف من محاضرة للسيد علي الأمين السيد علي الأمين ،  في مؤتمر العودة إلى القرآن بدمشق 
  -انظر : الطريق إلى مجتمع عصري ، ص : 15 . 
  - معركة ذات الصواري :  معركة بحرية حدثت في العام 35 هـ 655م بين المسلمين والإمبراطورية البيزنطية وإنتهت بنصر المسلمين. ومثلت هذه المعركة نهاية سيطرة الدولة البيزنطية على البحر الأبيض المتوسط كما أنها أول معركة بحرية يخوضها المسلمون.وكان المعركة بقيادة : عبد الله بن أبي السرح ( والي مصر ) ومعاوية بن أبي سفيان ( والي الشام ) .. رضي الله عنهم أجمعين .. انظر الشبكة العنكبوتية ، الموسوعة الحرة . 
 
  - انظر كتيب ( الطريق إلى مجتمع عصري ) – محمد جلال كشك ، ص : 20-22 . بتصرف واختصار 
  - تأليف جاكوب لاندو : ص171 وترجمة سامي الليثي . 
  - رسائل الاصلاح : ج1: ص 65
  - ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ،ج7: ص 176. القاهرة ، 1353هـ. 
  - السيوطي ، حسن المحاضرة :ج2، ص 153. 
  - المقريزي ، الخطط: ج1، ص 405. 
  - أهل الذمة في مصر : د.سلام شافعي ، ص 91.




آخر إضافات الموقع

الأكثر مشاهدة