حلاوة الذكرى وجلال المناسبة

 طلعت شناعة

تعتبر ذكرى مولد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والتي يحتفل بها اليوم العالمان العربي والاسلامي مناسبة تستحق التوقف عندها لأخذ العبر، وبخاصة في ظل الاحوال التي تمر بها امتنا هذه الأيام. ميلاد سيّد الخلق ـ عليه وآله وأصحابه أفضل السلام ـ حدث عظيم،فهو شارة البدء لتحول في تاريخ البشرية،فصاحبه أنقذ البشرية من الجهل والعبودية والشرك لغير الله عزّ وجل.


وقد اعتدنا في الاردن كما العالم العربي والاسلامي الاحتفاء بذكرى المولد بالتعبد والاستزادة من الدعاء. كما تشمل الاحتفالية طقوسا اجتماعية وانسانية كتوزيع الحلوى التي عُرفت ب «حلاوة المولد» .
المولد النبوي الشريف هو يوم مولد رسول الإسلام محمد بن عبد الله والذي كان في 12 ربيع الأول على القول الأشهر.حيث يحتفل به المسلمون في كل عام في معظم الدول الإسلامية، ليس باعتباره عيدًا، بل فرحة بولادة نبيهم رسول الإسلام محمد بن عبد الله.
تحتفل دول عدة في العالم بذكرى مولد الرسول محمد بن عبد الله حيث تعد هذه المناسبة «عطلة رسمية»  في بضع دول على سبيل المثال سوريا،مصر،ليبيا،الأردن، تونس، الإمارات. بينما يحتفل آخرون بالمناسبة  بلا عطلة .

تأمل
يقول مسعود عبد الرحمن: مولد الرسول محمد عليه السلام مناسبة تستحق التأمل. ففي عالمنا الذي نعيشه نتذكر ايام المسلمين الجميلة حيث التعاطف والتسامح بين الناس. والعلاقات الدافئة التي تقرب بين الجيران وابناء الحي والمجتمع عامة.
لقد علمنا الرسول محمد عليه السلام ان نتمسك بديننا والا نسيء للآخرين، وأن نترجم عقيدتنا الى سلوك في حياتنا.
واشارت نداء مبروك الى ان ذكرى المولد النبوي الشريف تجعلنا نحاسب انفسنا ونقتدي بالصحابة رضوان الله عليهم. ودعت الى تعليم الاطفال وتوعيتهم بسلوكيات الرسول عليه السلام والصحابة الذين حافظوا على رسالة الاسلام وضحوا من اجلها.
وقالت: الجيل القديم اعتاد ان ينتظر هذه المناسبة بفرح ويمنحها من اهتمامه حيث كان الاولاد يطوفون على البيوت وهم يحملون الحلوى في  المطبقنيات  وغيرها من اشكال الحلوى الشعبية.

روعة الاسلام
ويحمل منذر صفوان طالب جامعي، سجادة الصلاة ويتجه نحو المسجد ويتحدث عن المولد النبوي بفكر شاب ويقول: لقد قرأت الكثير عن المناسبة وشعرت بالزهو لكوني شابا مسلما يكتشف كل يوم روعة الاسلام ومحاسن العلاقة التي كانت تربط المسلمين بعضهم ببعض. وما احوجنا اليوم للتعرف إلى ادبيات الاسلام الحنيف والتمسك بالاخلاق التي اورثنا اياها ديننا ورسولنا وصحابتنا الاكرمون.
وعادة ما تمتد الاحتفالية بذكرى المولد النبوي الشريف الى ما بعد يوم المناسبة. فنجد المؤسسات الخاصة والرسمية تحتفل بالحدث الكبير كلا على طريقتها.

أنشودة
وكلما هلت ذكرى المولد  استحضرت النفس انشودة  «طلع البدر علينا»  والتي تعد أقدم نشيد إسلامي اداه الأنصار و أنشدوه لدى وصول النبي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يثرب/ المدينة المنورة، عند استكماله الهجرة. النشيد يعتبر أقدم الأناشيد الإسلامية المعروفة، والذي يبدأ:  «طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع. أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع جئت شرفت المدينة مرحباً يا خير داع .

تاريخ الاحتفال بالمولد


يرجع المسلمون الذين يحتفلون بالمولد النبوي بداية الاهتمام بيوم مولد رسول الإسلام إلى النبي محمد نفسه حين كان يصوم يوم الاثنين ويقول  هذا يوم وُلدت فيه ، ويقال إن الملاء هو أوّل من قام بالاحتفال بالمولد. فيما يذكر الإمام السيوطي أن أول من احتفل بالمولد بشكل كبير ومنظم هو حاكم أربيل (في شمال العراق ) الملك المظفر أبو سعيد كوكبري بن زين الدين علي بن بكتكين.والذي وثقه علماء السنة بأقوالهم:


قال السيوطي وابن كثير: انه أحد الملوك الأمجاد والكبراء الأجواد، وكان له آثار حسنة، وهو الذي عمر الجامع المظفري بسفح قاسيون.


قال ابن خلكان في ترجمة الحافظ أبي الخطاب ابن دحية: كان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء، قدم من المغرب فدخل الشام والعراق واجتاز بإربل او اربيل سنة أربع وستمائة فوجد ملكها المعظم مظفر الدين بن زين الدين يعتني بالمولد النبوي فعمل له كتاب (التنوير في مولد البشير النذير)، وقرأه عليه بنفسه فأجازه بألف دينار .


قال الحافظ الذهبي: كان متواضعا خيرا سنيّا يحب الفقهاء والمحدثين


قال ابن كثير: كان الملك المظفر يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالاً هائلاً، وكان شهمًا شجاعًا بطلاً عاقلاً عالمًا عادلاً.


و في عهد الدولة الأيوبية كان أول من احتفل بالمولد النبوي بشكل منظم في عهد السلطان صلاح الدين، الملك مظفر الدين كوكبوري، إذ كان يحتفل به احتفالاً كبيرًا في كل سنّة، وكان يصرف فيه الأموال الكثيرة، والخيرات الكبيرة، حتى بلغت ثلاثمئة ألف دينار، وذلك كل سنة. وكان يصل إليه من البلاد القريبة من إربل مثل بغداد، والموصل عدد كبير من الفقهاء والصوفية والوعّاظ، والشعراء، ولا يزالون يتواصلون من شهر محرم إلى أوائل ربيع الأول. وكان يعمل المولد سنة في 8 ربيع الأول، وسنة في 12 ربيع الأول، لسبب الاختلاف بتحديد يوم مولد النبي محمد. فإذا كان قبل المولد بيومين أخرج من الإبل والبقر والغنم شيئًا كثيرًا وزفّها بالطبول والأناشيد، حتى يأتي بها إلى الميدان، ويشرعون في ذبحها، ويطبخونها. فإذا كانت صبيحة يوم المولد، يجتمع الناس والأعيان والرؤساء، ويُنصب كرسي للوعظ، ويجتمع الجنود ويعرضون في ذلك النهار. بعد ذلك تقام موائد الطعام، وتكون موائد عامة، فيها من الطعام والخبز شيء كثير.


وفي عهد الخلافة العثمانية كان لسلاطين الخلافة العثمانية عناية بالغة بالاحتفال بجميع الأعياد والمناسبات المعروفة عند المسلمين، ومنها يوم المولد النبوي، إذ كانوا يحتفلون به في أحد الجوامع الكبيرة بحسب اختيار السلطان، فلمّا تولى السلطان عبد الحميد الثاني الخلافة قصر الاحتفال على الجامع الحميدي. فقد كان الاحتفال بالمولد في عهده متى كانت ليلة 12 ربيع الأول يحضر إلى باب الجامع عظماء الدولة وكبراؤها بأصنافهم، وجميعهم بالملابس الرسمية التشريفية، وعلى صدورهم الأوسمة، ثم يقفون في صفوف انتظارًا للسلطان. فإذا جاء السلطان، خرج من قصره راكبًا جوادًا من خيرة الجياد، بسرج من الذهب الخالص، وحوله موكب فخم، وقد رُفعت فيه الأعلام، ويسير هذا الموكب بين صفين من جنود الجيش العثماني وخلفهما جماهير الناس، ثم يدخلون الجامع ويبدؤون بالاحتفال؛ بقراءة القرآن، وثم بقراءة قصة مولد النبي محمد، ثم بقراءة كتاب دلائل الخيرات في الصلاة على النبي، ثم ينتظم بعض المشايخ في حلقات الذكر، فينشد المنشدون وترتفع الأصوات بالصلاة على النبي. وفي صباح يوم 12 ربيع الأول، يفد كبار الدولة على اختلاف رتبهم لتهنئة السلطان.