هل يجوز للمسلم الدعاء بصيغة محددة .. الإفتاء تجيب

السوسنة

قال تعالى "وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدْعُونِىٰٓ أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ" (غافر: 60)

يحب الله تعالى ان يكون الدعاء خالصا لوجهه الكريم، فهو عبادة تقول على سؤال العبد لربه والتضرع له بكل الأحوال والظروف.

وللصائم، دعوة لا ترد، وفقا لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، والمظلوم. رواه الترمذى وابن ماجه.

ويُستحب الدعاء في شهر رمضان المبارك لأنه الشَهر الذى نزل فيه الْقُرآنَ هُدىً لِلنَّاسِ، وشَهْرُ التَّوْبَةِ، والْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ، والْعِتْقِ مِنَ النّارِ وَالْفَوْزِ بِالْجَنَّةِ.

بدورها أوضحت دائرة الإفتاء العام، حكم الشرع في الدعاء التالي: يفتتح به الداعي بالثناء على الله عز وجل بأعظم ما أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم سورة الفاتحة، ثم يصلي على رسول الله عليه الصلاة والسلام، ثم يستغفر لذنبه، ويسأل لنفسه ولوالديه ولأهله ولذوي رحمه خيري الدنيا والآخرة، ثم بعد ذلك يشرع في الصلاة والسلام على الأرواح الطاهرة، فيصلي ويسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى أنبياء الله ورسله بأسمائهم، ثم على الخلفاء الراشدين والآل والذرية والصحب والأزواج، ويذكر في كل ذلك ما يستحضره من أسمائهم، ثم على التابعين وصالحي الأمة، وأئمتها، وكذلك يذكر ما حضره من أسمائهم، ثم يتلو معمماً الدعاء: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}، ثم على المؤمنين العاملين للإسلام ونصرة دين الله، ويخصص بالدعاء من يربطه بهم رباط المحبة، ويذكر الأسماء، ثم يعمم الدعاء على أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيسأل الله لها الرحمة والمغفرة وخيري الدنيا والآخرة، ويشمل دعاؤه الإنسانية جمعاء، أن يخرجها الله من ظلمات الظلم والضلال إلى نور الهدى والعدل؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله

الذّكر والدّعاء من أعظم العبادات والقُرُبات، وبفضلهما شهدت النصوص الكثيرة من كتاب الله تعالى وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهي غير خافية على أحد.

وقد ذهب العلماء إلى جواز الدعاء بالأدعية المأثورة بلا خلاف، وأجاز فقهاء السادة الشافعية الدعاء بغير المأثور، قال شيخ الإسلام الإمام النووي رحمه الله: "قال الشافعي والأصحاب: وله أن يدعو بما شاء من أمور الآخرة والدنيا، ولكن أمور الآخرة أفضل، وله الدعاء بالدعوات المأثورة في هذا الموطن [يعني في الصلاة]، والمأثورة في غيره، وله أن يدعو بغير المأثور، ومما يريده من أمور الآخرة والدنيا" [المجموع شرح المهذب 3 /469]، وروي عن نافعٍ عن عبد الله بنِ عمر: (أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ)، قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَزِيدُ فِي تَلْبِيَتِهِ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ، وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ. رواه أبو داود.

فلا يتعيَّن على المسلم الدعاء بصيغة محددة بحيث لا يصح غيرها، بل يجوز له الدعاء بأي صيغة، وله أن يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة؛ لقول الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]، وقول الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60].

والدعاء المذكور فيه افتتاح الدعاء بالثناء على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وتلاوة الفاتحة، وفيه ذكر أسماء الأنبياء والصالحين الذين تتنزل الرحمات عند ذكرهم، ولا محذور في كل ذلك.

وعليه؛ فلا حرج في الدعاء المذكور إذ لا محذور فيه، والمهم في كلّ حالٍ حضور القلب والإخلاص، والانكسار، والتضرع، وإحسان الظن بالله تعالى. والله تعالى أعلم.