قال النبي ﷺ: «مفتاح الجنة الصلاة، ومفتاح الصلاة الوضوء» [أحمد والترمذي].
والوضوء بمثابة تأهيل من الله للمسلم قبل الدخول عليه ومناجاته، وهو استعمال الماء الطاهر المطهر في أعضاء مخصوصة مفتتحا بنية.
أحكام وضوابط الوضوء الشرعية:
أولا: أركان الوضوء الستة
1- النية: وهي واجبة في كل عبادة؛ وذلك لقول النبي ﷺ : «إنما الأعمال بالنيات...» إلخ [متفق عليه]، بمعنى أنه يجب على المسلم في بداية وضوئه أن ينوي فرض الوضوء، أو الوضوء مطلقا.
2- غسل جميع الوجه: وحدوده هي منابت شعر الرأس كحد طولي، إلى منتهى اللحيين (وهي الذقن) كحد سفلي، ومن الأذن إلى الأذن عرضا. هذه المساحة يجب على المسلم غسلها بعد النية مرة واحدة، ويستحب أن يغسل المسلم وجهه ثلاثاً للاتباع.
3- غسل اليدين مع المرفقين: والمقصود بالمرفق (ما يسميه الناس اليوم بالكوع) وهو وسط الذراع، ويجب على المسلم أن يغسل هذه المساحة من ذراعه مرة واحدة، والثلاثة أفضل للاتباع.
4- مسح بعض الرأس: والرأس معروفة، ويمسح من لا شعر له جزء من الرأس، أما من له شعر فيمسح بعض الشعرات من حد رأسه، ومسح جميع الرأس أولى للاتباع.
5- غسل الرجلين مع الكعبين : والكعب هو العظمة البارزة عند مفصل الساق والقدم، وليس هو مؤخرة القدم كما هو مشهور، ويجب على المسلم غسل هذه المساحة بما فيها تلك العظمة مرة واحدة، والثلاث أفضل للاتباع.
6- الترتيب: والترتيب وهو ركن يتم مع آخر الأركان تلقائياً ويبدأ مع أول الأركان؛ والمقصود به أن نرتب الأركان الخمسة المذكورة على النحو المذكور.
ثانيا: سنن الوضوء
أما سنن الوضوء فهي خمسة عشر، أجملها الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، في فتوى سابقة، وهي لا يأثم تاركها وإنما تدخل في ثواب إدراك السنن النبوية، وهي:
1- التسمية: في أول الوضوء قبل غسل الكفين، كما يسن الاستعاذة قبل التسمية، وهي أن يقول المسلم قبل البدء في الوضوء أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم.
2- غسل الكفين إلى الكوعين: والكوع هنا ليس الكوع المشهور، وإنما المقصود به رسغ الكف، وهما العظمتان اللتان في نهاية الكف، فيغسل المسلم هذه المساحة بعد التسمية، وقبل المضمضة ثلاثاً للاتباع.
3- المضمضة : وهي بعد غسل الكفين، ويحصل أصل المضمضة بإدخال الماء في الفم وتركه يسقط من فمه بغير طرح منه، والأفضل تحريك الماء في الفم وطرحه ثلاثاً، فإنه أبلغ في النظافة وأولى باتباع السنة.
4- الاستنشاق والاستنثار: وهي بعد المضمضة، ويتحقق الاستنشاق بإدخال الماء في بداية الأنف وتركه يسقط، والأولى أن يجذبه بالنفس قليلاً ثم يدفعه ـ والدفع هو ما يسمى بالنثر ـ بنفسه مرة أخرى، فإنه أبلغ في نظافة الأنف واتباعا للسنة، ويفعل ذلك ثلاثاً.
5- مسح جميع الرأس: وهي بعد غسل الوجه، وقد تكلمنا في الأركان عن مسح جزء من الرأس، أو بعض شعرات منها، والأولى مسح جميع الرأس اتباعا للسنة، وله أن يفعل ذلك ثلاثاً.
6- مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما
7- تخليل اللحية الكثة: من له لحية كبيرة لا يرى منها البشرة، فيسن له أن يخللها بالماء، أما اللحية الخفيفة فيجب عليه أن يخللها، وله أن يخللها بأي كيفية كأن يدخل أصابعه أسفل لحيته.
8- تخليل أصابع اليدين والرجلين: والتخليل هو أن يمرر الماء ما بين أصابع يديه ورجليه بأي كيفية، فالغسل هو الواجب والتخليل سنة، إن كان الماء يصل إلى هذه المواطن بغير تخليل.
9- تقديم اليمنى على اليسرى من اليدين والرجلين : وتقديم اليمنى على اليسرى غير الترتيب، إذ الترتيب هو غسل اليدين في موضعه أما الترتيب بين اليدين فليس بركن، وإنما هو سنة والأولى فيه التيامن للاتباع.
10- الطهارة ثلاثاً: فالتطهر ثلاث مرات سنة في المغسول والممسوح من أعضاء الوضوء، وإن كانت المرة تكفي والمرتان.
11- إطالة الغرة والتحجيل: والمقصود أي غسل جزء من بداية الرأس مع الوجه، وجزء من بداية المرفقين وما يليهما في اليدين والكعبين من الرجلين.
12- دلك الأعضاء : أي الأعضاء المغسولة، فإن غسل العضو يتحقق بمجرد إراقة الماء عليه، أما الدلك لليدين والوجه والرجلين فهو سنة يستحب فعلها للاتباع.
13- الموالاة: وهي تتابع الأعمال بغير توقف طويل في العادة.
14- تقديم النية مع السنن القبلية: الواجب هو أن ينوي المسلم الوضوء عند غسل الوجه، أما إذا نوى الوضوء عند البسملة وغسل الكفين ليأخذ ثواب تلك السنن التي تسبق غسل الوجه كان أولى وأرجى للثواب.
15- الذكر المشهور بعده: وهو أن يقول المتوضئ بعد الفراغ من الوضوء : «أشهد أن لا إله إلا الله وأن سيدنا محمداً عبده ورسوله» [رواه مسلم]
ثالثا: نواقض الوضوء
أما سبب زوال الوضوء فهي أشياء تسمى نواقض الوضوء، هذه النواقض خمسة أشياء، هي:
1- خروج شيء من أحد السبيلين : سواء كان الخارج له جرم (كالبول والغائط) أو ليس له جرم (كالريح) فكل هذه الأشياء الخارجة من أحد السبيلين تنقض الوضوء.
2- النوم: يعني الاستغراق، إذا كان النائم في وضع غير الجلوس وتمكين المقعدة من محل الجلوس. أما النائم الممكن مقعدته من محل جلوسه فنومه غير ناقض للوضوء.
3- زوال العقل: أي كان سبب الزوال حرام كالسكر، وغير المحرم كالمرض والجنون والإغماء. المهم أن من زال عقله انتقض وضوئه.
4- لمس بشرة المرأة: ما عدا المحرمات (كالأم والأخت والبنت والخالة والعمة ...) أم الزوجة، وغير الزوجة فإن لمس بشرتها ينقض الوضوء؛ لأنه مظنة الشهوة وهذا مذهب الشافعية، أما غير الشافعية كالمالكية مثلاً لم يعتبروا مجرد اللمس ناقضاً واشترطوا تحرك الشهوة، والأحناف لم يعتبروه ناقضاً أصلاً بشهوة أو بغير شهوة. والأولى الخروج من الخلاف إن لم يكن هناك حرج، فإن كان هناك حرج باتباع مذهب الشافعية في نقض الوضوء بلمس المرأة فالأولى الأخذ بقول غير الشافعية كالمالكية والأحناف إعمالاً لقوله تعالى: ﴿هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج : 78].
5- مس فرج الآدمي بباطن الكف.
ومن فعل هذه الأشياء انتقض وضوؤه، فلا يجوز له الصلاة، وكذلك سجود التلاوة، والشكر على الراجح من أقوال العلماء، وكذلك لا يجوز له أن يطوف بالبيت إلا إذا توضأ، وكذلك مس المصحف وحمله.
رابعا: مكروهات الوضوء
أما مكروهات الوضوء فتعني أن هناك أعمالاً لا ينبغي فعلها مع الوضوء، وإن حدثت منه فإنه مكروه وليس حراما، بمعنى أنه لا يأثم عليه والأولى ترك هذه الأعمال، وهي:
1- ترك أي شيء من سنن الوضوء.
2- الإسراف في الماء.
3- الزيادة على ثلاث.
4- الاستعانة بمن يقوم بأعمال الوضوء للمسلم بغير عذر (كالاستعانة بالخادم مثلاً).
5- المبالغة في المضمضمة والاستنشاق للصائم.