مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، ومواقع الانترنت التي أصبحت جزءا من حياة الأشخاص وعلاقاتهم وتواصلاتهم وحتى أعمالهم، صار من الضروري ايضاح ضوابط استعمال هذه المواقع واستثمارها في الأمور الايجابية والابتعاد عن السلبية.
فما هي القواعد الشرعية المطلوب اتباعها أثناء التعامل مع مواقع الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهنالك جملة أمور يمكن الإرشاد إليها فيما يتعلق بالإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، فنقول:
أولا: إن الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي من أعظم النعم التي أنعم الله -عز وجل- بها على عباده، فهذه الحقيقة ينبغي أن يستشعرها المسلم وهو يتعامل مع الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، وهذه الوسائل سلاح ذو حدين، فيمكن استخدامها في الخير، واستخدامها في الشر.
ثانيا: حق النعمة أن تشكر، وشكر هذه النعمة أن تستخدم فيما يرضي الله -عز وجل-، قال الله سبحانه: اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ {سبأ: 13}.
وهذه الوسائل -كما لا يخفى- فيها مجال كبير للدعوة إلى الله، ونشر الخير، وما ينفع الناس في دينهم، ودنياهم، فليحرص على الدعوة إلى الله تعالى، ونفع الآخرين، فقد قال تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {آل عمران: 104}.
وقال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ {فصلت: 33}.
وجاء في مسند الشهاب للقضاعي، والحديث حسنه الألباني عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: خَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ.
ثالثا: على المسلم أن يلزم الصدق فيما ينشره على تلك الوسائل، ويجتنب الكذب، فعاقبة الصدق خير، وعاقبة الكذب شر ووبال، روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق، ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب، ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا.
رابعا: ينبغي تمحيص ما يرد من أخبار، والتحري فيها، وأن لا ينشر المسلم كل ما يرده منها، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ {الحجرات: 6}.
وثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع.
قال المناوي: وفيه زجر عن الحديث بشيء لا يعلم صدقه... انتهى.
خامسا: اجتناب كل ما يمكن أن يقود للفتنة في الدين، والخلق من شبهات، وشهوات، وخاصة من جهة النظر إلى صور النساء، وكذلك مشاهدة الأفلام الإباحية، ونحو ذلك من دواعي الفتنة، قال الله -عز وجل-: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور: 30}.
ثبت في الصحيحين -واللفظ لمسلم- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا، مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه.
سادسا: وهو جماع ذلك كله، وهو استشعار مراقبة الله سبحانه في كل صغيرة وكبيرة؛ فعلمه محيط بكل ما يفعله العبد، وهو القائل: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {المجادلة: 7}.
وقال: أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى {العلق: 14}.
وروى البخاري، ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- في حديث جبريل الطويل أنه قال: يا رسول الله ما الإحسان؟ قال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: يشير إلى أنَّ العبدَ يعبُدُ الله تعالى على هذه الصِّفة، وهو استحضارُ قُربِهِ، وأنَّه بينَ يديه كأنَّه يراهُ، وذلك يُوجبُ الخشيةَ، والخوفَ، والهيبةَ، والتَّعظيمَ.
اسلام ويب