السوسنة
قال تعالى: "فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين"، [ الأعراف: 6]
الأنْبِياء والرُّسُل، هم أشخاص اختارهم الله لهداية الناس إلى التوحيد وعبادة الله وحده ودعوتهم للأخلاق والفضيلة ونبذ الوثنية والمحرمات، جميعهم معصومون من كبائر الذنوب ومعصومون أيضا في التبليغ عن الله تبارك وتعالى.
لكن السؤال الذي يطرحه الكثير من الناس هل الأنبياء سيحاسبون يوم القيامة؟
أوضح الداعية الدكتور محمد علي، أن الصغائر فقد تقع من الأنبياء أو من بعضهم، ولكنهم إذا وقعوا في شيء منها لا يقَرون عليها، بل ينبههم الله تبارك وتعالى عليها، فيبادرون بالتوبة منها، وقد يقع منهم الخطأ أحيانًا في تدبير الأمور الدنيوية، وهذا ما ذهب إليه أكثر أهل العلم.
وأوضح الداعية أن جماهير العلماء ذهبوا إلى أن الأنبياء والمرسلين لا يُحاسبون يوم القيامة ، وأنهم إذا كانوا لا يُسألون في قبورهم فهو يعني أنه لا حساب عليهم ، وأنهم أولى ممن يدخل الجنة من غير حساب ، من المسلمين.
وأما ما ورد من عمومات فهي إما للكفار ، أو أنهم سيُسألون عن أقوامهم هل بلغوهم رسالة الله تعالى أم لا ، وليس هذا سؤال توبيخ وتقريع ، بل هو لإقامة الحجة على من خالفهم .
قال القرطبي رحمه الله: قول الله-تعالى-" فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ" دليل على أن الكفار يحاسَبون ، وفي التنزيل" ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ" وفي سورة القصص" وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ "يعني : إذا استقروا في العذاب ، والآخرة مواطن : موطن يُسألون فيه للحساب ، وموطن لا يُسألون فيه ، وسؤالهم تقرير وتوبيخ وإفضاح ، وسؤال الرسل سؤال استشهاد بهم وإفصاح ، أي : عن جواب القوم لهم ، وهو معنى قوله" لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ".
وقال ابن كثير – رحمه الله - :"وقوله ( فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ ) الآية ، كقوله تعالى ( وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ) القصص/ 65 ، وقوله ( يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ ) المائدة/ 109 ، فالرَّبُّ تبارك وتعالى يوم القيامة يسأل الأمم عما أجابوا رسله فيما أرسلهم به ، ويسأل الرسل أيضا عن إبلاغ رسالاته ، ولهذا قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير هذه الآية ( فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ) قال : يسأل الله الناس عما أجابوا المرسلين ، ويسأل المرسَلين عمَّا بلَّغوا"
فسؤال الأنبياء إنما هو سؤال حجة على الذين أرسلوا إليهم، وليس سؤال توبيخ، فالأنبياء لا يحاسَبون يوم القيامة، بل يكونون حجة على قومهم، وهذا هو معنى الآية.