الإساءة الشخصية للآخرين

السوسنة - يُقدم البعض على الإساءة للآخرين بالضرب والسب والشتم، لأسباب شخصية او لوجود خلافات بينهم، ويجمع علماء النفس واﻹجتماع على نظرية اﻹسقاط من حيث أن المسيئين المرضى يسقطون ما بداخلهم على اﻵخرين، ما يدل على أن اﻹساءة مرض بإمتياز.

ولأن للإساءة أضرار كبيرة على الشخص والمجتمع، من الواجب على المسلم أن يحفظ لسانه من الاستطالة في أعراض الناس، والتعرض لهم، او التلفظ باللعن والشتم عل الآخرين.
وفي هذا السياق، اوضحت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمي، الحكم الشرعي للإساءة والاستطالة في أعراض الناس، وتاليا نص الإجابة:

"الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الواجب على المسلم أن يحفظ لسانه من الاستطالة في أعراض الناس، والتعرض لهم رجالاً ونساءً، ولا يجوز للمسلم أن يجري على لسانه ألفاظ اللعن والشتم؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام: (لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الفَاحِشِ وَلَا البَذِيءِ) أخرجه الترمذي، ومدار نصوص الشرع تدل على حفظ الضرورات الخمس: وهي الدين والعقل والعرض والمال والنفس؛ ومنع أي تعدٍ على هذه الضرورات، أو إساءة لها، والأدلة في ذلك كثيرة؛ كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ) رواه مسلم، يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى عند شرحه لهذا الحديث: "(من سلم المسلمون من لسانه ويده) معناه من لم يؤذ مسلماً بقول ولا فعل، وخص اليد بالذكر؛ لأن معظم الأفعال بها" [شرح النووي على مسلم 2/ 10].

وجاء في [فيض القدير 6/ 271]: "(المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) فإيذاء المسلم من نقصان الإسلام، والإيذاء ضربان: ضرب ظاهر بالجوارح؛ كأخذ المال بنحو سرقة، أو نهب، وضرب باطن؛ كالحسد والغل والبغض والحقد والكبر وسوء الظن والقسوة ونحو ذلك، فكله مضر بالمسلم مؤذ له، وقد أمر الشرع بكف النوعين من الإيذاء، وهلك بذلك خلق كثير].

قال الإمام ابن بطال رحمه الله: "والمراد بهذا الحديث الحض على ترك أذى المسلمين باللسان واليد والأذى كله، ولهذا قال الحسن البصري: "الأبرار هم الذين لا يؤذون الذّر والنمل" [شرح صحيح البخاري 1/ 62].

والواجب على المسلم حفظ لسانه وعدم ذكر أي شخص في غيبته بما يكره، فذلك يعد من الغيبة المحرمة شرعاً، وهي كبيرة من كبائر الذنوب، قال تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 12].

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟) قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: (ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ) قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: (إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ) رواه مسلم.

جاء في كتاب [الأذكار ص/337] للإمام النووي رحمه الله تعالى: "بابُ تحريم الغِيبَةِ والنَّمِيمَة: اعلم أن هاتين الخصلتين من أقبح القبائح وأكثرها انتشاراً في الناس، حتى ما يسلمُ منهما إلا القليل من الناس، فلعموم الحاجة إلى التحذير منهما بدأتُ بهما، فأما الغيبة: فهي ذكرُك الإِنسانَ بما فيه مما يكره، سواء كان في بدنه، أو دينه أو، دنياه أو نفسه، أو خَلقه، أو خُلقه، أو ماله، أو ولده، أو والده، أو زوجه، أو خادمه، أو مملوكه، أو عمامته، أو ثوبه، أو مشيته، وحركته وبشاشته وخلاعته، وعبوسه، وطلاقته، أو غير ذلك مما يتعلق به، سواء ذكرته بلفظك أو كتابك، أو رمزتَ، أو أشرتَ إليه بعينك، أو يدك، أو رأسك أو نحو ذلك.... وأما النميمة: فهي نقلُ كلام الناس بعضِهم إلى بعضٍ على جهةِ الإِفساد، هذا بيانهما. وأما حكمهما، فهما محرّمتان بإجماع المسلمين، وقد تظاهرَ على تحريمهما".

إلا أنه يستثنى من هذا الأصل جواز الجهر بالقول الذي فيه إساءة للظالم، في حدود ما يبين الظلم ويمكنه من رفعه دون مجاوزة لذلك؛ لأن الأصل المنع، قال الله تعالى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} [النساء:148].

قال الإمام الألوسي رحمه الله: "لا يُحِبُّ اللَّهُ الجَهرَ بِالسُّوءِ مِنَ القول عدم محبته سبحانه لشيء كناية عن غضبه... ولعل المراد هنا الإظهار وإن لم يكن برفع صوت أي لا يحب الله سبحانه أن يعلن أحد بالسوء كائناً من القول، إِلَّا مَنْ ظُلِمَ أي إلا جهر من ظلم فإنه غير مسخوط عنده تعالى، وذلك بأن يدعو على ظالمه، أو يتظلم منه ويذكره بما فيه من السوء" [تفسير الألوسي 3 /177].

ومع ذلك على المسلم أن يلتزم الأخلاق والآداب الإسلامية، ويبعد عن الكذب والبهتان، ولا تحمله الرغبات الفاسدة كالتشهير والانتقام إلى تجاوز الحد، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8].

وعليه؛ فلا تجوز الإساءة من حيث الأصل للآخرين، ويباح لمن تعرض للأذى والظلم من غيره المطالبة بحقه من خلال الطرق القانونية المتعارف عليها في البلد الذي يسكن فيه. والله تعالى أعلم.





آخر إضافات الموقع

الأكثر مشاهدة